1964 - مسألة : غير لازم . وطلاق السكران
وكذلك من فقد عقله بغير الخمر .
وحد السكر - هو أن يخلط في كلامه فيأتي بما لا يعقل ، وبما لا يأتي به إذا لم [ ص: 472 ] يكن سكران - وإن أتى بما يعقل في خلال ذلك - لأن المجنون قد يأتي بما يعقل ، ويتحفظ من السلطان ومن سائر المخاوف .
وأما من ثقل لسانه وتخبل مخرج كلامه وتخبلت مشيته وعربد فقط إلا أنه لم يتكلم بما لا يعقل - فليس هو سكران .
برهان ذلك : قول الله تعالى : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فبين الله تعالى أن السكران لا يعلم ما يقول ، فمن لم يعلم ما يقول فهو سكران ، ومن علم ما يقول فليس بسكران .
ومن خلط فأتى بما يعقل وما لا يعقل فهو سكران ، لأنه لا يعلم ما يقول .
ومن أخبر الله تعالى أنه لا يدري ما يقول فلا يحل أن يلزم شيئا من الأحكام ، لا طلاقا ، ولا غيره ، لأنه غير مخاطب ، إذا ليس من ذوي الألباب .
وقد اختلف الناس في هذا - فمن روي عنه خلاف ما قلنا - : كما روينا من طريق عن عبد الرحمن بن مهدي خراش بن مالك الجهضمي حدثني يحيى بن عبيد عن أبيه : أن رجلا من أهل عمان تملأ من الشراب فطلق امرأته ثلاثا فشهد عليه نسوة فكتب إلى بذلك ، فأجاز شهادة النسوة ، وأثبت عليه الطلاق . عمر
ومن طريق أبي عبيد نا عن يزيد بن هارون عن جرير بن حازم الزبير بن الخريت عن أن رجلا طلق امرأته وهو سكران فرفع إلى أبي لبيد وشهد عليه أربع نسوة ففرق عمر بن الخطاب بينهما . عمر
ومن طريق أبي عبيد نا - عن ابن أبي مريم - وهو سعيد ناجية بن أبي بكر عن عن جعفر بن ربيعة ابن شهاب عن : أن سعيد بن المسيب أجاز طلاق السكران . معاوية
ورويناه عن من طرق لم تصح : لأن في إحدى طريقيه ابن عباس ، وفي الأخرى الحجاج بن أرطاة . إبراهيم بن أبي يحيى
وصح عن ، النخعي ، وابن سيرين والحسن ، ، وميمون بن مهران ، وحميد بن عبد الرحمن ، وعطاء ، وقتادة والزهري - إلا أنه فرق بين أحكامه .
وروينا من طريق عن عبد الرزاق عن معمر الزهري قال : يجوز طلاق السكران وعتقه ، ولا يجوز نكاحه ، ولا شراؤه ولا بيعه . [ ص: 473 ]
ومن طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج ابن شهاب يجوز طلاق السكران ولا تجوز هبته ولا صدقته .
وصحت إجازة طلاق السكران عن الشعبي ، ، ومجاهد وسعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد . وعمر بن عبد العزيز
ورويناه عن ، عطاء بن أبي رباح - وهو قول وسليمان بن يسار ، وتوقف في نكاحه - وأجاز ابن شبرمة كلا الأمرين . ابن أبي ليلى
وممن أجاز طلاقه : ، سفيان الثوري ، والحسن بن حي - في أحد قوليه . والشافعي
وقال : طلاق السكران ونكاحه وجميع أفعاله جائزة إلا الردة فقط ، فلا يحكم له في شيء من أموره بحكم المرتد . مالك
وروى عنه يجوز طلاقه ولا يجوز نكاحه . ابن وهب
وقال صاحب مطرف بن عبد الله : لا يلزم السكران شيء ولا يؤاخذ بشيء ، إلا بأربعة أشياء لا خامس لها - هكذا قال ، ثم سماها - فقال : الطلاق ، والعتق ، والقتل ، والقذف - فدل ذلك على أنه لا يحد للزنى ولا للسرقة . مالك
وقال ، وأصحابه : يجوز طلاقه ، وجميع أفعاله إلا الردة . وقال أبو حنيفة : ولا إسلامه إن كان كافرا ، ولا إقراره بالحدود . محمد بن الحسن
وقال : كل ذلك له لازم . أبو يوسف
وأما من روي عنه مثل قولنا - : فكما روينا من طريق نا بن أبي شيبة عن وكيع عن ابن أبي ذئب الزهري عن عن أبيه أبان بن عثمان قال : ليس لمجنون ، ولا لسكران طلاق . عثمان
وقد روينا رجوع الزهري ، إلى هذا . وعمر بن عبد العزيز
ومن طريق عن وكيع رباح بن أبي معروف عن قال : طلاق السكران لا يجوز . عطاء بن أبي رباح
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر عن أبيه : لا يجوز طلاق السكران . [ ص: 474 ] ابن طاوس
وصح عن القاسم بن محمد أنه لا يجوز طلاقه ، وأنه لا يقطع إن سرق إلا أن يكون معروفا بالسرقة .
ومن طريق أبي عبيد نا نا هشيم أن يحيى بن سعيد الأنصاري أتي بسكران طلق امرأته ، فاستحلفه بالذي لا إله إلا هو لقد طلقها - وهو لا يعقل - فحلف ، فرد إليه امرأته وضربه الحد - قال عمر بن عبد العزيز يحيى بن سعيد : وبهذا يقول القاسم بن محمد بن أبي بكر .
وصح عن ، يحيى بن سعيد الأنصاري . وحميد بن عبد الرحمن
ورويناه عن - وهو قول ربيعة عبيد الله بن الحسن ، . والليث بن سعد
وأحد قولي ، وقول الشافعي ، إسحاق بن راهويه ، وأبي ثور ، والمزني ، وجميع أصحابهم وبه يقول وأبي سليمان ، أبو جعفر الطحاوي من شيوخ الحنفيين - وقال وأبو الحسن الكرخي : لا يلزمه عقد ولا بيع ولا حد إلا حد الخمر فقط ، وإن زنى وقذف وسرق - وقال عثمان البتي : لا يلزمه طلاق ولا بيع ولا نكاح ولا عتق ولا شيء بقوله . وأما ما عمل ببدنه من قتل ، أو سرقة ، أو زنى ، فإنه يقام عليه كل ذلك الليث
- فنظرنا فيما يحتج به من خالف قولنا ؟ فوجدناهم يقولون : هو أدخل على نفسه ذهاب عقله بمعصيته لله عز وجل ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ ومن أين وجب إذا أدخل ذلك على نفسه أن يؤاخذ بما يجني في ذهاب عقله ؟ وهذا ما لا يوجد في قرآن ولا سنة ، ولا خلاف بينكم فيمن تردى ليقتل نفسه عاصيا لله عز وجل ، فسلمت نفسه إلا أنه سقط على رأسه ففسد عقله ، وفيمن حارب وأفسد الطريق فضرب في رأسه ففسد عقله أنه لا يلزمه شيء مما يلزم الأصحاء وهو الذي أدخل على نفسه الجنون بأعظم المعاصي .
ثم لا يختلفون فيمن أمسكه قوم عيارون فضبطت يداه ورجلاه ، وفتح فمه بكلوب وصب فيه الخمر حتى سكر أنه مؤاخذ بطلاقه - وهو لم يدخل على نفسه شيئا ولا عصى - : فظهر فساد اعتراضهم . [ ص: 475 ]
وموهوا بالأخبار التي فيها { } وليس فيها على سقوطها للسكران ذكر ، ولا دليل عليه . ثلاث هزلهن جد
واحتجوا بالخبر الموضوع { لا قيلولة في الطلاق } ولو صح هذا لكان ذلك في طلاق من طلاقه طلاق ممن يعقل كما يقولون في طلاق الصبي والمجنون .
وبالخبر الكاذب : { } . كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه
قال : قد بينا سقوطه آنفا في باب " طلاق المكره " . أبو محمد
ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة ، لأنهم لا يجيزون طلاق من لم يبلغ وليس بمعتوه .
وأما السكران الذي لا يدري ما يتكلم به فهو معتوه بلا شك ، لأن المعتوه في اللغة : هو الذي لا عقل له ، ومن لا يدري ما يتكلم به ، فلا عقل له ، فهو معتوه بأي وجه كان .
وقالوا : قد روي عن ، علي بحضرة الصحابة ، إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وإذا افترى : جلد ثمانين . وعبد الرحمن
قال : وهذا خبر مكذوب قد نزه الله تعالى أبو محمد ، عليا عنه ، لأنه لا يصح إسناده ، ثم عظيم ما فيه من المناقضة ، لأن فيه إيجاب الحد على من هذى ، والهاذي لا حد عليه . وعبد الرحمن
وهلا قلتم : إذا هذى كفر ، وإذا كفر قتل ؟ وقالوا : بنفس السكر يجب عليه الحد ، فالطلاق كذلك ؟ قلنا : كذبتم ما وجب قط بالسكر حد ، لكن بقصده إلى شرب ما يسكر كثيره فقط ، سواء سكر أو لم يسكر .
برهان ذلك - : أن من سكر ممن أكره على شربها لا حد عليه .
وقالوا : هو مخاطب بالصلاة فطلاقه لازم له ؟ قلنا : كذبتم ، بل نص القرآن يبين أنه غير مخاطب بالصلاة ، بل هو منهي عنها حتى يدري ما يقول .
وقالوا : لو كان ذلك لكان من شاء قتل عدوه سكر فقتله ، ومن يدري أنه سكران ؟ [ ص: 476 ] فقلنا : فقولوا إذا بإقامة الحدود على المجانين ، لأنه لو سقط عنهم الحد لكان من شاء قتل عدوه تحامق ، ومن يدري أنه أحمق - لكن نقول : لا يخفى السكران من المتساكر ، ولا الأحمق من المتحامق .
ومما يوضح صحة قولنا يقينا : الخبر الثابت الذي رويناه من طريق نا البخاري عبدان ، قال وأحمد بن صالح عبدان : نا - وقال عبد الله بن المبارك : نا أحمد عنبسة ، كلاهما أخبره عن يونس بن يزيد الزهري أخبرني علي بن الحسين أن الحسين بن علي أخبره أن قال في حديث طويل ، قال : { عليا فيما فعل - : يعني إذ عقر شارفي حمزة وهو يشرب مع قوم من الأنصار ، قال علي : فإذا علي ثمل محمرة عيناه فقال له حمزة : هل أنتم إلا عبيد لأبي ؟ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص عليه الصلاة والسلام على عقبيه القهقرى ، فخرج وخرجنا معه حمزة } . فهذا فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم - رضي الله عنه - يقول وهو سكران ما لو قاله غير سكران لكفر ، وقد أعاذه الله من ذلك . حمزة
فصح أن السكران غير مؤاخذ بما يفعل جملة .
وأما من فرق فلم يلزمه الردة ، وألزمه غير ذلك ، فمتناقض القول ، باطل الحكم بيقين لا إشكال فيه - وبالله تعالى التوفيق .