[ ص: 334 ] إن في ذلك لآيات لأولي النهى أفلم يهد لهم كم اهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم
تفريع على الوعيد المتقدم في قوله تعالى : وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه . جعل الاستفهام الإنكاري التعجيبي مفرعا على الإخبار بالجزاء بالمعيشة الضنك لمن أعرض عن توحيد الله ؛ لأنه سبب عليه لا محالة ، تعجيبا من حال غفلة المخاطبين المشركين عما حل بالأمم المماثلة لهم في الإشراك والإعراض عن كتب الله وآيات الرسل . فضمائر جمع الغائبين عائدة إلى معروف من مقام التعريض بالتحذير والإنذار بقرينة قوله : يمشون في مساكنهم ، فإنه لا يصلح إلا أن يكون حالا لقوم أحياء يومئذ .
والهداية هنا مستعارة للإرشاد إلى الأمور العقلية بتنزيل العقلي منزلة الحسي ، فيئول معناها إلى معنى التبيين ، ولذلك عدي فعلها باللام ، كما في قوله تعالى : أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها في سورة الأعراف . وجملة كم اهلكنا قبلهم من القرون معلقة فعل " يهد " عن العمل في المفعول ؛ لوجود اسم الاستفهام بعدها ، أي ألم يرشدهم إلى جواب كم اهلكنا قبلهم ، أي كثرة إهلاكنا القرون . وفاعل " يهد " ضمير دل عليه السياق وهو ضمير الجلالة . والمعنى : أفلم يهد الله لهم جواب " كم أهلكنا " . ويجوز أن يكون الفاعل مضمون جملة " كم أهلكنا " . والمعنى : أفلم يبين لهم هذا السؤال ، على أن مفعول " يهد " محذوف تنزيلا للفعل منزلة اللازم ، أي يحصل لهم التبيين . وجملة يمشون في مساكنهم حال من الضمير المجرور باللام ؛ لأن عدم التبيين في تلك الحالة أشد غرابة وأحرى بالتعجيب .
[ ص: 335 ] والمراد بالقرون : عاد وثمود . فقد كان العرب يمرون بمساكن عاد في رحلاتهم إلى اليمن ونجران وما جاورها ، وبمساكن ثمود في رحلاتهم إلى الشام . وقد مر النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بديار ثمود في مسيرهم إلى تبوك . وجملة إن في ذلك لآيات لأولي النهى في موضع التعليل للإنكار والتعجيب من حال غفلتهم عن هلاك تلك القرون . فحرف التأكيد للاهتمام بالخبر وللإيذان بالتعليل . و " النهى " - بضم النون والقصر - جمع نهية - بضم النون وسكون الهاء - : اسم العقل . وقد يستعمل النهى مفردا بمعنى العقل . وفي هذا تعريض بالذين لم يهتدوا بتلك الآيات بأنهم عديمو العقول ، كقوله : إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا .