[ ص: 156 ] القول في قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ( 156 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال الله لموسى : هذا الذي أصبت به قومك من الرجفة ، عذابي أصيب به من أشاء من خلقي ، كما أصيب به هؤلاء الذين أصبتهم به من قومك " ورحمتي وسعت كل شيء " ، يقول : ورحمتي عمت خلقي كلهم .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : مخرجه عام ، ومعناه خاص ، والمراد به : ورحمتي وسعت المؤمنين بي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم . واستشهد بالذي بعده من الكلام ، وهو قوله : " فسأكتبها للذين يتقون " ، الآية .
ذكر من قال ذلك :
15202 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو سلمة المنقري قال ، حدثنا حماد بن سلمة قال ، أخبرنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنه قرأ : " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون " . قال : جعلها الله لهذه الأمة . [ ص: 157 ]
15203 - حدثني عبد الكريم قال ، حدثنا إبراهيم بن بشار قال ، قال سفيان قال ، أبو بكر الهذلي : فلما نزلت : " ورحمتي وسعت كل شيء " ، قال إبليس : أنا من "الشيء"! فنزعها الله من إبليس ، قال : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، فقال اليهود : نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا! فنزعها الله من اليهود فقال : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، قال : نزعها الله عن إبليس ، وعن اليهود ، وجعلها لهذه الأمة .
15204 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن قال : لما نزلت : " ابن جريج ورحمتي وسعت كل شيء " ، قال إبليس : أنا من "كل شيء!" . قال الله : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، الآية . فقالت اليهود : ونحن نتقي ونؤتي الزكاة! فأنزل الله : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، قال : نزعها الله عن إبليس ، وعن اليهود ، وجعلها لأمة محمد : سأكتبها للذين يتقون من قومك .
15205 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء " ، فقال إبليس : أنا من ذلك "الشيء"! فأنزل الله : " فسأكتبها للذين يتقون " معاصي الله " والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، فتمنتها اليهود والنصارى ، فأنزل الله شرطا وثيقا بينا ، فقال : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، فهو نبيكم ، كان أميا لا يكتب صلى الله عليه وسلم .
15206 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا قال ، أخبرنا ابن علية خالد الحذاء ، [ ص: 158 ] عن أنيس بن أبي العريان ، عن ابن عباس في قوله : " واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك " ، قال : فلم يعطها ، فقال : " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون " إلى قوله : " الرسول النبي الأمي " .
15207 - حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، وعبد الأعلى ، عن خالد ، عن أنيس أبي العريان قال عبد الأعلى ، عن أنيس أبي العريان وقال : قال ابن عباس : " واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك " ، قال : فلم يعطها موسى ، قال : " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها " ، إلى آخر الآية .
15208 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قال : كان الله كتب في الألواح ذكر محمد وذكر أمته ، وما ذخر لهم عنده ، وما يسر عليهم في دينهم ، وما وسع عليهم فيما أحل لهم ، فقال : [ ص: 159 ] عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون يعني : الشرك . الآية . .
وقال آخرون : بل ذلك على العموم في الدنيا ، وعلى الخصوص في الآخرة .
ذكر من قال ذلك :
15209 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : " ورحمتي وسعت كل شيء " ، قالا : وسعت في الدنيا البر والفاجر ، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة .
وقال آخرون : هي على العموم ، وهي التوبة .
ذكر من قال ذلك :
15210 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك " ، فقال : سأل موسى هذا ، فقال الله : " عذابي أصيب به من أشاء " العذاب الذي ذكر "ورحمتي" ، التوبة ( وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ) ، قال : فرحمته التوبة التي سأل موسى عليه السلام ، كتبها الله لنا .
وأما قوله : " فسأكتبها للذين يتقون " ، فإنه يقول : فسأكتب رحمتي التي وسعت كل شيء ومعنى "أكتب" في هذا الموضع : أكتب في اللوح الذي كتب فيه التوراة " للذين يتقون " ، يقول : للقوم الذين يخافون الله ويخشون عقابه على الكفر به والمعصية له في أمره ونهيه ، فيؤدون فرائضه ، ويجتنبون معاصيه . [ ص: 160 ] وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله هؤلاء القوم بأنهم يتقونه . فقال بعضهم : هو الشرك .
ذكر من قال ذلك :
15211 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " فسأكتبها للذين يتقون " ، يعني الشرك .
وقال آخرون : بل هو المعاصي كلها .
ذكر من قال ذلك :
15212 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة " فسأكتبها للذين يتقون " ، معاصي الله .
وأما "الزكاة وإيتاؤها" ، فقد بينا صفتها فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته .
وقد ذكر عن ابن عباس في هذا الموضع أنه قال في ذلك ما : -
15213 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " ويؤتون الزكاة " ، قال : يطيعون الله ورسوله .
فكأن ابن عباس تأول ذلك بمعنى أنه العمل بما يزكي النفس ويطهرها من صالحات الأعمال .
وأما قوله : " والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، فإنه يقول : وللقوم الذين هم بأعلامنا وأدلتنا يصدقون ويقرون . [ ص: 161 ]