من كان يريد أي: بعلمه، كما أخرجه عن ابن أبي حاتم الضحاك العاجلة فقط من غير أن [ ص: 46 ] يريد معها الآخرة كما ينبئ عنه الاستمرار المستفاد من زيادة ( كان ) هنا مع الاقتصاد على مطلق الإرادة في قسميه وقيل: لو لم يقيد صدق على مريد العاجلة والآخرة والقسمة تنافي الشركة، ودلالة الإرادة على ذلك لأنها عقد القلب بالشيء وخلوص همه فيه ليس بذاك، والمراد بالعاجلة الدار الدنيا كما روي عن أيضا وبإرادتها إرادة ما فيها من فنون مطالبها كقوله تعالى: الضحاك ومن كان يريد حرث الدنيا وجوز أن يراد الحياة العاجلة كقوله تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ورجح الأول بأنه أنسب بقوله تعالى: عجلنا له فيها أي: في تلك العاجلة، فإن تلك الحياة واستمرارها من جملة ما عجل فالأنسب في ذلك كلمة (من) كما في قوله عز وجل: ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ما نشاء أي: ما نشاء تعجيله له من نعيمها لا كل ما يريد.
لمن نريد تعجيل ما نشاء له، وقال أبو إسحاق الفزاري: أي: لمن نريد هلكته ولا يدل عليه لفظ في الآية، والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور السابق، أعني له فلا يحتاج إلى رابط لأنه في بدل المفردات، أو المجرور بدل من الضمير المجرور بإعادة العامل، وتقديره: لمن نريد تعجيله له منهم، والضمير راجع إلى (من) وهي موصولة أو شرطية، وعلى التقديرين هي منبئة عن الكثرة فهو بدل بعض من كل، وعن أنه قرأ: (ما يشاء) بالياء، فقيل: الضمير فيه لله تعالى فيتطابق القراءتان، وقيل: هو لمن فيكون مخصوصا بمن أراد الله تعالى به ذلك نافع كنمروذ وفرعون ممن ساعده الله تعالى على ما أراده استدراجا له، واستظهر هذا بأنه يلزم أن يكون على الأول التفات ووقوع الالتفات في جملة واحدة إن لم يكن ممنوعا فغير مستحسن كما فصله في عروس الأفراح، وتقييد المعجل والمعجل له بما ذكر من المشيئة والإرادة لما أن الحكمة التي يدور عليها فلك التكوين لا تقتضي وصول كل طالب إلى مرامه ولا استيفاء كل واصل لما يطلبه بتمامه، وليس المراد بأعمالهم في قوله تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أعمال كلهم ولا كل أعمالهم، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر، وذكر المشيئة في أحدهما والإرادة في الآخر إن قيل بترادفهما تفنن.
ثم جعلنا له مكان ما عجلنا له جهنم يصلاها يقاسي حرها كما قال أو يدخلها كما قيل، والجملة كما قال الخليل حال من الهاء في ( له ) وقال أبو البقاء إنها حال من ( جهنم ) وهي مفعول أول لجعلنا و ( له ( الثاني. أبو حيان:
وجوز أن تكون الجملة مستأنفة، وقال صاحب الغنيان: مفعول جعلنا الثاني محذوف، والتقدير مصيرا أو جزاء ولا حاجة إلى ذلك مذموما حال من فاعل يصلى وهو من الذم ضد المدح وفعله ذم وذمته ذيما وذأمته ذأما بمعناه مدحورا أي: مطرودا مبعدا من رحمة الله تعالى، قال الإمام: إن العقاب عبارة عن مضرة مقرونة بالإهانة والذم بشرط أن تكون دائمة وخالية عن المنفعة؛ فقوله تعالى: جعلنا له جهنم يصلاها إشارة إلى المضرة العظيمة و مذموما إشارة إلى الإهانة والذم و مدحورا إشارة إلى البعد والطرد من رحمته تعالى فيفيد ذلك أن تلك المضرة خالية عن شوب النفع والرحمة وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدل بالراحة والخلاص اه، ولا يخفى أن هذا ظاهر في أن الآية تدل على الخلود وحينئذ يتعين عندنا أن يكون ذلك المريد من الكفرة، وفي إرشاد العقل السليم من كان يريد أي بأعماله التي يعملها سواء كان ترتب المراد عليها بطريق الجزاء كأعمال البر أو بطريق ترتب المعلولات على العلل كالأسباب أو بأعمال الآخرة فالمراد بالمريد على الأول الكفرة وأكثر الفسقة، وعلى الثاني أهل الرياء والنفاق والمهاجر للدنيا والمجاهد للغنيمة، وأنت تعلم أن إدراج [ ص: 47 ] الفاسق والمهاجر للدنيا والمجاهد للغنيمة إذا كان مؤمنا في التمثيل على القول بدلالة الآية على الخلود مما لا يستقيم على أصولنا، نعم يصح على أصول المعتزلة، وقد أدرج الفاسق في ذلك، ودسائس الاعتزال منه عامله الله تعالى بعدله أكثر من أن تحصى، وظاهر كلام الزمخشري أبي حيان اختيار كون المريد من الكفرة حيث قال: العاجلة هي الدنيا، ومعنى إرادتها إيثارها على الآخرة ولا بد من تقدير محذوف دل عليه المقابل في