ونقض الحصر بدفع الصائل فإن ذلك ربما أدى إلى القتل، ودفع بأن المراد ما يكون بنفسه مقصودا به القتل وما ذكر المقصود به الدفع، وقد يفضي إليه في الجملة، والحق عدم انحصار الحق فيما ذكر وهو في الخبر ليس بحقيقي، وقد ذهب الشافعية إلى أن ترك الصلاة كسلا مبيح للقتل، وكذا اللواطة عند جمع من الأجلة.
ومن قتل مظلوما بغير حق يوجب قتله أو يبيحه للقاتل حتى أنه لا يعتبر إباحته لغير القاتل فقد نص علماؤنا أن من عليه القصاص إذا قتله غير من له القصاص يقتص له ولا يفيده قول الولي: أنا أمرته بذلك إلا أن يكون الأمر ظاهرا فقد جعلنا لوليه لمن يلي أمره من الوارث أو السلطان عند عدم الوارث، واقتصار البعض على الأول رعاية للأغلب سلطانا أي: تسلطا واستيلاء على القاتل بمؤاخذته بأحد أمرين القصاص أو الدية، وقد تتعين الدية كما في القتل الخطأ، والمقتول خطأ مقتول ظلما بالمعنى الذي أشير إليه، وإن قلنا: لا إثم في الخطأ لحديث: «رفع عن أمتي الخطأ».
وشرع الكفارة فيه لعدم التثبت واجتناب ما يؤدي إليه فليتأمل.
واستدل بتفسير الولي بالوارث على أن للمرأة دخلا في القصاص. وقال القاضي إسماعيل: لا تدخل لأن لفظه مذكر فلا يسرف أي الولي في القتل أي: فلا يتجاوز الحد المشروع فيه بأن يقتل اثنين مثلا والقاتل واحد كعادة الجاهلية؛ فإنهم كانوا إذا قتل منهم واحد قتلوا قاتله وقتلوا معه غيره، ومن هنا قال مهلهل:
كل قتيل في كليب غره حتى ينال القتل آل مره
وإلى هذا ذهب وأخرجه ابن جبير المنذر من طريق أبي صالح عن أو بأن يقتل غير القاتل ويترك القاتل. وروي هذا عن ابن عباس فقد أخرج زيد بن أسلم في سننه عنه أن الناس في الجاهلية إذا قتل من ليس شريفا شريفا لم يقتلوه به وقتلوا شريفا من قومه فنهى عن ذلك أو بأن يزيد على القتل المثلة كما قيل. البيهقي
وأخرج وغيره عن ابن جرير طلق بن حبيب أنه قال: وقيل بأن يقتل القاتل [ ص: 70 ] والمشروع عليه الدية، وأخرج لا يقتل غير قاتله ولا يمثل به، وغيره عن ابن أبي حاتم أنه قال في الآية: من قتل بحديدة قتل بحديدة، ومن قتل بخشبة قتل بخشبة، ومن قتل بحجر قتل بحجر، ولا يقتل غير القاتل. وفيه القول بأن قتادة يوجب القصاص وهو خلاف مذهبنا. القتل بالمثقل
وقرأ حمزة «فلا تسرف» بالخطاب للولي التفاتا، وقرأ والكسائي: أبو مسلم صاحب الدولة: «فلا يسرف» بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر وفيه مبالغة ليست في الأمر إنه كان منصورا تعليل للنهي، والضمير للولي أيضا على معنى أنه تعالى نصره بأن أوجب القصاص أو الدية وأمر الحكام بمعونته في استيفاء حقه فلا يبغ ما وراء حقه ولا يخرج من دائرة إمرة الناصر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن وابن أبي حاتم أن الضمير للمقتول على معنى أن الله تعالى نصره في الدنيا بأخذ القصاص أو الدية وفي الأخرى بالثواب فلا يسرف وليه في شأنه، وجوز أن يعود على الذي أسرف به الولي؛ أي إنه تعالى نصره بإيجاب القصاص والتعزيز والوزر على من أسرف في شأنه، وقيل: ضمير يسرف للقاتل؛ أي: مريد القتل ومباشره ابتداء، ونسبه في الكشاف إلى مجاهد والضميران في التعليل عائدان على الولي أو المقتول، وأيد بقراءة مجاهد، «فلا تسرفوا» لأن القاتل متعدد في النظم في قوله تعالى: أبي: ولا تقتلوا والأصل توافق القراءتين، ولم تعينه لأن الولي عام في الآية فهو في معنى الأولياء فيجوز جمع ضميره بهذا الاعتبار ويكون التفاتا، وتوافق القراءتين ليس بلازم، والمعنى فلا يسرف على نفسه في شأن القتل بتعريضها للهلاك العاجل والآجل. وفي الكشف أنه ردع للقاتل على أسلوب: ولكم في القصاص حياة والنهي عن الإسراف لتصوير أن القتل بغير حق كيف ما قدر إسراف، ومعناه: فلا يقتل بغير حق وأنت تعلم أن هذا الوجه غير وجيه فلا ينبغي التعويل عليه، وهذه الآية كما أخرج غير واحد عن أول آية نزلت في شأن القتل وقد علمت أن الأصح أنه أكبر الكبائر بعد الشرك، وكون القتل العمد العدوان من الكبائر مجمع عليه، وعد شبه العمد منها هو ما صرح به الضحاك الهروي وشريح الروياني، وأما الخطأ فالصواب أنه ليس بمعصية فضلا عن كونه ليس بكبيرة فليحفظ.