وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون "وأنذرهم يوم الحسرة "؛ أي: أنذرهم بهذا اليوم الذي يكون حسرة؛ إذ قضي الأمر إذ تبين أمر الله (تعالى) الذي قضاه؛ بأن قدر وجوده ونفذه؛ و "إذ "؛ ظرف متعلق بالحسرة؛ أي أنه الحسرة؛ لأنه قضي الأمر وجاء التنفيذ؛ والحسرة لأنهم فرطوا في أمورهم؛ ويقولون: يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله؛ والحسرة لأنهم رأوا العذاب وعاينوه؛ والحسرة لأنهم أنكروه؛ وهم اليوم قد عاينوه؛ والحسرة لأنهم خسروا أنفسهم وكذبوا بلقاء الله.
وقد وصفهم الله (تعالى) بوصفين؛ أحدهما ذريعة الآخر؛ الوصف الأول: أنهم في غفلة؛ فقال (تعالى): وهم في غفلة الجملة حالية؛ أي: والحال أنهم في هذه الدنيا في غفلة؛ والتعبير بقوله: "في غفلة "؛ يفيد أنهم قد [ ص: 4643 ] استغرقتهم الغفلة؛ واستولت عليهم؛ وحاطتهم؛ كأنها ظرف لهم قد استقروا فيه؛ والغفلة قد جاءتهم من غرور بالحياة الدنيا؛ ومن استيلاء الأهواء على نفوسهم؛ فصاروا لا يصدرون إلا عنها؛ وجاءتهم من سيطرة الأوهام عليهم؛ وجاءتهم من أنه لا مرشد ولا هادي؛ وليس فيهم أمر بمعروف؛ أو نهي عن منكر.
والوصف الثاني: أنهم "لا يؤمنون "؛ وعبر الله - سبحانه - عن ذلك بقوله (تعالى): "لا يؤمنون "؛ وهذه الجملة حالية كأختها؛ والحال أنهم لا يؤمنون؛ وكان النفي نفيا للمضارع؛ للإشارة إلى استمرارهم على الإيمان؛ وهو نتيجة للغفلة التي أحاطتهم وسكنوها; لأن الإيمان بصر الحقائق وإدراك لها.
هذا؛ وإن الغرور المتمكن في أهل هذه الدنيا أنهم يحسبون في أعمالهم أنهم باقون؛ ولا يفكرون في الموت؛ وإن فكروا في الموت؛ لا يفكرون في البعث؛ وقد أكد - سبحانه وتعالى - هاتين الحقيقتين؛ الموت؛ والبعث؛ فقال (تعالى):