وبين - سبحانه - أن ذلك كان استكبارا؛ فقال: [ ص: 5093 ] مستكبرين به سامرا تهجرون مستكبرين ؛ حال من الواو في تنكصون ؛ وهي تفرقة واضحة بين حالين؛ إحداهما تململهم عند سماع الحق؛ حتى إنهم ينكصون على أعقابهم عند سماعهم؛ وحالهم وهم يجأرون ضارعين صاغرين عندما يؤخذون ببعض العذاب الذي يستحقون.
وقوله (تعالى): مستكبرين به ؛ الضمير في " به " ؛ يعود إلى القرآن؛ الذي تتلى آياته؛ مستكبرين استكبارا مصاحبا لسماعه؛ أي: متعالين على القرآن نفسه؛ أو متعالين بسببه؛ لأنهم لم يذعنوا لحقائقه؛ ويصح أن يكون متعلقا بـ " سامرا " ؛ أي: جاعلين القرآن موضع سمرهم حول الكعبة؛ تهجرون ؛ ؛ أي: يقولون الهجر من القول الفاحش؛ أي أنهم مع نكوصهم على أعقابهم عند سماع تلاوته يجعلون الطعن فيه وسب النبي - صلى الله عليه وسلم - موضع سمرهم؛ وقولهم الهجر من القول الفاحش؛ وقرئ: " يهجرون " ؛ وبضم الياء؛ وماضيها " أهجر " ؛ أي: دخل في هجر القول.
وخلاصة المعنى؛ على هذا؛ أنهم ينكصون معرضين عند سماع التلاوة؛ مستكبرين سامرا به بهجر القول؛ أي: لا سمر لهم إلا السخرية به؛ وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - ناطقين بالهجر الفاحش من القول؛ ومع ذلك يجأرون ضارعين عندما يأخذهم عذاب يفجؤهم؛ أو كارثة تكرثهم؛ وكان حقا عليهم أن يتدبروا القرآن بدل أن يعرضوا عنه؛ ويتخذوه موضوعا لسمرهم وهجرهم؛