[ ص: 220 ] قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون
استئناف ابتدائي جار على طريقة حكاية المقاولات لأن جملة " قل " في معنى جواب لقولهم ( أإذا ضللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد ) أمر الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يعيد إعلامهم بأنهم مبعوثون بعد الموت . فالمقصود من الجملة هو قوله ثم إلى ربكم ترجعون إذ هو مناط إنكارهم ، وأما أنهم يتوفاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد من قوله " الذي وكل بكم " فإنه موكل بكل ميت بما يناسب معاملته عند قبض روحه . النظر في إمكان البعث والاستعداد له
وفيه إبطال لجهلهم بأن وأنه كما خلقهم يميتهم وكما يميتهم يحييهم ، وأن الإماتة والإحياء بإذنه وتسخير ملائكته في الحالين ، وذلك إبطال لقوله الموت بيد الله تعالى ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا فأعلمهم الله أنهم لا يخرجون عن قبضة تصرفه طرفة عين لا في حال الحياة ولا في حال الممات . وإذا كان موتهم بفعل ملك الموت الموكل من الله بقبض أرواحهم ظهر أنهم مردودة إليهم أرواحهم متى شاء الله .
والتوفي : الإماتة . وتقدم في قوله تعالى : وهو الذي يتوفاكم بالليل في سورة الأنعام وقوله ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة في الأنفال .
وقد ورد ذكره في القرآن مفردا كما هنا وورد مجموعا في قوله وملك الموت هو الملك الموكل بقبض الأرواح ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة في سورة الأنفال وقوله " توفته رسلنا " في سورة الأنعام ; وذلك أن الله جعل ملائكة كثيرين لقبض الأرواح وجعل مبلغ أمر الله بذلك عزرائيل فإسناد التوفي إليه كإسناده إلى الله في قوله " الله يتوفى الأنفس " ، وجعل الملائكة الموكلين بقبض الأرواح أعوانا له وأولئك يسلمون الأرواح إلى عزرائيل فهو يقبضها ويودعها في مقارها التي أعدها [ ص: 221 ] الله لها ، ولم يرد اسم عزرائيل في القرآن . وقيل : إن ملك الموت في هذه الآية مراد به الجنس فتكون كقوله " توفته رسلنا " .