فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد في شيء مما أوحي إليه محرما غير هذه المذكورات ، فدل ذلك على انحصار المحرمات فيها لولا أنها مكية ، وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة وزيد فيها على هذه المحرمات المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الحمر الأهلية والكلاب ونحو ذلك .
وبالجملة فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات كما يدل عليه السياق ويفيده الاستثناء ، فيضم إليه كل ما ورد بعده في الكتاب أو السنة مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات ، وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرمه الله من حيوان وغيره فإنه يضم إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء .
وقد روي عن ، ابن عباس وابن عمر وعائشة أنه لا حرام إلا ما ذكره الله في هذه الآية ، وروي ذلك عن مالك وهو قول ساقط ، ومذهب في غاية الضعف لاستلزامه لإهمال غيرها مما نزل بعدها من القرآن ، وإهمال ما صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قاله بعد نزول هذه الآية بلا سبب يقتضي ذلك ولا موجب يوجبه .
قوله : محرما صفة لموصوف محذوف : أي طعاما محرما على أي طاعم يطعمه من المطاعم ، وفي يطعمه زيادة تأكيد وتقرير لما قبله إلا أن يكون ميتة أي ذلك الشيء أو ذلك الطعام أو العين أو الجثة أو النفس .
وقرئ " يكون " بالتحتية والفوقية ، وقرئ " ميتة " بالرفع على أن " يكون " تامة .
والدم المسفوح : الجاري ، وغير المسفوح معفو عنه كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح ، ومنه الكبد والطحال ، وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم .
وقد حكى القرطبي الإجماع على هذا .
قوله : أو لحم خنزير ظاهر تخصيص اللحم أنه لا يحرم الانتفاع منه بما عدا اللحم ، والضمير في فإنه راجع إلى اللحم أو إلى الخنزير .
والرجس : النجس ، وقد تقدم تحقيقه .
قوله : أو فسقا عطف على لحم خنزير ، و أهل به لغير الله صفة فسق : أي ذبح على الأصنام ، وسمي فسقا لتوغله في باب الفسق ، قيل : ويجوز أن يكون فسقا مفعولا له لأهل : أي أهل به لغير الله فسقا على عطف أهل على يكون ، وهو تكلف لا حاجة إليه فمن اضطر غير باغ ولا عاد قد تقدم تفسيره في سورة البقرة فلا نعيده فإن ربك غفور رحيم أي كثير المغفرة والرحمة فلا يؤاخذ المضطر بما دعت إليه ضرورته .
وقد أخرج ، عن عبد بن حميد قال : إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويحلون أشياء ، فنزلت : طاوس قل لا أجد الآية .
وأخرج ، عبد بن حميد وأبو داود ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه وابن مردويه ، عن ، قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تعذرا ، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه ، ما أحل فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، ثم تلا هذه الآية : ابن عباس قل لا أجد إلى آخرها .
وأخرج عبد الرزاق ، ، عنه أنه تلا هذه الآية فقال : ما خلا هذا فهو حلال . وعبد بن حميد
وأخرج ، البخاري وأبو داود وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن قال : قلت عمرو بن دينار : إنهم يزعمون لجابر بن زيد زمن لحوم الحمر الأهلية خيبر ، فقال : قد كان يقول ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن عندنا الحكم بن عمرو الغفاري بالبصرة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولكن أبى ذلك البحر ، وقرأ : ابن عباس قل لا أجد الآية .
وأقول : وإن أبى ذلك البحر فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والتمسك بقول صحابي في مقابلة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سوء الاختيار وعدم الإنصاف .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم ، قال : ليس شيء من الدواب حرام إلا ما حرم الله في كتابه : ابن عباس قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .
وأخرج ، سعيد بن منصور وأبو داود ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن : أنه سئل عن ابن عمر ، فقرأ : أكل القنفذ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية ، فقال شيخ عنده : سمعت يقول : أبا هريرة : إن كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قاله فهو كما قال ابن عمر . ذكر عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : خبيثة من الخبائث ، فقال
وأخرج ابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والنحاس ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عائشة : أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير تلت : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية .
وأخرج أحمد ، ، والبخاري ، والنسائي وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، عن : ابن عباس ماتت فقالت : يا رسول الله ماتت فلانة : تعني الشاة ، قال : فلولا أخذتم مسكها ؟ قالت : يا رسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت ؟ فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : لسودة بنت زمعة قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة وأنتم لا تطعمونه ، وإنما تدبغونه حتى تستنفعوا به ، فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته ، فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها . أن شاة
ومثل هذا حديث شاة ميمونة ، وهو في الصحيح .
ومثله حديث : وهو أيضا في الصحيح . إنما [ ص: 455 ] حرم من الميتة أكلها
وأخرج ابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن ، في قوله : ابن عباس أو دما مسفوحا قال : مهراقا .
وأخرج ، عنه قال : كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أودجوا الدابة وأخذوا الدم فأكلوه ، قال : هو دم مسفوح . ابن أبي حاتم
وأخرج أبو الشيخ ، عن ، : أنه سئل عن الشعبي فتلا لحم الفيل والأسد قل لا أجد في ما أوحي إلي الآية .
والأحاديث الواردة بتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير والحمر الأهلية ونحوها مستوفاة في كتب الحديث .