( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )
قوله تعالى ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )
[ ص: 87 ] اعلم أن هذا هو الشبهة الخامسة من شبهات منكري النبوة فإنه - عليه السلام - كلما هددهم بنزول العذاب ومر زمان ولم يظهر ذلك العذاب ، قالوا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ، واحتجوا بعدم ظهوره على القدح في نبوته - عليه السلام - . وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : أن قوله تعالى : ( ويقولون متى هذا الوعد ) كالدليل على أن المراد مما تقدم من قوله : ( قضي بينهم بالقسط ) القضاء بذلك في الدنيا ، لأنه لا يجوز أن يقولوا متى هذا الوعد عند حضورهم في الدار الآخرة ، لأن الحال في الآخرة حال يقين ومعرفة لحصول كل وعد ووعيد وإلا ظهر أنهم إنما قالوا ذلك على وجه التكذيب للرسول - عليه السلام - فيما أخبرهم من نزول العذاب للأعداء والنصرة للأولياء أو على وجه الاستبعاد لكونه محقا في ذلك الإخبار ، ويدل هذا القول على أن كل أمة قالت لرسولها مثل ذلك القول بدليل قوله : ( إن كنتم صادقين ) وذلك لفظ جمع ، وهو موافق لقوله : ( ولكل أمة رسول ) ثم إنه تعالى أمره بأن يجيب عن هذه الشبهة بجواب يحسم المادة وهو قوله : ( قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ) والمراد أن إنزال العذاب على الأعداء وإظهار النصرة للأولياء لا يقدر عليه أحد إلا الله سبحانه ، وأنه تعالى ما عين لذلك الوعد والوعيد وقتا معينا حتى يقال لما لم يحصل ذلك الموعود في ذلك الوقت ، دل على حصول الخلف فكان تعيين الوقت مفوضا إلى الله سبحانه ، إما بحسب مشيئته وإلهيته عند من لا يعلل أفعاله وأحكامه برعاية المصالح ، وإما بحسب المصلحة المقدرة عند من يعلل أفعاله وأحكامه برعاية المصالح ، ثم إذا حضر الوقت الذي وقته الله تعالى لحدوث ذلك الحادث ، فإنه لا بد وأن يحدث فيه ، ويمتنع عليه التقدم والتأخر .
المسألة الثانية : المعتزلة احتجوا بقوله : ( قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ) فقالوا : هذا الاستثناء يدل على أن العبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا إلا الطاعة والمعصية ، فهذا الاستثناء يدل على كون العبد مستقلا بهما .
والجواب : قال أصحابنا : هذا استثناء منقطع ، والتقدير : ولكن ما شاء الله من ذلك كائن .
المسألة الثالثة : قرأ ابن سيرين " فإذا جاء أجلهم " .
المسألة الرابعة : قوله ( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) يدل على ، وكذلك المقتول لا يقتل إلا على هذا الوجه ، وهذه مسألة طويلة وقد ذكرناها في هذا الكتاب في مواضع كثيرة . أن أحدا لا يموت إلا بانقضاء أجله
المسألة الخامسة : أنه تعالى قال ههنا : ( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) فقوله : ( إذا جاء أجلهم ) شرط ، وقوله : ( فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) جزاء ، والفاء حرف الجزاء ، فوجب إدخاله على الجزاء كما في هذه الآية ، وهذه الآية تدل على أن الجزاء يحصل مع حصول الشرط لا متأخرا عنه وأن حرف الفاء لا يدل على التراخي ، وإنما يدل على كونه جزاء .
إذا ثبت هذا فنقول : إذا قال قال الرجل لامرأة أجنبية إن نكحتك فأنت طالق - رضي الله عنه - : لا يصح هذا التعليق ، وقال الشافعي - رضي الله عنه - : يصح ، والدليل على أنه لا يصح أن هذه الآية دلت على [ ص: 88 ] أن الجزاء إنما يحصل حال حصول الشرط ، فلو صح هذا التعليق لوجب أن يحصل الطلاق مقارنا للنكاح ، لما ثبت أن الجزاء يجب حصوله مع حصول الشرط ، وذلك يوجب الجمع بين الضدين ، ولما كان هذا اللازم باطلا وجب أن لا يصح هذا التعليق . أبو حنيفة