يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للمكذبين بالبعث بعد الممات من قومك القائلين ( أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ) كونوا إن عجبتم من إنشاء الله إياكم ، وإعادته أجسامكم ، خلقا جديدا بعد بلاكم في التراب ، ومصيركم رفاتا ، وأنكرتم ذلك من قدرته حجارة أو حديدا ، أو خلقا مما يكبر في صدوركم إن قدرتم على ذلك ، فإني أحييكم وأبعثكم خلقا جديدا بعد مصيركم كذلك كما بدأتكم أول مرة .
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) فقال بعضهم : عني به الموت ، وأريد به : أو كونوا الموت ، فإنكم إن كنتموه أمتكم ثم بعثتكم بعد ذلك يوم البعث . [ ص: 464 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية ، عن ابن عمر ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : الموت ، قال : لو كنتم موتى لأحييتكم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) يعني الموت ، يقول : إن كنتم الموت أحييتكم .
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا أبو مالك الجنبي ، قال : ثنا ابن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : الموت .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى ، سليمان أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : الموت .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، سعيد بن جبير ، في قوله ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) كونوا الموت إن استطعتم ، فإن الموت سيموت; قال : وليس شيء أكبر في نفس ابن آدم من الموت .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني ، عن سعيد بن جبير ، قال : هو الموت .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر ، أنه كان يقول : " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح حتى يجعل بين الجنة والنار ، فينادي مناد يسمع أهل الجنة وأهل النار ، فيقول : هذا الموت قد جئنا به ونحن مهلكوه ، فايقنوا يا أهل الجنة وأهل النار أن الموت قد هلك " .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) يعني الموت ، يقول : لو كنتم الموت لأمتكم . [ ص: 465 ]
وكان يقول : عبد الله بن عمرو بن العاص . إن الله يجيء بالموت يوم القيامة ، وقد صار أهل الجنة وأهل النار إلى منازلهم ، كأنه كبش أملح ، فيقف بين الجنة والنار ، فينادي أهل الجنة وأهل النار هذا الموت ، ونحن ذابحوه ، فأيقنوا بالخلود
وقال آخرون : عنى بذلك السماء والأرض والجبال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : السماء والأرض والجبال .
وقال آخرون : بل أريد بذلك : كونوا ما شئتم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : ما شئتم فكونوا ، فسيعيدكم الله كما كنتم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) قال : من خلق الله ، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم يوم القيامة خلقا جديدا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره قال ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) ، وجائز أن يكون عنى به الموت ، لأنه عظيم في صدور بني آدم; وجائز أن يكون أراد به السماء والأرض; وجائز أن يكون أراد به غير ذلك ، ولا بيان في ذلك أبين مما بين جل ثناؤه ، وهو كل ما كبر في صدور بني آدم من خلقه ، لأنه لم يخصص منه شيئا دون شيء .
وأما قوله ( فسيقولون من يعيدنا ) فإنه يقول : فسيقول لك يا محمد هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة ( من يعيدنا ) خلقا جديدا ، إن كنا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدورنا ، فقل لهم : يعيدكم ( الذي فطركم أول مرة ) يقول : [ ص: 466 ] يعيدكم كما كنتم قبل أن تصيروا حجارة أو حديدا إنسا أحياء ، الذي خلقكم إنسا من غير شيء أول مرة .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( قل الذي فطركم أول مرة ) أي خلقكم ( فسينغضون إليك رءوسهم ) يقول : فإنك إذا قلت لهم ذلك ، فسيهزون إليك رءوسهم برفع وخفض ، وكذلك النغض في كلام العرب ، إنما هو حركة بارتفاع ثم انخفاض ، أو انخفاض ثم ارتفاع ، ولذلك سمي الظليم نغضا ، لأنه إذا عجل المشي ارتفع وانخفض ، وحرك رأسه ، كما قال الشاعر .
أسك نغضا لا يني مستهدجا
ويقال : نغضت سنه : إذا تحركت وارتفعت من أصلها; ومنه قول الراجز :
ونغضت من هرم أسنانها
وقول الآخر :
لما رأتني أنغضت لي الرأسا
[ ص: 467 ]وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( فسينغضون إليك رءوسهم ) أي يحركون رءوسهم تكذيبا واستهزاء .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فسينغضون إليك رءوسهم ) قال : يحركون رءوسهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( فسينغضون إليك رءوسهم ) يقول : سيحركونها إليك استهزاء .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، ابن عباس ( فسينغضون إليك رءوسهم ) قال : يحركون رءوسهم يستهزءون ويقولون متى هو .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( فسينغضون إليك رءوسهم ) يقول : يهزءون .
وقوله ( ويقولون متى هو ) يقول جل ثناؤه : ويقولون متى البعث ، وفي أي حال ووقت يعيدنا خلقا جديدا ، كما كنا أول مرة ، قال الله عز وجل لنبيه : قل لهم يا محمد إذ قالوا لك : متى هو ، متى هذا البعث الذي تعدنا ، عسى أن يكون قريبا ؟ وإنما معناه : هو قريب ، لأن عسى من الله واجب ، ولذلك
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ، لأن الله تعالى كان قد أعلمه أنه قريب مجيب . " بعثت أنا والساعة كهاتين ، وأشار بالسبابة والوسطى "