والمؤمن يعلم فإذا كان في بعض الأفعال رأى أنه مصلحة ولم يأمر به كان مخطئا من أحد الوجهين: إما أن يكون في نفس الأمر مصلحة لما ترجح فيه من مفسدة لا يعلمها هو; وإما أن يكون داخلا فيما أمر الله به ولم يعلم. أن الله يأمر بكل مصلحة وينهى عن كل مفسدة،
ولهذا تنازع العلماء في فقيل: يستدل بكونها مصلحة على أن الله اعتبرها، لأنه لا يهمل المصالح، وقيل: بل يستدل بعدم اعتبار الشارع لها على أنها ليست مصلحة، بل مضرتها راجحة، إذ لو كانت مصلحتها راجحة لاعتبرها الشارع. وتتفاوت فطن الناس في ذلك بحيث تعرفها بجهة الاعتبار والإهدار. المصالح المرسلة التي لم يعلم أن الشارع اعتبرها ولا أهدرها،
ومما يجب أن يعرف أن العبد قد يجب عليه أسباب أمور لا تجب عليه بدونها، فإن قام بها كان مصلحا محسنا إلى نفسه، وإلا كان ظالما لنفسه، وإن لم يكن تركها ظلما في حق من لم يقبل تلك الأسباب، مثل من ولي ولاية، ففي "المسند" عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 47 ] أنه قال: "أحب الخلق إلى الله إمام عادل، وأبغض الخلق إلى الله إمام جائر".