قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، فقال بعضهم : عنى بذلك النصارى .
ذكر من قال ذلك :
1860 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 551 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، قال : النصارى تقوله .
1861 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله - وزاد فيه ( وقال الذين لا يعلمون ) ، النصارى .
وقال آخرون : بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
1862 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا . وحدثنا يونس بن بكير ابن حميد قال : حدثنا ، قالا جميعا : حدثنا سلمة بن الفضل محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت رسولا من عند الله كما تقول ، فقل لله عز وجل فليكلمنا حتى نسمع كلامه! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، الآية كلها .
وقال آخرون : بل عنى بذلك مشركي العرب .
ذكر من قال ذلك :
1863 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) ، وهم كفار العرب .
1864 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، قال : هم كفار العرب .
1865 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن [ ص: 552 ] : ( السدي وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، أما الذين لا يعلمون : فهم العرب .
وأولى هذه الأقوال بالصحة والصواب قول القائل : إن الله تعالى عنى بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون ) ، النصارى دون غيرهم؛ لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم ، وعن افترائهم عليه وادعائهم له ولدا ، فقال - جل ثناؤه - ، مخبرا عنهم فيما أخبر عنهم من ضلالتهم أنهم مع افترائهم على الله الكذب بقولهم : ( اتخذ الله ولدا ) ، تمنوا على الله الأباطيل ، فقالوا جهلا منهم بالله وبمنزلتهم عنده وهم بالله مشركون : ( لولا يكلمنا الله ) ، كما يكلم رسله وأنبياءه ، أو تأتينا آية كما أتتهم؟ ولا ينبغي لله أن يكلم إلا أولياءه ، ولا يؤتي آية معجزة على دعوى مدع إلا لمن كان محقا في دعواه وداعيا إلى الله وتوحيده ، فأما من كان كاذبا في دعواه وداعيا إلى الفرية عليه وادعاء البنين والبنات له ، فغير جائز أن يكلمه الله - جل ثناؤه - ، أو يؤتيه آية معجزة تكون مؤيدة كذبه وفريته عليه .
وأما الزاعم : أن الله عنى بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون ) العرب ، فإنه قائل قولا لا خبر بصحته ، ولا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب . والقول إذا صار إلى ذلك كان واضحا خطأه؛ لأنه ادعى ما لا برهان على صحته ، وادعاء مثل ذلك لن يتعذر على أحد .
وأما معنى قوله : ( لولا يكلمنا الله ) ، فإنه بمعنى : هلا يكلمنا الله! كما قال الأشهب بن رميلة : [ ص: 553 ]
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى ، لولا الكمي المقنعا
بمعنى : فهلا تعدون الكمي المقنع! كما :
1866 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لولا يكلمنا الله ) قال : فهلا يكلمنا الله!
قال أبو جعفر : فأما "الآية" فقد ثبت فيما قبل معنى الآية أنها العلامة . وإنما أخبر الله عنهم أنهم قالوا : هلا تأتينا آية على ما نريد ونسأل ، كما [ ص: 554 ] أتت الأنبياء والرسل! فقال عز وجل : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) .