[ ص: 135 ] [ ص: 136 ] [ ص: 137 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى : ( ص والقرآن ذي الذكر ( 1 ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( 2 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى قول الله عز وجل : ( ص ) فقال بعضهم : هو من المصاداة ، من صاديت فلانا ، وهو أمر من ذلك ، كأن معناه عندهم : صاد بعملك القرآن : أي عارضه به ، ومن قال هذا تأويله ؛ فإنه يقرؤه بكسر الدال ، لأنه أمر ، وكذلك روي عن الحسن .
ذكر الرواية بذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال الحسن ( ص ) قال : حادث القرآن .
وحدثت عن عن علي بن عاصم ، عن عمرو بن عبيد الحسن في قوله ( ص ) قال : عارض القرآن بعملك .
حدثت عن عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة عن الحسن في قوله ( ص والقرآن ) قال : عارض القرآن ، قال عبد الوهاب : يقول اعرضه على عملك ، فانظر أين عملك من القرآن .
حدثني أحمد بن يوسف قال : ثنا القاسم قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن إسماعيل ، عن الحسن أنه كان يقرأ : ( ص والقرآن ) بخفض الدال ، [ ص: 138 ] وكان يجعلها من المصاداة ، يقول : عارض القرآن .
وقال آخرون : هي حرف هجاء .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط عن : أما ( ص ) فمن الحروف . وقال آخرون : هو قسم أقسم الله به . السدي
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( ص ) قال : قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله .
وقال آخرون : هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ص ) قال : هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به . وقال آخرون : معنى ذلك : صدق الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن المسيب بن شريك عن أبي روق عن الضحاك فى قوله ( ص ) قال : صدق الله .
واختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء الأمصار خلا عبد الله بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر بسكون الدال ، فأما عبد الله بن أبي إسحاق فإنه كان يكسرها لاجتماع الساكنين ، ويجعل ذلك بمنزلة الأداة ، كقول العرب : تركته حاث باث ، وخاز باز يخفضان من أجل أن الذي [ ص: 139 ] يلي آخر الحروف ألف فيخفضون مع الألف ، وينصبون مع غيرها ، فيقولون حيث بيث ، ولأجعلنك في حيص بيص : إذا ضيق عليه . وأما عيسى بن عمر فكان يوفق بين جميع ما كان قبل آخر الحروف منه ألف ، وما كان قبل آخره ياء أو واو فيفتح جميع ذلك وينصبه ، فيقول : ص و ق و ن ويس ، فيجعل ذلك مثل الأداة كقولهم : ليت ، وأين وما أشبه ذلك .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا - السكون في كل ذلك ؛ لأن ذلك القراءة التي جاءت بها قراء الأمصار مستفيضة فيهم ، وأنها حروف هجاء لأسماء المسميات ، فيعرب إعراب الأسماء والأدوات والأصوات ، فيسلك به مسالكهن . فتأويلها إذ كانت كذلك - تأويل نظائرها التي قد تقدم بيانها قبل فيما مضى .
وكان بعض أهل العربية يقول : ( ص ) في معناها كقولك : وجب والله ، نزل والله ، وحق والله ، وهي جواب لقوله ( والقرآن ) كما تقول : حقا والله ، نزل والله .
وقوله ( والقرآن ذي الذكر ) وهذا قسم أقسمه الله تبارك وتعالى بهذا القرآن فقال : ( والقرآن ذي الذكر )
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( ذي الذكر ) فقال بعضهم : معناه : ذي الشرف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا نصر بن علي قال : ثنا أبو أحمد عن قيس ، عن أبي حصين ، عن سعيد ( ص والقرآن ذي الذكر ) قال : ذي الشرف .
حدثنا نصر بن علي وابن بشار قالا ثنا أبو أحمد عن مسعر ، عن أبي حصين [ ص: 140 ] ( ذي الذكر ) : ذي الشرف .
قال : ثنا أبو أحمد عن سفيان عن إسماعيل ، عن أبي صالح أو غيره ( ذي الذكر ) : ذي الشرف .
حدثنا محمد بن الحسين قال : ثنا أحمد بن المفضل قال : ثنا أسباط عن ( السدي والقرآن ذي الذكر ) قال : ذي الشرف .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا معاوية بن هشام عن سفيان ، عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( ص والقرآن ذي الذكر ) ذي الشرف .
وقال بعضهم : بل معناه : ذي التذكير ، ذكركم الله به .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن المسيب بن شريك عن أبي روق عن الضحاك ( ذي الذكر ) قال : فيه ذكركم قال : ونظيرتها : ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ذي الذكر ) : أي ما ذكر فيه .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : ذي التذكير لكم ، لأن الله أتبع ذلك قوله ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكرا لعباده ، ذكرهم به ، وأن الكفار من الإيمان به في عزة وشقاق .
واختلف في الذي وقع عليه اسم القسم ، فقال بعضهم ، وقع القسم على قوله ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق )
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة . ( بل الذين كفروا في عزة ) قال : هاهنا وقع القسم .
وكان بعض أهل العربية يقول : " بل " دليل على تكذيبهم ، فاكتفى ببل [ ص: 141 ] من جواب القسم ، وكأنه قيل : ص ، ما الأمر كما قلتم ، بل أنتم في عزة وشقاق . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : زعموا أن موضع القسم في قوله ( إن كل إلا كذب الرسل ) وقال بعض نحويي الكوفة : قد زعم قوم أن جواب ( والقرآن ) قوله ( إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) قال : وذلك كلام قد تأخر عن قوله ( والقرآن ) تأخرا شديدا ، وجرت بينهما قصص ، مختلفة ، فلا نجد ذلك مستقيما في العربية ، والله أعلم .
قال : ويقال : إن قوله ( والقرآن ) يمين ، اعترض كلام دون موقع جوابها ، فصار جوابها للمعترض ولليمين ، فكأنه أراد : والقرآن ذي الذكر لكم أهلكنا ، فلما اعترض قوله ( بل الذين كفروا في عزة ) صارت كم جوابا للعزة واليمين . قال : ومثله قوله ( والشمس وضحاها ) اعترض دون الجواب - قوله ( ونفس وما سواها فألهمها ) فصارت " قد أفلح " تابعة لقوله : " فألهمها " ، وكفى من جواب القسم ، فكأنه قال : والشمس وضحاها لقد أفلح .
والصواب من القول في ذلك عندي - القول الذي قاله قتادة وأن قوله ( بل ) لما دلت على التكذيب وحلت محل الجواب استغني بها من الجواب ، إذ عرف المعنى . فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك : ( ص والقرآن ذي الذكر ) ما الأمر كما يقول هؤلاء الكافرون ، بل هم في عزة وشقاق .
وقوله ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) يقول - تعالى ذكره - : بل الذين كفروا بالله من مشركي قريش في حمية ومشاقة ، وفراق لمحمد وعداوة ، وما بهم أن لا يكونوا أهل علم ، بأنه ليس بساحر ولا كذاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( في عزة وشقاق ) قال : معازين .
[ ص: 142 ] حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( في عزة وشقاق ) : أي في حمية وفراق .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) قال : يعادون أمر الله ورسله وكتابه ، ويشاقون ، ذلك عزة وشقاق ، فقلت له : الشقاق : الخلاف ، فقال : نعم .