فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم
* * *
أي إذا أديتم الصلاة على حال الخوف، فإن العبادة لم تنته، بل إن معناها قائم مطلوب منكم، وهو أن تذكروا الله تعالى في كل أحوالكم، قائمين في الميدان، أو غادين ورائحين، أو قاعدين مستريحين، أو نائمين على جنوبكم، فإن ذكر الله تعالى هو العبادة المستمرة التي بها تطمئن القلوب، كما قال تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب [الرعد]. [ ص: 1835 ] وإن التعبير عن صلاة الخوف بقوله: فإذا قضيتم في مقابل قوله تعالى عند الاطمئنان: فأقيموا الصلاة فيه إشارة إلى أنها بدل عن الصلاة الكاملة تؤدي معناها، وإن لم تكن مثلها في الصورة الظاهرة.
فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي مستقبلين القبلة، موصولة من غير فاصل بين أجزائها. والكمال هنا كمال الصورة، وإلا فالمعنى يتحقق في صلاة الخوف بمقدار لا يقل عن كماله في الإقامة، إذ إنها عبادة في عبادة، هي عبادة الصلاة في عبادة الجهاد، وهو أشق عبادة، ولا شاغل قد يشغل المصلي عن صلاته إلا هذه العبادة العالية، وفي الإقامة قد تشغله بعض أعراض الدنيا. وقد بين سبحانه مكان الصلاة في الإسلام، فقال سبحانه: إذا ذهب الخوف، وعادت القضب إلى أجفانها، ورجعتم إلى مساكنكم، فأقيموا الصلاة أي أدوها كاملة، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي وقد أكدت الفرضية بأربعة مؤكدات: أولها: "إن" التي للتوكيد. وثانيها: "كانت" التي تدل على الدوام والاستمرار في الماضي والمستقبل، وثالثها: التعبير عن فرضية الصلاة بأنها (كتاب) فهو تعبير عن الوصف بالمصدر، وفيه فضل توكيد، ورابعها: التعبير بقوله تعالى: الصلاة مكتوبة على المؤمنين مؤقتة بأوقاتها، وهذا تأكيد لفرضيتها، على المؤمنين فإن ذلك يفيد الإلزام والحتمية. اللهم وفقنا لإقامة الصلاة، وإقامة الحق، والعمل على إعلاء شأن الإسلام، إنك سميع الدعاء.
* * *