أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون
أتأمرون الناس بالبر تقرير مع توبيخ وتعجيب. والبر: التوسع في الخير، من البر وهو الفضاء الواسع يتناول كل خير، ولذلك قيل البر ثلاثة: بر في عبادة الله تعالى، وبر في مراعاة الأقارب. وبر في معاملة الأجانب.
وتنسون أنفسكم وتتركونها من البر كالمنسيات، وعن رضي الله عنهما أنها نزلت في أحبار ابن عباس المدينة، كانوا يأمرون سرا من نصحوه باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه. وقيل: كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون. وأنتم تتلون الكتاب تبكيت كقوله: وأنتم تعلمون أي تتلون التوراة، وفيها الوعيد على العناد وترك البر ومخالفة القول العمل.
أفلا تعقلون قبح صنيعكم فيصدكم عنه، أو أفلا عقل لكم يمنعكم عما تعلمون وخامة عاقبته.
والعقل في الأصل الحبس، سمي به الإدراك الإنساني لأنه يحبسه عما يقبح، ويعقله على ما يحسن، ثم القوة التي بها النفس تدرك هذا الإدراك. والآية ناعية على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه سوء صنيعه وخبث نفسه، وأن فعله فعل الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالي عن العقل، فإن الجامع بينهما تأبى عنه شكيمته، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل لتقوم فيقيم غيره، لا منع الفاسق عن الوعظ فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر.