ولما ذكر الترهيب بعقاب الكافرين؛ أتبعه الترغيب بثواب المؤمنين؛ فقال: والذين آمنوا ؛ أي: أقروا بالإيمان؛ وعملوا ؛ بيانا لصدقهم فيه؛ الصالحات سندخلهم ؛ أي: بوعد لا خلف فيه؛ وربما أفهم التنفيس لهم بالسين؛ دون "سوف" - كما في الكافرين -؛ أنهم أقصر الأمم [ ص: 307 ] مدة؛ أو أنهم أقصرهم أعمارا؛ إراحة لهم من دار الكدر؛ إلى محل الصفاء؛ وأنهم يدخلون الجنة قبل جميع الفرق الناجية من أهل الموقف؛ جنات ؛ أي: بساتين؛ ووصفها بما يديم بهجتها؛ ويعظم نضرتها؛ وزهرتها؛ فقال: تجري من تحتها الأنهار ؛ أي: إن أرضها في غاية الري؛ كل موضع منها صالح لأن يجري منه نهر.
ولما ذكر قيامها؛ وما به دوامها؛ أتبعه ما تهواه النفوس من استمرار الإقامة بها؛ فقال: خالدين فيها أبدا ؛ ولما وصف حسن الدار؛ ذكر حسن الجار؛ فقال: لهم فيها أزواج ؛ والمطرد في وصف جمع القلة لمن يعقل الألف والتاء؛ فعدل هنا عن ذلك إلى الوحدة لإفهام أنهن لشدة الموافقة في الطهر كذات واحدة؛ فقيل: مطهرة ؛ أي: متكرر طهرها؛ لا توجد وقتا ما على غير ذلك؛ ولما كانت الجنان في الدنيا لا تحسن إلا بتمكن الشمس منها؛ وكانت الشمس تنسخ الظل فتخرج إلى التحول إلى مكان آخر؛ وربما آذى حرها؛ أمن من ذلك فيها؛ بقوله: وندخلهم ؛ أي: فيها؛ ظلا ؛ أي: عظيما؛ وأكده بقوله: ظليلا [ ص: 308 ] ؛ أي: متصلا؛ لا فرج فيه؛ منبسطا لا ضيق معه دائما؛ لا تصيبه الشمس يوما ما؛ ولا حر فيه؛ ولا برد؛ بل هو في غاية الاعتدال.