( ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ( 127 ) قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ( 128 ) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون )
يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه ، وما أظهروه لموسى ، عليه السلام ، وقومه من الأذى والبغضة : ( ( 129 ) وقال الملأ من قوم فرعون ) أي : لفرعون ( أتذر موسى وقومه ) أي : أتدعهم ليفسدوا في الأرض ، أي : يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك ، يالله للعجب ! صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه ! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ، ولكن لا يشعرون ; ولهذا قالوا : ( ويذرك وآلهتك ) قال بعضهم : " الواو " هنا حالية ، أي : أتذره وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك ؟
[ ص: 460 ] وقرأ ذلك أبي بن كعب : " وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك " ، حكاه ابن جرير .
وقال آخرون : هي عاطفة ، أي : لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى تركه آلهتك .
وقرأ بعضهم : " إلاهتك " أي : عبادتك ، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد .
وعلى القراءة الأولى قال بعضهم : كان لفرعون إله يعبده . قال : كان الحسن البصري لفرعون إله يعبده في السر . وقال في رواية أخرى : كان له جمانة في عنقه معلقة يسجد لها .
وقال في قوله تعالى : ( السدي ويذرك وآلهتك ) وآلهته ، فيما زعم ابن عباس ، كانت البقر ، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها ، فلذلك أخرج لهم عجلا جسدا .
فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله : ( سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم ) وهذا أمر ثان بهذا الصنيع ، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى ، عليه السلام ، حذرا من وجوده ، فكان خلاف ما رامه وضد ما قصده فرعون . وهكذا عومل في صنيعه [ هذا ] أيضا ، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم ، فجاء الأمر على خلاف ما أراد : نصرهم الله عليه وأذله ، وأرغم أنفه ، وأغرقه وجنوده .
ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل ، ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ) ووعدهم بالعاقبة ، وأن الدار ستصير لهم في قوله : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ) أي : قد جرى علينا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى ، ومن بعد ذلك . فقال منبها لهم على حالهم الحاضرة وما يصيرون إليه في ثاني الحال : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم [ ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ] ) وهذا تحضيض لهم على العزم على . الشكر ، عند حلول النعم وزوال النقم