يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين
يا أيها الرسول نودي صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسالة تشريفا له ، وإيذانا بأنها موجبات الإتيان بما أمر به من تبليغ ما أوحي إليه .
بلغ ما أنزل إليك ; أي : جميع ما أنزل إليك من الأحكام ، وما يتعلق بها كائنا ما كان .
وفي قوله تعالى : من ربك ; أي : مالك أمورك ، ومبلغك إلى كمالك اللائق بك عدة ضمنية بحفظه صلى الله عليه وسلم وكلاءته ; أي : بلغه غير مراقب في ذلك أحدا ، ولا خائف أن ينالك مكروه أبدا .
وإن لم تفعل ما أمرت به من تبليغ الجميع بالمعنى المذكور .
كما ينبئ عنه قوله تعالى : فما بلغت رسالته فإن ما لا تتعلق به الأحكام [ ص: 61 ] أصلا من الأسرار الخفية ، ليست مما يقصد تبليغه إلى الناس ; أي : فما بلغت شيئا من رسالته ، وانسلخت مما شرفت به من عنوان الرسالة بالمرة ، لما أن بعضها ليس أولى بالأداء من بعض ، فإذا لم تؤد بعضها ، فكأنك أغفلت أداءها جميعا ، كما أن من لم يؤمن ببعضها ، كان كمن لم يؤمن بكلها ; لإدلاء كل منها بما يدليه غيرها ، وكونها لذلك في حكم شيء واحد ، ولا ريب في أن الواحد لا يكون مبلغا غير مبلغ مؤمنا به غير مؤمن به ، ولأن كتمان بعضها إضاعة لما أدي منها ، كترك بعض أركان الصلاة ، فإن غرض الدعوة ينتقض بذلك .
وقيل : فكأنك ما بلغت شيئا منها ، كقوله تعالى : فكأنما قتل الناس جميعا ، من حيث أن كتمان البعض والكل سواء في الشناعة واستجلاب العقاب .
وقرئ : ( فما بلغت رسالاتي ) ، وعن رضي الله عنهما : إن كتمت آية لم تبلغ رسالاتي . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابن عباس " ; وذلك قوله تعالى : بعثني الله برسالاته ، فضقت بها ذرعا ، فأوحى الله إلي إن لم تبلغ رسالاتي عذبتك ، وضمن لي العصمة فقويت والله يعصمك من الناس فإنه كما ترى عدة كريمة بعصمته من لحوق ضررهم بروحه العزيز ، باعثة له صلى الله عليه وسلم على الجد في تحقيق ما أمر به من التبليغ ، غير مكترث بعداوتهم وكيدهم . رضي الله عنه ، أنه صلى الله عليه وسلم كان يحرس حتى نزلت ، فأخرج رأسه من قبة أدم ، فقال : " انصرفوا يأيها الناس فقد عصمني الله من الناس أنس " . وعن
وقوله تعالى : إن الله لا يهدي القوم الكافرين تعليل لعصمته تعالى له صلى الله عليه وسلم ; أي : لا يمكنهم مما يريدون بك من الإضرار ، وإيراد الآية الكريمة في تضاعيف الآيات الواردة في حق أهل الكتاب ، لما أن الكل قوارع يسوء الكفار سماعها ، ويشق على الرسول صلى الله عليه وسلم مشافهتهم بها ، وخصوصا ما يتلوها من النص الناعي عليهم كمال ضلالتهم .
ولذلك أعيد الأمر فقيل :