سورة الأعراف
قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (31) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون
أما قوله تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد فإنها نزلت بسبب طواف المشركين بالبيت عراة، وقد صح هذا عن ، وأجمع عليه المفسرون من السلف بعده . وقد ذكر الله هذه الآية عقب ذكر قصة ابن عباس آدم عليه السلام، وما جرى له ولزوجه مع الشيطان حتى أخرجهما من الجنة، ونزع عنهما لباسهما حتى بدت عوراتهما، فقال تعالى: يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينـزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ثم قال: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون والمراد بالفاحشة هنا: نزع ثيابهم عند الطواف بالبيت، وطوافهم عراة كما [ ص: 478 ] كان عادة أهل الجاهلية .
ثم قال بعد ذلك: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد
والمراد بذلك: أن يستروا عوراتهم عند المساجد، فدخل في ذلك الطواف والصلاة والاعتكاف وغير ذلك .
وقال طائفة من العلماء: إن الآية تدل على وذلك قدر زائد على ستر العورة، وإن كان ستر العورة داخلا فيه وهو سبب نزول الآيات، فإن أخذ الزينة عند المساجد . فاحشة من الفواحش، وسترها من الزينة، ولكنه يشمل مع ذلك لبس ما يتجمل به ويتزين به عند مناجاة الله وذكره ودعائه والطواف ببيته، ولهذا قال تعالى عقب ذلك: كشف العورة قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة
وروى ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ابن عمر "إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تزين له " .
خرجه وغيره . الطبراني
وقد روى جماعة هذا الحديث عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن ابن عمر بالشك في ذلك . عمر
خرجه وغيره . وخرجه البزار كذلك بالشك، ولم يذكر فيه: أبو داود "فإن الله أحق من [ ص: 479 ] تزين له" .
وروي ذكر التزين من قول ، فروي عن ابن عمر أيوب، عن ، قال: رآني نافع أصلي في ثوب واحد، قال: ألم أكسك ثوبين؟ قلت: نعم، قال: فلو أرسلتك في حاجة كنت تذهب هكذا؟ قلت: لا، قال: فالله أحق أن تزين له . ابن عمر
أخرجه وغيره . الحاكم
والمحفوظ في هذا الحديث: رواية من رواه بالشك في رفعه - قاله . الدارقطني
وممن أمر بالصلاة في ثوبين: ، عمر ، وقال وابن مسعود : إذ وسع الله فهو أزكى . واستدل من قال: إن المأمور به من الزينة أكثر من ستر العورة التي يجب سترها عن الأبصار، ابن مسعود وبأن من بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء، لا تصح صلاته، وبأن صلى عاريا خاليا مع أنه يباح لها وضع خمارها عند محارمها، فدل على أن الواجب في الصلاة أمر زائد على ستر العورة التي يجب سترها عن النظر . المرأة الحرة لا تصح صلاتها بدون خمار،
* * *
[ ص: 480 ] واعلم، أن غير مكروه، إلا أن يخشى منه الالتهاء عن الصلاة أو حدوث الكبر، وقد كان الصلاة في الثوب الحسن لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم، يقوم بها الليل، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحيانا يلبس حللا من حلل اليمن، وبرودا حسنة، ولم ينقل عنه أنه كان يتجنب الصلاة فيها، وإنما ترك هذه الخميصة لما وقع له من تلك النظرة إلى علمها، وقد قال الله عز وجل: خذوا زينتكم عند كل مسجد وسبق قول : الله أحق أن يتزين له . وخرج ابن عمر في "مراسيله " من حديث أبو داود ، قال: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة - مما تعجبه: الثياب النقية والريح الطيبة .
ولم يزل علماء السلف يلبسون الثياب الحسنة، ولا يعدون ذلك كبرا . وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا؟ فقال: "ليس ذلك من الكبر، إن الله جميل يحب الجمال " .
وقال : رأيت على جرير بن حازم طيلسانا كرديا حسنا، وخميصة أصبهانية جيدة، ذات أعلام خضر وحمر، أزرتها من إبريسم، وكان يرتدي ببرد له يمان أسود مصلب، وبرد عدني وقباء من برد حبرة، وعمامة سوداء . الحسن
وقال سألت حرب: إسحاق عن وأريته منديلا له أعلام خضر وخطوط ؟ فقال: جائز . الصلاة في المنديل،
* * *
[ ص: 481 ] وفي "صحيح " عن مسلم ، قال: كانت المرأة تطوف ابن عباس بالبيت وهي عريانة، وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله . فما بدا منه فلا أحله
قال: فنزلت: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد