الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطب باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء
5354 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11798أبو أحمد الزبيري حدثنا عمر بن سعيد بن أبي حسين قال حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه nindex.php?page=hadith&LINKID=655246عن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=treesubj&link=17445ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء
قوله : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، كتاب الطب ) كذا لهم ، إلا النسفي فترجم " كتاب الطب " أول كفارة المرض ولم يفرد كتاب الطب ، وزاد في نسخة الصغاني " والأدوية " . والطب بكسر المهملة وحكى ابن السيد تثليثها . والطبيب هو الحاذق بالطب ، ويقال له أيضا طب بالفتح والكسر ومستطب وامرأة طب بالفتح ، يقال " استطب " تعاطى الطب و " استطب " استوصفه ، ونقل أهل اللغة أن الطب بالكسر يقال بالاشتراك للمداوي وللتداوي وللداء أيضا فهو من الأضداد ، ويقال أيضا للرفق والسحر ، ويقال للشهوة ولطرائق ترى في شعاع الشمس وللحذق بالشيء ، والطبيب الحاذق في كل شيء ، وخص به المعالج عرفا ، والجمع في القلة أطبة وفي الكثرة أطباء . والطب نوعان : طب جسد وهو المراد هنا ، وطب قلب ومعالجته خاصة بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام عن ربه سبحانه و - تعالى - . وأما طب الجسد فمنه ما جاء في المنقول عنه - صلى الله عليه وسلم - ومنه ما جاء عن غيره ، وغالبه راجع إلى التجربة . ثم هو نوعان : نوع لا يحتاج إلى فكر ونظر بل فطر الله على معرفته الحيوانات ، مثل ما يدفع الجوع والعطش . ونوع يحتاج إلى الفكر والنظر كدفع ما يحدث في البدن مما يخرجه عن الاعتدال ، وهو إما إلى حرارة أو برودة ، وكل منهما إما إلى رطوبة ، أو يبوسة ، أو إلى ما يتركب منهما . وغالب ما يقاوم الواحد منهما بضده ، والدفع قد يقع من خارج البدن وقد يقع من داخله وهو أعسرهما . والطريق إلى معرفته بتحقق السبب والعلامة ، فالطبيب الحاذق هو الذي يسعى في تفريق ما يضر بالبدن جمعه أو عكسه ، وفي تنقيص ما يضر بالبدن زيادته أو عكسه ، ومدار ذلك على ثلاثة أشياء : حفظ الصحة ، والاحتماء عن المؤذي ، واستفراغ المادة الفاسدة . وقد أشير إلى الثلاثة في القرآن : فالأول من قوله - تعالى - nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وذلك أن السفر مظنة النصب وهو من مغيرات الصحة ، فإذا وقع فيه الصيام ازداد فأبيح الفطر إبقاء على الجسد . وكذا القول في المرض الثاني وهو الحمية من قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم فإنه استنبط منه جواز nindex.php?page=treesubj&link=32601التيمم عند خوف استعمال الماء البارد . والثالث من قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196أو به أذى من رأسه ففدية فإنه أشير بذلك إلى جواز حلق الرأس الذي منع منه المحرم لاستفراغ الأذى الحاصل من البخار المحتقن في الرأس . وأخرج مالك في " الموطأ " عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم مرسلا " nindex.php?page=hadith&LINKID=847677أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجلين : أيكما أطب ؟ قالا : يا رسول الله وفي الطب خير ؟ قال : أنزل الداء الذي أنزل الدواء " .
[ ص: 141 ] قوله : ( باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ) كذا للإسماعيلي nindex.php?page=showalam&ids=12997وابن بطال ومن تبعه ، ولم أر لفظ " باب " من نسخ الصحيح إلا للنسفي .
قوله ( nindex.php?page=showalam&ids=11798أبو أحمد الزبيري ) هو محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي ، نسب لجده وهو أسد من بني أسد بن خزيمة ، فقد يلتبس بمن ينسب إلى nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام لكونهم من بني أسد بن عبد العزى ، وهذا من فنون علم الحديث وصنفوا فيه الأنساب المتفقة في اللفظ المفترقة في الشخص . وقد وقع عند أبي نعيم في الطب من طريق أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=16544وعثمان بن أبي شيبة " قالا حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11798محمد بن عبد الله الأسدي أبو أحمد الزبيري " وعند nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17220هارون بن عبد الله الحمال " حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11798محمد بن عبد الله الزبيري " .
قوله : ( عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ) كذا قال عمر بن سعيد عن عطاء ، وخالفه شبيب بن بشر فقال " عن عطاء عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري " أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وأبو نعيم في الطب ورواه طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس ، هذه رواية عبد بن حميد عن محمد بن عبيد عنه ، وقال معتمر بن سليمان " عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " أخرجه ابن عاصم في الطب وأبو نعيم ، وهذا مما يترجح به رواية عمر بن سعيد .
قوله : ( ما أنزل الله داء ) وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي من داء و " من " زائدة ، ويحتمل أن يكون مفعول أنزل محذوفا فلا تكون من زائدة بل لبيان المحذوف ، ولا يخفى تكلفه .
قوله : ( إلا أنزل له شفاء ) في رواية طلحة بن عمرو من الزيادة في أول الحديث nindex.php?page=hadith&LINKID=847678يا أيها الناس تداووا " ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب عن ابن مسعود رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=847679إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، ونحوه nindex.php?page=showalam&ids=14695للطحاوي وأبي نعيم من حديث ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد عن أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=847680إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء ، فتداووا وفي حديث أسامة بن شريك " nindex.php?page=hadith&LINKID=847681تداووا يا عباد الله ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ، إلا داء واحدا الهرم " أخرجه أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في " الأدب المفرد " والأربعة وصححه الترمذي وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ، وفي لفظ إلا السام بمهملة مخففة يعني الموت . ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود نحو حديث الباب في آخره " nindex.php?page=hadith&LINKID=847682علمه من علمه وجهله من جهله " أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم . ولمسلم عن جابر رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=847683لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله - تعالى - ولأبي داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء رفعه nindex.php?page=hadith&LINKID=847684إن الله جعل لكل داء دواء فتداووا ، ولا تداووا بحرام " وفي مجموع هذه الألفاظ ما يعرف منه المراد بالإنزال في حديث الباب وهو إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي - صلى الله عليه وسلم - مثلا ، أو عبر بالإنزال عن التقدير . وفيها التقييد بالحلال فلا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=17416التداوي بالحرام . وفي حديث جابر منها الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله ، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية أو الكمية [ ص: 142 ] فلا ينجع ، بل ربما أحدث داء آخر . وفي حديث ابن مسعود الإشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد ، وفيها كلها إثبات الأسباب ، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره ، وأنها لا تنجع بذواتها بل بما قدره الله - تعالى - فيها ، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك ، وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر " بإذن الله " فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته . nindex.php?page=treesubj&link=19657والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب ، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك ، وسيأتي مزيد لهذا البحث في " باب الرقية " إن شاء الله - تعالى - . ويدخل في عمومها أيضا الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له ، وأقروا بالعجز عن مداواته ، ولعل الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله وجهله من جهله إلى ذلك فتكون باقية على عمومها ، ويحتمل أن يكون في الخبر حذف تقديره : لم ينزل داء يقبل الدواء إلا أنزل له شفاء ، والأول أولى . ومما يدخل في قوله جهله من جهله " ما يقع لبعض المرضى أنه يتداوى من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع ، والسبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين تشابها ويكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبا فيقع الخطأ من هنا ، وقد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع فلا ينجع ، ومن هنا تخضع رقاب الأطباء ، وقد أخرج ابن ماجه من طريق أبي خزامة وهو بمعجمة وزاي خفيفة " عن أبيه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=847687قلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به هل يرد من قدر الله شيئا ؟ قال : هي من قدر الله - تعالى - " والحاصل أن حصول الشفاء بالدواء إنما هو كدفع الجوع بالأكل والعطش بالشرب ، وهو ينجع في ذلك في الغالب ، وقد يتخلف لمانع والله أعلم . ثم الداء والدواء كلاهما بفتح الدال وبالمد ، وحكي كسر دال الدواء . واستثناء الموت في حديث أسامة بن شريك واضح ، ولعل التقدير إلا داء الموت ، أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت . واستثناء الهرم في الرواية الأخرى إما لأنه جعله شبيها بالموت والجامع بينهما نقص الصحة ، أو لقربه من الموت وإفضائه إليه . ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا والتقدير : لكن الهرم لا دواء له ، والله أعلم .