الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
468 [ ص: 396 ] حديث ثالث عشرين لعبد الله بن أبي بكر

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : أن لا يمس القرآن إلا طاهر .

التالي السابق


وقد ذكرنا أن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم إلى أهل اليمن في السنن ، والفرائض ، والديات كتاب مشهور عند أهل العلم معروف يستغني بشهرته عن الإسناد .

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، حدثنا نعيم بن حماد المروزي ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا معمر ، عن عبد الله بن أبي بكر [ ص: 397 ] عن أبيه ، قال : في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : أن لا يمس القرآن إلا على طهور .

وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان ، قال : حدثنا أبو الطيب أحمد بن سليمان بن عمرو الجريري ، حدثنا أبو العباس حامد بن شعيب البلخي ، حدثنا أبو صالح الحكم بن موسى ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنا سليمان بن داود ، حدثني الزهري ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن في السنن ، والفرائض ، والديات : أن لا يمس القرآن إلا طاهر . مختصر ، والدليل على صحة كتاب عمرو بن حزم تلقي جمهور العلماء له بالقبول ، ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة ، والعراق ، والشام أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر على وضوء . وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وهؤلاء أئمة الفقه والحديث في أعصارهم .

وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وطاوس ، والحسن ، والشعبي ، والقاسم بن محمد ، وعطاء ، قال إسحاق ابن راهويه : لا يقرأ أحد في المصحف إلا وهو متوضئ ، [ ص: 398 ] وليس ذلك لقول الله عز وجل : لا يمسه إلا المطهرون ولكن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يمس القرآن إلا طاهر .

قال أبو عمر : وهذا يشبه مذهب مالك على ما دل عليه قوله في موطئه . وقال الشافعي ، والأوزاعي ، وأبو ثور ، وأحمد : لا يمس المصحف الجنب ، ولا الحائض ، ولا غير المتوضئ ، وقال مالك : لا يحمله بعلاقته ، ولا على وسادة إلا وهو طاهر ، قال : ولا بأس أن يحمله في التابوت ، والخرج ، والغرارة من ليس على وضوء ، قال : وذلك أن الله عز وجل يقول : لا يمسه إلا المطهرون قال : وهذا قول مالك ، وأبي عبد الله ، يعني الشافعي - رحمه الله - .

قال أبو عمر : إنما رخص مالك في حمل غير المتوضئ للمصحف في التابوت ، والغرارة ; لأن القصد لم يكن منه إلى حمل المصحف ، وإنما قصد إلى حمل التابوت ، وما فيه من مصحف ، وغيره ، وقد كره جماعة من التابعين ، منهم : القاسم بن محمد ، والشعبي ، وعطاء مس الدراهم التي فيها ذكر الله على غير وضوء ، فهو لا شك أشد كراهية أن يمس المصحف غير متوضئ ، وقد روي عن عطاء أنه قال : لا بأس أن تحمل الحائض المصحف بعلاقته .

وأما الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان فلم [ ص: 399 ] يختلف عنهما في إجازة حمل المصحف بعلاقته لمن ليس بطاهر ، وقولهما عندي شذوذ ومخالفة للأثر ، وإلى قولهما ذهب داود بن علي ، قال : لا بأس أن يمس المصحف ، والدنانير ، والدراهم التي فيها ذكر الله الجنب ، والحائض . قال : ومعنى قوله : لا يمسه إلا المطهرون هم الملائكة ، قال : ولو كان ذلك نهيا لقال لا يمسه ، واحتج أيضا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن ليس بنجس .

قال أبو عمر : قد يأتي النهي بلفظ الخبر ويكون معناه النهي ، وذلك موجود في كتاب الله كثير نحو قوله : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة جاء بلفظ الخبر ، وكان سعيد بن المسيب ، وغيره يقول : إنها منسوخة بقول الله عز وجل : وأنكحوا الأيامى منكم ولو لم يكن عنده في هذا الخبر معنى النهي ما أجاز فيه النسخ ، ومثله كثير ، وفي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن لا يمس القرآن إلا طاهر - بيان معنى قول الله عز وجل : لا يمسه إلا المطهرون [ ص: 400 ] لاحتمالهما للتأويل ، ومجيئهما بلفظ الخبر ، وقد قال مالك في هذه الآية : إن أحسن ما سمع فيها أنها مثل قول الله عز وجل : كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة وقول مالك أحسن ما سمعت ، يدل على أنه سمع فيها اختلافا ، وأولى ما قيل به في هذا الباب ما عليه جمهور العلماء من امتثال ما في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن أحد إلا وهو طاهر ، والله أعلم وبه التوفيق .




الخدمات العلمية