nindex.php?page=treesubj&link=29509_32232_34227_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون nindex.php?page=treesubj&link=19773_19995_24406_24432_34380_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين nindex.php?page=treesubj&link=18669_1900_29747_33133_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون .
بين الله - سبحانه وتعالى - في الآية السابقة أن الآية التي تحدى بها العرب أن يأتوا بمثلها هي بصائر مبينة للناس الحقائق الدينية، ومثبتة لصدقها، وهي هدى ورحمة، وهي القرآن، ولا يمكن أن ينتفع بها بعد إعجازها بأن ينتفع بهدايتها ورحمتها إلا إذا قاموا بحقها عند قراءتها بالاستماع إليها، والإنصات لها، وتدبر
[ ص: 3052 ] ما جاء فيها من تكليف - هو رحمة للعالمين - ومواعظ، وعبر، وقصص في ذكر الأولين; ولذا قال تعالى بعد ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون القراءة للقرآن عبادة من القارئ; لأنه يتلو كلام الله تعالى، وأي منزلة في القربى إلى الله تعالى أعلى من أن يكون متحدثا بحديث الله؟ فهو يتكلم بكلام خالق الوجود، وتجري على لسانه عباراته جل وعلا، ويرطب لسانه بأطيب كلام، فهو عبادة، ولذلك وجب أن يكون متطهرا من الجنابة ويحسن أن يكون على طهارة كاملة.
إن
nindex.php?page=treesubj&link=18620_28894_18627_18628قراءة القرآن سمو إلى المكان الأعلى والمقدس الأقدس لمن تدبر موقفه عند القراءة ومقامه.
والاستماع إلى القراءة عبادة إذا استشعر بأن الله تعالى يخاطبه بالقرآن من أعلى الملكوت، وهو إن يستمع يناهد إلى مقام رب العزة فيستمع إليه، أكاد أرى أن هذا مقام طهر، لا يستمع إليه من به نجاسة من جنابة، وإذا كان الفقهاء لم يصرحوا بهذا فإني أراه مقتضى مقام الطهر لمستمع أطهر قول، في الاستماع افتعل من السماع أي طلب سماعه، والإقبال عليه، وتلقيه بقوة وتقبله وتقبل معانيه; ولذا قال بعض المفسرين: إن الاستماع هو تدبر المعاني، والاستبصار بها، وإدراك مراميها ومغازيها، فليس المراد مجرد السماع، بل السمع في تدبر وتفهم وتذكر واعتبار.
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204فاستمعوا له وأنصتوا الإنصات معناه السكوت للاستماع والمراعاة والإصغاء، فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=29أنصتوا أي هيئوا أنفسكم للاستماع وأعدوها وراعوا ما تسمعون، وكأن الإصغاء تقدمة للاستماع، بأن يفرغ النفس له، ويقدم عليه، كأنه مقدم على صاحب الكلام، وهو رب العالمين، ألم تر الناس وهم يقدمون على استماع كلام عظيم من عظماء الأرض في سلطانه يستعدون وينصتون؟! فكيف بكلام مالك الملك ذي الجلال والإكرام والإنعام؟!
[ ص: 3053 ] القرآن قراءته عبادة، والاستماع إليه مع التدبر والتأمل وتعرف أسراره عبادة، وهو جزء من أكبر عبادة (وهي الصلاة) ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فاقرءوا ما تيسر منه وقال بعض العلماء: إن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا نزلت للقراءة في الصلاة.
ونقول: إنها عامة، ولو نزلت في مقام خاص; لأن الأصوليين يقولون: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولقد قال تعالى في ختام هذه الآية الكريمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204لعلكم ترحمون أي: رجاء أن ترحموا بطلبكم للقرآن، وتدبر آياته والإنصات إليه، والأخذ بتكليفاته ومواعظه، فهو رحمة، ومنه الرحمة، وهو نور وبرهان.
والرجاء من العباد، والله تعالى يعاملهم معاملة من يرجى، وهو القادر العليم.
وإذا كان تدبر القرآن والاستماع إليه وتلاوته رحمة - فذكر الله تعالى هو أصل الرحمة، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين
القرآن هو الذكر الحكيم، وهو الذكر الأكبر، وهو خير أوراد المؤمنين; ولذلك بعد الأمر بالقراءة والاستماع إليه مع الإنصات رجاء الرحمة أمر - سبحانه وتعالى - بدوام الذكر لله تعالى، بأن يكون الله تعالى حاضرا في نفسه أطراف الليل وآناء النهار، لا يغفل عن ذكره - سبحانه وتعالى - وأن يكون حاضرا في قلبه فى كل وقت، يعمر قلبه، ويملأ نفسه; ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال nindex.php?page=treesubj&link=24582فالذكر يبتدئ بامتلاء النفس بالله يعمر قلبه دائما، وأن تكون في حال تضرع وتذلل لله تعالى، فالذلة لله تعالى هي عين العزة، والتكبر في حق الله تعالى هو عين الذلة، وإن كان لا يشعر; لأن من ذل لله استعلى على الناس بأمر الله تعالى، ومن تعالى على جانب الله استعان بأحط الناس قدرا فكان ذليلا، وسبحان من له العزة والكبرياء في السماوات والأرض.
[ ص: 3054 ] وذكر الله تعالى يكون في حال خوف من عقابه; ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وخيفة أي: حال خوف؛ فإن الخوف من الله يطهر النفس، ويجعلها لا تستحسن ما تقدم، بل تستصغر ما تقدم وتطلب المزيد من الخير، فترضي الله تعالى أو تنال رضوانه، وهو أكبر جزاء، وإن الخوف يوجب استصغار شأن العبيد، ومن عز عند الله كانت له العزة، ومن عز عند العبيد كانت له الذلة، ومن خاف من الله لا يخاف الناس.
وإن
nindex.php?page=treesubj&link=24411الذكر لله الأصل فيه القلب ، ولكن يكون مع القلب ذكر اللسان، بحيث لا يسمع إلا نفسه; ولذا يقول تعالى في حال الذاكر لله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205ودون الجهر من القول بالغدو والآصال
وإن الله - سبحانه - حد النطق باللسان فجعله دون الجهر من القول، أي لا يرفعه جاهرا، ولا يخفضه خافتا، ولكن لا بد من ذكر اللسان; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=24410ذكر اللسان يسد منافذ الشيطان ، فحركة اللسان المقصودة تضبط النفس نحو ذكر الله تعالى، ويجعل ذكر النفس ثابتا، وعمرانها بالله قائما لا ينسى، وحد الله تعالى الوقت فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205بالغدو أي في غداة اليوم
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205والآصال وهي جمع "أصيل" كـ "يمين" و"أيمان".
إن الذكر يكون وقت الغدو أي: وقت الصفاء، والآصال أي: وقت استرواح النفس من عناء عمل الناس، وبعض العلماء يقول: إن تحديد هذين الوقتين لدوام الذكر آناء النهار وطرفا من الليل، أي يكون في ذكر دائم، ويقرب هذا قراءة "وبالإيصال" أي: من الغدوة واصلا الذكر دائما ما دام صاحيا.
وقد يقول قائل: كيف يكون وقت المعاش والقيام بالصناعات؟ نقول: يجب دوام ذكر الله تعالى وهو في عمله; لأن العمل عبادة والذكر عبادة، ولا مانع من أن يجتمعا، فيكون عاملا عابدا، مجدا ذكر الله، وينطبق على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "
لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله " فهو يعمل لينفع الناس ويقصد ذلك، وهذه عبادة; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=911671خير الناس أنفعهم للناس ".
nindex.php?page=treesubj&link=29509_32232_34227_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19773_19995_24406_24432_34380_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ nindex.php?page=treesubj&link=18669_1900_29747_33133_34513_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ .
بَيَّنَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي تَحَدَّى بِهَا الْعَرَبَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهَا هِيَ بَصَائِرُ مُبَيِّنَةٌ لِلنَّاسِ الْحَقَائِقَ الدِّينِيَّةَ، وَمُثْبِتَةٌ لِصِدْقِهَا، وَهِيَ هُدًى وَرَحْمَةٌ، وَهِيَ الْقُرْآنُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا بَعْدَ إِعْجَازِهَا بِأَنْ يُنْتَفَعَ بِهِدَايَتِهَا وَرَحْمَتِهَا إِلَّا إِذَا قَامُوا بِحَقِّهَا عِنْدَ قِرَاءَتِهَا بِالِاسْتِمَاعِ إِلَيْهَا، وَالْإِنْصَاتِ لَهَا، وَتَدَبُّرِ
[ ص: 3052 ] مَا جَاءَ فِيهَا مِنْ تَكْلِيفٍ - هُوَ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ - وَمَوَاعِظَ، وَعِبَرٍ، وَقَصَصٍ فِي ذِكْرِ الْأَوَّلِينَ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الْقِرَاءَةُ لِلْقُرْآنِ عِبَادَةٌ مِنَ الْقَارِئِ; لِأَنَّهُ يَتْلُو كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَيُّ مَنْزِلَةٍ فِي الْقُرْبَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَحَدِّثًا بِحَدِيثِ اللَّهِ؟ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ خَالِقِ الْوُجُودِ، وَتَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ عِبَارَاتُهُ جَلَّ وَعَلَا، وَيُرَطِّبُ لِسَانَهُ بِأَطْيَبِ كَلَامٍ، فَهُوَ عِبَادَةٌ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنَ الْجَنَابَةِ وَيَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ.
إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18620_28894_18627_18628قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ سُمُوٌّ إِلَى الْمَكَانِ الْأَعْلَى وَالْمَقْدَسِ الْأَقْدَسِ لِمَنْ تَدَبَّرَ مَوْقِفَهُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَمَقَامَهُ.
وَالِاسْتِمَاعُ إِلَى الْقِرَاءَةِ عِبَادَةٌ إِذَا اسْتَشْعَرَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَاطِبُهُ بِالْقُرْآنِ مِنْ أَعْلَى الْمَلَكُوتِ، وَهُوَ إِنْ يَسْتَمِعْ يُنَاهِدْ إِلَى مَقَامِ رَبِّ الْعِزَّةِ فَيَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، أَكَادُ أَرَى أَنَّ هَذَا مَقَامُ طُهْرٍ، لَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ جَنَابَةٍ، وَإِذَا كَانَ الْفُقَهَاءُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهَذَا فَإِنِّي أُرَاهُ مُقْتَضَى مَقَامِ الطُّهْرِ لِمُسْتَمِعٍ أَطْهَرَ قَوْلٍ، فِي الِاسْتِمَاعِ افْتَعَلَ مِنَ السَّمَاعِ أَيْ طَلَبَ سَمَاعَهُ، وَالْإِقْبَالَ عَلَيْهِ، وَتَلَقِّيَهُ بِقُوَّةِ وَتَقَبُّلَهُ وَتَقَبُّلَ مَعَانِيهِ; وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الِاسْتِمَاعَ هُوَ تَدَبُّرُ الْمَعَانِي، وَالِاسْتِبْصَارُ بِهَا، وَإِدْرَاكُ مَرَامِيهَا وَمَغَازِيهَا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ السَّمَاعِ، بَلِ السَّمْعُ فِي تَدَبُّرٍ وَتَفَهُّمٍ وَتَذَكُّرٍ وَاعْتِبَارٍ.
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا الْإِنْصَاتُ مَعْنَاهُ السُّكُوتُ لِلِاسْتِمَاعِ وَالْمُرَاعَاةِ وَالْإِصْغَاءِ، فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=29أَنْصِتُوا أَيْ هَيِّئُوا أَنْفُسَكُمْ لِلِاسْتِمَاعِ وَأَعِدُّوهَا وَرَاعُوا مَا تَسْمَعُونَ، وَكَأَنَّ الْإِصْغَاءَ تَقْدِمَةٌ لِلِاسْتِمَاعِ، بِأَنْ يُفْرِغَ النَّفْسَ لَهُ، وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ مُقْدِمٌ عَلَى صَاحِبِ الْكَلَامِ، وَهُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، أَلَمْ تَرَ النَّاسَ وَهُمْ يَقْدَمُونَ عَلَى اسْتِمَاعِ كَلَامِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْأَرْضِ فِي سُلْطَانِهِ يَسْتَعِدُّونَ وَيُنْصِتُونَ؟! فَكَيْفَ بِكَلَامِ مَالِكِ الْمُلْكِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْإِنْعَامِ؟!
[ ص: 3053 ] الْقُرْآنُ قِرَاءَتُهُ عِبَادَةٌ، وَالِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ مَعَ التَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ وَتَعَرُّفِ أَسْرَارِهِ عِبَادَةٌ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَكْبَرِ عِبَادَةٍ (وَهِيَ الصَّلَاةُ) وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا نَزَلَتْ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ.
وَنَقُولُ: إِنَّهَا عَامَّةٌ، وَلَوْ نَزَلَتْ فِي مَقَامٍ خَاصٍّ; لِأَنَّ الْأُصُولِيِّينَ يَقُولُونَ: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
وَلَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي خِتَامِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَيْ: رَجَاءَ أَنْ تُرْحَمُوا بِطَلَبِكُمْ لِلْقُرْآنِ، وَتَدَبُّرِ آيَاتِهِ وَالْإِنْصَاتِ إِلَيْهِ، وَالْأَخْذِ بِتَكْلِيفَاتِهِ وَمَوَاعِظِهِ، فَهُوَ رَحْمَةٌ، وَمِنْهُ الرَّحْمَةُ، وَهُوَ نُورٌ وَبُرْهَانٌ.
وَالرَّجَاءُ مِنَ الْعِبَادِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ مَنْ يُرْجَى، وَهُوَ الْقَادِرُ الْعَلِيمُ.
وَإِذَا كَانَ تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ وَتِلَاوَتُهُ رَحْمَةً - فَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ أَصْلُ الرَّحْمَةِ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ
الْقُرْآنُ هُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ خَيْرُ أَوْرَادِ الْمُؤْمِنِينَ; وَلِذَلِكَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ مَعَ الْإِنْصَاتِ رَجَاءَ الرَّحْمَةِ أَمَرَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِدَوَامِ الذِّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى، بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى حَاضِرًا فِي نَفْسِهِ أَطْرَافَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، لَا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا فِي قَلْبِهِ فَى كُلِّ وَقْتٍ، يَعْمُرُ قَلْبَهُ، وَيَمْلَأُ نَفْسَهُ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ nindex.php?page=treesubj&link=24582فَالذِّكْرُ يَبْتَدِئُ بِامْتِلَاءِ النَّفْسِ بِاللَّهِ يَعْمُرُ قَلْبَهُ دَائِمًا، وَأَنْ تَكُونَ فِي حَالِ تَضَرُّعٍ وَتَذَلُّلٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فَالذِّلَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى هِيَ عَيْنُ الْعِزَّةِ، وَالتَّكَبُّرُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ عَيْنُ الذِّلَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَشْعُرُ; لِأَنَّ مَنْ ذَلَّ لِلَّهِ اسْتَعْلَى عَلَى النَّاسِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ تَعَالَى عَلَى جَانِبِ اللَّهِ اسْتَعَانَ بِأَحَطِّ النَّاسِ قَدْرًا فَكَانَ ذَلِيلًا، وَسُبْحَانَ مَنْ لَهُ الْعِزَّةُ وَالْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
[ ص: 3054 ] وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ فِي حَالِ خَوْفٍ مِنْ عِقَابِهِ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَخِيفَةً أَيْ: حَالَ خَوْفٍ؛ فَإِنَّ الْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ يُطَهِّرُ النَّفْسَ، وَيَجْعَلُهَا لَا تَسْتَحْسِنُ مَا تُقَدِّمُ، بَلْ تَسْتَصْغِرُ مَا تُقَدِّمُ وَتَطْلُبُ الْمَزِيدَ مِنَ الْخَيْرِ، فَتُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى أَوْ تَنَالُ رِضْوَانَهُ، وَهُوَ أَكْبَرُ جَزَاءٍ، وَإِنَّ الْخَوْفَ يُوجِبُ اسْتِصْغَارَ شَأْنِ الْعَبِيدِ، وَمَنْ عَزَّ عِنْدَ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ الْعِزَّةُ، وَمَنْ عَزَّ عِنْدَ الْعَبِيدِ كَانَتْ لَهُ الذِّلَّةُ، وَمَنْ خَافَ مِنَ اللَّهِ لَا يَخَافُ النَّاسَ.
وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24411الذِّكْرَ لِلَّهِ الْأَصْلُ فِيهِ الْقَلْبُ ، وَلَكِنْ يَكُونُ مَعَ الْقَلْبِ ذِكْرُ اللِّسَانِ، بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ إِلَّا نَفْسَهُ; وَلِذَا يَقُولُ تَعَالَى فِي حَالِ الذَّاكِرِ لِلَّهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ
وَإِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - حَدَّ النُّطْقَ بِاللِّسَانِ فَجَعَلَهُ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ، أَيْ لَا يَرْفَعُهُ جَاهِرًا، وَلَا يُخْفِضُهُ خَافِتًا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24410ذِكْرَ اللِّسَانِ يَسُدُّ مَنَافِذَ الشَّيْطَانِ ، فَحَرَكَةُ اللِّسَانِ الْمَقْصُودَةُ تَضْبُطُ النَّفْسَ نَحْوَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجْعَلُ ذِكْرَ النَّفْسِ ثَابِتًا، وَعُمْرَانَهَا بِاللَّهِ قَائِمًا لَا يُنْسَى، وَحَدَّ اللَّهُ تَعَالَى الْوَقْتَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205بِالْغُدُوِّ أَيْ فِي غَدَاةِ الْيَوْمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَالآصَالِ وَهِيَ جَمْعُ "أَصِيلٍ" كَـ "يَمِينٍ" وَ"أَيْمَانٍ".
إِنَّ الذِّكْرَ يَكُونُ وَقْتَ الْغُدُوِّ أَيْ: وَقْتَ الصَّفَاءِ، وَالْآصَالِ أَيْ: وَقْتَ اسْتِرْوَاحِ النَّفْسِ مِنْ عَنَاءِ عَمَلِ النَّاسِ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّ تَحْدِيدَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِدَوَامِ الذِّكْرِ آنَاءَ النَّهَارِ وَطَرَفًا مِنَ اللَّيْلِ، أَيْ يَكُونُ فِي ذِكْرٍ دَائِمٍ، وَيُقَرِّبُ هَذَا قِرَاءَةُ "وَبِالْإِيصَالِ" أَيْ: مِنَ الْغَدْوَةِ وَاصِلًا الذِّكْرَ دَائِمًا مَا دَامَ صَاحِيًا.
وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: كَيْفَ يَكُونُ وَقْتَ الْمَعَاشِ وَالْقِيَامِ بِالصِّنَاعَاتِ؟ نَقُولُ: يَجِبُ دَوَامُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ فِي عَمَلِهِ; لِأَنَّ الْعَمَلَ عِبَادَةٌ وَالذِّكْرَ عِبَادَةٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَا، فَيَكُونُ عَامِلًا عَابِدًا، مُجِدًّا ذِكْرَ اللَّهِ، وَيَنْطَبِقُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ الشَّيْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ " فَهُوَ يَعْمَلُ لِيَنْفَعَ النَّاسَ وَيَقْصِدَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ عِبَادَةٌ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=911671خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ".