الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين

                                                                                                                                                                                                أفي الله شك : أدخلت همزة الإنكار على الظرف، لأن الكلام ليس في الشك، إنما هو في المشكوك فيه، وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وشهادتها عليه، يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم : أي: يدعوكم إلى الإيمان ليغفر لكم أو يدعوكم لأجل المغفرة; كقوله: دعوته لينصرني، ودعوته ليأكل معي، وقال [من المتقارب]:


                                                                                                                                                                                                دعوت - لما نابني- مسورا ... فلبى فلبى يدي مسور



                                                                                                                                                                                                [ ص: 367 ] فإن قلت: ما معنى التبعيض في قوله: من ذنوبكم ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين، كقوله: واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم [نوح: 3 - 4]، يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم [الأحقاف: 31]، وقال في خطاب المؤمنين: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم [الصف: 10]، إلى أن قال: يغفر لكم ذنوبكم [الصف: 12]، وغير ذلك مما يقفك عليه الاستقراء، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، ولئلا يسوي بين الفريقين في الميعاد، وقيل: أريد أنه يغفر لهم ما بينهم وبين الله، بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم ونحوها، ويؤخركم إلى أجل مسمى : إلى وقت قد سماه الله وبين مقداره، يبلغكموه إن آمنتم، وإلا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت، إن أنتم : ما أنتم، إلا بشر مثلنا : لا فضل بيننا وبينكم، ولا فضل لكم علينا، فلم تخصون بالنبوة دوننا، ولو أرسل الله إلى البشر رسلا، لجعلهم من جنس أفضل منهم وهم الملائكة، بسلطان مبين : بحجة بينة، وقد جاءتهم رسلهم بالبينات والحجج، وإنما أرادوا بالسلطان المبين آية قد اقترحوها تعنتا ولجاجا.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية