الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 287 ] الركن الرابع : الواجب وفيه للعلماء ثلاث طرق ، منهم من أوجب المثل مطلقا محتجا بقوله تعالى : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " فجعل النعم مثليا ، وبأن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدت إليه طعاما في قصعة ، وهو في بيت غيرها ، فغارت صاحبة البيت فكسرتها . فأمر - عليه السلام - بقصعة صاحبة البيت لصاحبة القصعة المكسورة . وأجيب عن الأول : بأن المراد المثل في الصفة دون المالية والمقدار ، والمطلوب هاهنا حفظ المالية . ألا ترى أن النعامة يحكم فيها ببدنة ، وهي بعيدة جدا من ماليتها ومقدارها . وعن الثاني : بأن البيتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فليس هذا من باب المعاوضة ، بل من باب جبر القلوب وسياسة العيال ، ومنهم من أوجب القيمة مطلقا ; محتجا بقوله - عليه السلام - : ( من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل ) الحديث . وقياسا للبعض على البعض ، ولأن القيمة إنما سميت قيمة لأنها تقوم مقام المقوم ، وهذا معنى عام في سائر الصور ، وأجيب بأن مورد الحديث في العبد ، وهو من ذوات القيم ، ومثله متعذر لتعلق الغرض بخصوصه ، بخلاف المكيلات ونحوها لا يتعلق الغرض بخصوصها ، فقام كل فرد من ذلك الجنس مقام الآخر ; لأن الأصل رد عين الهالك لقوله - عليه السلام - : ( على اليد ما أخذت حتى ترده ) تعذر ذلك ، والمثل أقرب للأصل لجمعه بين الجنسية والمالية ، والقيمة ليس فيها إلا المالية فكان المثل أولى إذا لم يفوت غرضا ، والقيمة أولى حيث يتعلق الغرض بخصوص الهالك ، فالقيمة تأتي عليه [ ص: 288 ] وتخلفه ، ولا يخلفه المثل ; ولأن المثلي جنس قطعي . والقيمة ظني اجتهادية ، والقطع مقدم على الظن ، فكان إيجاب المثل في المثليات والقيمة في غيرها أعدل وأجمع للأحاديث ، وأوفق للأصل ، وهي طريقتنا مع الأئمة ، قال صاحب التلقين : إتلاف مال الغير يوجب البدل . إما مثل المتلف في الخلقة والصورة والجنس ، والمثليات ، وهي المكيلات والموزونات ، وإما قيمته فيما عداها من سائر العروض والحيوان . قال صاحب الجواهر : ومن المثلي المعدود التي استوت آحاده في الصفة غالبا كالبيض والجوز ، فإن فقد المثل فليس عليه إلا هو عند ابن القاسم ، قال اللخمي : يريد أنه يصبر حتى يجده . وقال أشهب : يخير بين الصبر وأخذ القيمة الآن ، قال ابن عبدوس : اختلف في ذلك كالاختلاف في السلم في الفاكهة بعد خروج الإبان . وقال الأئمة : تتعين القيمة من يوم الانقطاع ، وقال ( ش ) و ( ح ) : يوم الحكم ; لأن الحكم هو الذي يقدرها فلو غرم القيمة ، ثم قدر على المثل ، لم يلزمه دفعه لتمام الحكم بالبدل ، وقال ( ش ) : تتعين القيمة .

                                                                                                                وفي الجلاب : إذا لم يخاصم في المثلي حتى خرج إبانه فقيمته يوم الغصب ; لأنه لما كشف الغيب عن تعذر المثل صار كأنه من ذوات القيم ، وقيل : يوم العقد ; لأن القيمة عوض عن المثل المتعذر لا عن المغصوب ، قال اللخمي : لو استهلك الطعام في زمن الغلاء ، ثم رخص ، يختلف هل تجب قيمته غاليا ; لأنه فوت عليه تلك القيمة على القول بمراعاة أغلى القيم في المغصوب أو مثله ; لأنه مثلي وإن كان جزافا ولم يعلم كيله فقيمته يوم غصبه لتعذر المثل ، فإن قال للمغصوب منه : أغرمه من المكيلة ما لا أشك أنه كان فيه ، فالقول بأن ذلك له أحسن ; لأنه لم يغرمه إلا مثل ما أخذ وترك بقيته عنده ، وقال غيره : القيمة تتعين في [ ص: 289 ] الربوي كيلا يؤدي إلى التفاضل ، قال مالك : إذا لم يجد مثل الطعام بموضع الطعام لزمه أن يأتي بمثله ، إلا أن يتفقا على أمر جائز ، يريد بالجائز أخذ مثله بغير البلد ، أو الثمن الذي بيع به الطعام ، أما الطعام يخالفه فلا .

                                                                                                                قاعدة : في الجوابر والزواجر ، فالجوابر مشروعة لجلب المصالح ، والزواجر لدرء المفاسد ، والغرض من الجوابر جبر ما فات من مصالح حقوق الله أو حقوق عباده ، ولا يشترط في ذلك أن يكون من واجب عليه ، ولذلك شرع الجبر مع العمد والخطأ ، والجهل والعلم ، والذكر والنسيان ، وعلى المجانين والصبيان ، بخلاف الزواجر فإن معظمها على العصاة زجرا لهم عن المعصية ، وقد يختلف في بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها ، أو جوابر لأنها عبادات وقربات لا تصح إلا بالنيات ؟ وليس التقرب إلى الله تعالى زجرا ، بخلاف الحدود والتعزيرات فإنها ليست فعلا للمزجور ، بل يفعلها الأئمة فيه ، والجوابر تقع في الأموال والنفوس والأعضاء ومنافع الأعضاء والجراح ، والعبادات كالوضوء مع التيمم ، والسهو مع السجود ، والمصلي لجهة السفر ، أو لجهة العدو مع الخوف ، وصلاة الجماعة لمن صلى وحده ، وجبر ما بين السنين بالدراهم أو الذكورة مع بنت المخاض وهو جبر خارج عن القياس ، والصيام بالإطعام لمن لم يصم ، أو لتأخير القضاء ومناهي النسك بالدم ، ثم الصيام وجبر الصيد المأكول في الحرام ، أو الإحرام بالمثل ، أو الطعام أو الصيد المملوك لمالكه بقيمته ، والأول متلف واحد جبر ببدلين .

                                                                                                                واعلم أن الصلاة لا تجبر إلا بعمل بدني ، والأموال لا تجبر إلا بالأموال ، والنسكات تارة ببدني وتارة بمالي ، ويجبر الصوم بمثله في القضاء ، وبالمال في [ ص: 290 ] العاجزين والمؤخرين لقضائه ، ولا يجبر المثلي بغير مثله إلا في لبن المصراة ; لحكمة ذكرت في البيع ، والمحرمات لا تجبر احتقارا لها كالملاهي والنجاسات ، إلا مهر المزني بها كرها فيجبر بمهر المثل ، ولا يجبر مثل ذلك في اللواط ; لأنه لم يقوم قط في عقد صحيح ، فأشبه القبل والعناق ، ومنافع الأبضاع تجبر بالعقود الصحيحة والفاسدة ، ولا تجبر في اليد العادية ، وسبب ذلك : أن مجرد إيلاج الحشفة يوجب مهر المثل ، والساعة الواحدة تسع عددا كثيرا من الإيلاجات ، فلو ضمنت لكان اليوم الواحد يوجب استحقاق عظائم الأموال ، وهو بعيد عن مقاصد الشرع وحكمه ، واستقراء هذه القاعدة يطول فلنقتصر على هذا القدر للتنبيه على فوائدها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا تعدى على صفحة أو عصا بالكسر ، أو ثوب بالتحريق ، وكثر الفساد ، خيرت في قيمة جميعه ; لأن ذهاب الجل كذهاب الكل ، أو أخذه وما نقصه ; لأن الباقي عين مالكه ، أو قل الفساد فما نقصه بعد رفو الثوب ; لأن البعض مضمون كالكل ، وقد كان يقول : يضمن ما نقص ولم يفصل ; لأن الأصل أن لا يتعدى الضمان مورد الإتلاف ، ثم رجع للتفصيل ، وكذلك المتعدي على عضو حيوان . أما إذا لم يبق في الرقيق كبير منفعة ضمن جميعه ، وعتق عليه كمن مثل بعبده ، وفي التنبيهات : راعوا قطع يد العبد الصانع فضمنوه ، وإن بقيت منافع ، بخلاف قطع ذنب الدابة أو أذنها . وقال عبد الملك : قلع عين الفرس الفاره يضمنه ، وإن بقيت منافع الحمل والركوب لغير ذوي الهيئات ; لفساد غرض صاحبه ، وكذلك إفساد ضرع الشاة المرادة للبن ، وإن بقي اللحم والنتاج ، ولا فرق بين الأذن والعين عند ذوي الهيئات [ ص: 291 ] وفي النكت : إذا كثر الفساد واختار أخذها وما نقصها ، ولا بد من رفو الثوب وإن قبل الرفو ، أو يخاط الثوب إن صلح ذلك فيه ، وتشعب القصة ونحو ذلك ، وكذلك الفساد اليسير ، ولا تداوى الدابة ، والفرق : أن نفقة المداواة غير معلومة ، وعاقبتها غير معروفة ، بخلاف الخياطة ، قال بعض شيوخنا : إذا جني على العبد جناية مفسدة كقطع يده ، فلربه القيمة ويعتق ، ومعناه : إذا طلب ذلك السيد ، وإلا فله أخذه وما نقصه ; لأنه ماله ، وإذا أعجف الغاصب الدابة بركوبه ولم يختر ربها القيمة وأخذها ، لا يطالبه بما نقص ، بخلاف قطع العضو ، ولأن العجف ليس بأمر ثابت لتوقع زواله ، ولأن القطع فعله ، والعجف أثر فعله ، قال ابن يونس : ما قيل في الفساد الكثير : يأخذ ما نقصه بعد الرفو ، خلاف ظاهر قولهم ، وفساده أنه قد يغرم في الرفو أكثر من قيمته صحيحا ، وذلك لا يلزمه ، ألا ترى أشهب وغيره يقولون : لا يغرمه إلا ما نقص إذا كان له تغريمه القيمة ، وهو القياس فكيف بتغريمه النقص بعد الرفو ، وربما زاد ، ولو قيل في اليسير : عليه النقص فقط ، صح لدخول الرفو فيه ، كما قالوا : إذا وجد آبقا وذلك شأنه ، له جعل مثله والنفقة له لدخول النفقة في جعل المثل ، ولم يختلف قول مالك ، وابن القاسم ، وأشهب في إفساد المتعدي الثوب فسادا يسيرا : أنه لا يلزمه إلا ما نقصه بعد الرفو جنى عمدا أو خطأ ، وقول من قال : العتق موقوف على إرادة السيد بخلاف ظاهر قول ابن القاسم وأشهب ، وليس للسيد إمساكه وأخذ ما نقصه ، والصواب العتق وإن كره ; لقيام قيمته مقامه ، فهو مضار في منعه العتق إن كان الفساد كثيرا ، ويخير إن كان يسيرا كفقء العين الواحدة ، وقطع اليد الواحدة ، مع بقاء كثير المنافع ; لأنه ينتفع بما بقي ، فإن أخذ القيمة عتق على الجاني أدبا له ، ويقع العتق والجناية معا ، كمنحلف إن باع عبده فهو حر ، فيقع البيع والحنث معا ، ويغلب العتق لحرمته ، وإن قلت الجناية جدا كجذع الأنف ، وقطع الأصبع ، فما نقص فقط ، قال اللخمي : التعدي أربعة : يسير لا يبطل الغرض المقصود منه ، ويسير يبطله ، وكذلك يبطله ، ولا يبطله . والأول [ ص: 292 ] لا يضمن العين ، وكذلك الرابع ، ويخير في الثالث كما تقدم ، وعلى القول بتضمينه قيمته ، فأراد ربه أخذه وما نقصه فذلك له عند مالك وابن القاسم ، وقال محمد : لا شيء له ; لأنه ملك أن يضمنه فامتنع ، فذلك رضا بنقصه ، والثاني : يضمن على قياس قول مالك . وقال ابن القصار : كقطع ذنب حمار القاضي والشاهد ونحوه ، وتستوي المركوبات والملبوسات ، هذا المشهور ، وعن مالك : لا يضمن العين بذلك ، وضمن ابن حبيب بالذنب دون الأذن لاختلاف الشين فيهما . قال وإذا فرعنا على المذهب فقطع أنملة أصبعه فبطل ذلك صناعته ضمن جميعه ، أما قطع اليد أو الرجل فيضمنه الجميع ، وإن كان من عبيد الخدمة لذهاب جل منافعه ، والعرج الخفيف يضمن النقص فقط ، والكثير يضمن جميعه ، والخصاء يضمن نقصه ، فإن لم ينقصه وزادت قيمته لا شيء عليه وعوقب ، وقيل : تقدر الزيادة نقصا فيغرمها ; لأن الزيادة نشأت عن النقص ، وليس بالبين .

                                                                                                                تنبيه : هذا الفرع - وهو إذهاب جل المنفعة - مما اختلفت فيه المذاهب ، وتشعبت فيه الآراء وطرق الاجتهاد ، فقال ( ح ) : في العبد والثوب كقولنا : في الأكثر ، فإن ذهب النصف أو الأقل باعتبار القيمة عادة فليس له إلا ما نقص ، فإن قلع عين البهيمة فربع القيمة استحسانا ، والقياس عندهم : أن لا يضمن إلا النقص ، واختلفوا في تعليل هذا القول ، فقيل : لأنه ينتفع بالأكل والركوب ، فعلى هذا يتعذر الحكم للإبل والبقر دون البغال والحمير ، ومنهم من قال : الركوب فيتعدى الحكم للبغال والحمير ، فيضمن أيضا بربع القيمة ، وقال ( ش ) ، وابن حنبل : ليس له في جميع ذلك إلا ما نقص ، فإن قطع يدي العبد أو رجليه ، فوافقنا ( ح ) في تخيير السيد في تسليم العبد وأخذ القيمة ، وبين إمساكه ، ولا شيء له ، وقال ( ش ) : تتعين القيمة كاملة ، ولا يلزمه تسليم العبد فتحصل له القيمة ، والعبد خلاف قوله في المسألة الأولى ، وأصل [ ص: 293 ] هذا الفقه : أن الضمان الذي سببه عدوان لا يوجب ملكا ; لأنه سبب التغليظ لا سبب الرفق ، وعندنا الملك مضاف للضمان لا لسببه ، وهو قدر مشترك بين العدوان وغيره . فانبسطت مدارك فقه المسألة الأولى ، ثم الثانية ، أما الأولى : فلنا : أنه أتلف المنفعة المقصودة فيضمن ، كما لو قتلها أو الأولى ، فإن ذا الهيئة إذا قطع ذنب بغلته لا يركبها بعد ، والركوب هو المقصود ، وأما قياس ذلك على قتلها فثلاثة أقوال : إذا قتلها ضمنها اتفاقا مع بقاء انتفاعه بإطعامها لكلابه وبزاته ، ويدفع جلدها ينتفع به أو بغير دباغ إلى غير ذلك من المنافع المقصودة ، ولما لم يمنع ذلك من الضمان علمنا أن الضمان مضاف للقدر المشترك بينهما ، وهو ذهاب المقصود فيستويان في الحكم ، عملا باشتراكهما في الموجب ، ولأنه لو غصب عسلا وشيرجا ونشاء فعقد الجميع فالوذجا ، ضمن عندهم مع بقاء منافع كثيرة مع المالية ، فكذلك هاهنا ، ولأنه لو غصب عبدا فأبق ، أو حنطة فبلها بللا فاحشا ، ضمن الدرك عندهم مع بقاء التقرب في العتق في الأول ، والمالية في الثاني ، لكن جل المقصود ذهب ، فكذلك في مسألتنا ، ولا يقال في الآبق حال بينه وبين جميع العين ، وفي الحنطة يتداعى الفساد إليهما ; لأنه في صورة حال بينه وبين مقصوده ، وأفسده عليه ناجزا مع إمكان تجفيف الحنطة وعملها سويقا وغير ذلك ، احتجوا : بقول الله سبحانه وتعالى : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " ، والاعتداء حصل في البعض ، فتلزمه قيمة البعض ، ولأن هذه الجناية لو صدرت في غير بغلة الأمير لم تلزمه القيمة ، فكذلك فيها كما لو جنى على العبد والدار ; لأن تقويم المتلفات في غير صورة النزاع لا يختلف باختلاف الناس ، إنما يختلف بالبلاد والأزمان ، ويؤكده أنه لو قطع ذنب حمار التراب ، أو خرق ثوب الحطاب لا يلزمه جميع القيمة مع تعذر بيعه من [ ص: 294 ] الأمير والقاضي ، ولأنهما لا يلبسانه بسبب ذلك القطع اليسير ، ولو قطع أذن الأمير نفسه أو أنف القاضي لما اختلفت الجناية ، فكيف بدابته ؟ ! مع أن شين القاضي بقطع أنفه أعظم من العامة . والجواب عن الأول : أنه متروك الظاهر لاقتضائه أن يعور فرسه مثل فعل الجاني ، وليس كذلك إجماعا ، وقد تقدم أنها وردت في الدماء لا في الأموال ، وأن قوله تعالى : " عليكم " إنما يتناول نفوسنا دون أموالنا ، وعن الثاني : أن الدار جل مقصودها حاصل بخلاف الدابة ، وأما قولهم : لا يختلف التقويم باختلاف الملاك ، بل يختلف بأن الدابة الصالحة للخاصة والعامة كالقضاة والحطابين أنفس قيمة لعموم الأغراض ، ولتوقع المنافسة في المزايدة أكثر من التي لا تصلح إلا لأحد الفريقين ، وأما أذن الأمير وأنف القاضي فلأن القاعدة أن مزايا الرجال غير معتبرة في باب الدماء ، ومزايا الأموال معتبرة فيأسر فدية أشجع الناس وأعلمهم كدية أجبن الناس وأجهلهم ، فأين أحد البابين من الآخر ؟ ! وأما المسألة الثانية : فأصلها أن القيمة عندنا بدل العين ; فيستحيل أن يجتمع العوض والمعوض ، وعند بدل اليدين فيجتمع المعوض ، بقيمة المجني عليه التي لم تقابل بعوض .

                                                                                                                لنا : في هذه المسألة ما تقدم أن ذهاب الغرض المقصود يوجب كمال القيمة في جميع العين ، ولأنا إنما نقوم العين فتكون القيمة عوضا ، ولأن المملوك تضمن أجزاؤه بالتلف بما تضمن به جملته في غير صورة النزاع إجماعا . أو نقول : لا نسلم له جميع القيمة مع بقاء ملكه عليه كما لو جنى على ثوب ، أو قياسا على مثله ; ولأن القيمة حقيقتها قيامها مقام العين ; ولذلك سميت قيمة ، فلو حصل له القيمة مع العين لما قامت مقامها ، ولكان للشيء قيمتان ، وهو خلاف الإجماع .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية