الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وعن ابن عيينة قال : ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري .

                                                                                      نعيم بن حماد : عن ابن وهب ، قال : ما رأيت مثل سفيان الثوري . وعن ابن المبارك قال : ما نعت لي أحد ، فرأيته إلا وجدته دون نعته ، إلا سفيان الثوري .

                                                                                      وقال أحمد بن حنبل : قال لي ابن عيينة : لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت . علي بن الحسن بن شقيق ، عن عبد الله قال : ما أعلم على الأرض ، أعلم من سفيان .

                                                                                      وعن حفص بن غياث قال : ما أدركنا مثل سفيان ، ولا أنفع من مجالسته . [ ص: 239 ]

                                                                                      وقال أبو معاوية : ما رأيت رجلا قط أحفظ لحديث الأعمش من الثوري ، كان يأتي ، فيذاكرني بحديث الأعمش ، فما رأيت أحدا أعلم منه بها .

                                                                                      وقال محمد بن عبد الله بن عمار : سمعت يحيى بن سعيد يقول : سفيان أعلم بحديث الأعمش من الأعمش .

                                                                                      وقال ابن عرعرة : سمعت يحيى بن سعيد يقول : سفيان أثبت من شعبة ، وأعلم بالرجال .

                                                                                      وقال محمد بن زنبور : سمعت الفضيل يقول : كان سفيان - والله - أعلم من أبى حنيفة .

                                                                                      وقال ابن راهويه : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ذكر سفيان ، وشعبة ، ومالكا ، وابن المبارك ، فقال : أعلمهم بالعلم سفيان .

                                                                                      وقال أبو بكر بن أبي شيبة : سمعت يحيى القطان يقول : ما رأيت أحدا أحفظ من سفيان ، ثم شعبة .

                                                                                      وقال بشر الحافي : كان الثوري عندنا إمام الناس . وعنه قال : سفيان في زمانه كأبي بكر وعمر في زمانهما .

                                                                                      قال ابن معين : لم يكن أحد أعلم بحديث الأعمش ، ومنصور ، وأبي إسحاق ، من الثوري . وعن أبي إسحاق الفزاري قال : ما رأيت مثل الثوري .

                                                                                      وقال أبو بكر بن عياش : إني لأرى الرجل يصحب سفيان ، فيعظم في عيني .

                                                                                      وقال ورقاء وجماعة : لم ير سفيان الثوري مثل نفسه . وعن شعيب بن حرب قال : إني لأحسب أنه يجاء غدا بسفيان حجة من الله على خلقه يقول لهم : لم تدركوا نبيكم ، قد رأيتم سفيان . [ ص: 240 ]

                                                                                      قال أبو عبيدة الآجري : سمعت أبا داود يقول : ليس يختلف سفيان وشعبة في شيء ، إلا يظفر به سفيان ، خالفه في أكثر من خمسين حديثا ، القول فيها قول سفيان . وعن يحيى بن معين قال : ما خالف أحد سفيان في شيء ، إلا كان القول قول سفيان .

                                                                                      روى يحيى بن نصر بن حاجب ، عن ورقاء ، قال : لم ير الثوري مثل نفسه .

                                                                                      قال ابن عيينة : أصحاب الحديث ثلاثة : ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، والثوري في زمانه .

                                                                                      قال علي بن المديني : لا أعلم سفيان صحف في شيء قط ، إلا في اسم امرأة أبي عبيدة ، كان يقول : حفينة ، يعني : الصواب : بجيم . وروى المروذي ، عن أحمد بن حنبل ، قال : أتدري من الإمام ؟ الإمام سفيان الثوري ، لا يتقدمه أحد في قلبي .

                                                                                      قال الخريبي : ما رأيت أفقه من سفيان .

                                                                                      وعن ابن عيينة : جالست عبد الرحمن بن القاسم ، وصفوان بن سليم ، وزيد بن أسلم ; فما رأيت فيهم مثل سفيان .

                                                                                      قال أبو قطن : قال لي شعبة : إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم . وقال قبيصة : ما جلست مع سفيان مجلسا إلا ذكرت الموت ، ما رأيت أحدا كان أكثر ذكرا للموت منه . وروى عبد الله بن خبيق ، عن يوسف بن أسباط : قال لي سفيان بعد العشاء : ناولني المطهرة أتوضأ . فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره [ ص: 241 ] على خده ، فبقي مفكرا ، ونمت ، ثم قمت وقت الفجر ، فإذا المطهرة في يده كما هي فقلت : هذا الفجر قد طلع ، فقال : لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الآخرة حتى الساعة .

                                                                                      وقال يوسف بن أسباط : سئل الثوري عن مسألة ، وهو يشتري شيئا ، فقال : دعني ، فإن قلبي عند درهمي .

                                                                                      وروى موسى بن العلاء عن حذيفة المرعشي ، قال : قال سفيان : لأن أخلف عشرة آلاف درهم ، يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى الناس .

                                                                                      وقال رواد بن الجراح : سمعت الثوري يقول : كان المال فيما مضى يكره ، فأما اليوم ، فهو ترس المؤمن .

                                                                                      وقال عبد الله بن محمد الباهلي : جاء رجل إلى الثوري يشاوره في الحج ، قال : لا تصحب من يكرم عليك ، فإن ساويته في النفقة ، أضر بك ، وإن تفضل عليك ، استذلك .

                                                                                      ونظر إليه رجل ، وفي يده دنانير ، فقال : يا أبا عبد الله ! تمسك هذه الدنانير ! ؟ قال : اسكت ، فلولاها لتمندل بنا الملوك .

                                                                                      قلت : قد كان سفيان رأسا في الزهد ، والتأله ، والخوف ، رأسا في الحفظ ، رأسا في معرفة الآثار ، رأسا في الفقه ، لا يخاف في الله لومة لائم ، من أئمة الدين ، واغتفر له غير مسألة اجتهد فيها ، وفيه تشيع يسير ، كان يثلث بعلي وهو على مذهب بلده أيضا في النبيذ ويقال : رجع عن كل [ ص: 242 ] ذلك . وكان ينكر على الملوك ، ولا يرى الخروج أصلا ، وكان يدلس في روايته ، وربما دلس عن الضعفاء ، وكان سفيان بن عيينة مدلسا ، لكن ما عرف له تدليس عن ضعيف .

                                                                                      أحمد : حدثنا موسى بن داود : سمعت سفيان يقول سنة ثمان وخمسين ومائة : لي إحدى وستون سنة .

                                                                                      وكيع : ولد سفيان سنة ثمان وتسعين ومات وله ثلاث وستون سنة .

                                                                                      سفيان بن وكيع : حدثنا أبي ، قال : مات سفيان وله مائة دينار بضاعة ، فأوصى إلى عمار بن سيف في كتبه ، فأحرقها ، ولم يعقب سفيان ، كان له ابن ، فمات قبله ، فجعل كل شيء له لأخته وولدها ، ولم يورث أخاه المبارك شيئا ، وتوفي المبارك سنة ثمانين ومائة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية