[ ص: 3350 ] nindex.php?page=treesubj&link=30569_30563من أعمال المنافقين
قال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30569_30723_30984_31788_32024_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64يحذر المنافقون أن تنـزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون
ذكر سبحانه مقالة بعض المنافقين في لمز النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدقات، وقد رد تعالى قولهم، وبين سبحانه أن أمر الزكاة وسائر الصدقات ليس فرطا، بل إن الله نظمه، وأن من يعيب توزيعها إنما يتهجم على الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لم يتركها له ليوزعها كما يشاء، بل ذكر أصناف مستحقيها، ولكنهم يستمرون في إيذائه ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن
ولكنهم استمروا على إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقوال كاذبة، ويفتون في عضد الجماعة الإسلامية ويشيعون فيها بما يفرقها ويرجعون بالقول، فإذا تسامع الناس بها، وعلموا أنها وصلت إلى مسامع النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يبالون،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ويقولون هو أذن [ ص: 3351 ] ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن وليس قولهم: (هو أذن) هو الإيذاء، بل الإيذاء بالقول منهم متنوع مختلف لا يتوانى عن الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - والافتراء عليه كما كانوا يلجون في إشاعة الافتراء على أم المومنين
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - وعن أبيها، فإذا رأوا كبر ما يفعلون سهلوه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ويقولون هو أذن ومعنى (أذن) أنه يأخذ العلم من مسمعه من غير أن يفحصه، بل يقبله مصدقا له، فما عليهم إلا أن يحلفوا أنهم ما قالوه حتى يصدق أيمانهم من غير أن يفحص كذب ما قالوا، ونسوا أن الله يعلمه بما تبلبل به ألسنتهم، ويجيش في صدورهم، وكلمة (هو أذن) كما قلنا أنه يعلم من أذنه، فإذا صدق ما قيل عنهم فإنه مصدق أيمانهم النافية الكاذبة ولا عليهم شيء من بعد ذلك، وهكذا المنافق يظن أو يتوهم أنه يخدع الناس بقوله وهو المخدوع، وإنما يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.
وعبر عن المستمع بأنه (أذن) لأنه في زعمهم علمه كله من أذنه، وذلك مجاز مرسل علاقته الجزئية، فعبر عن الكل باسم الجزء; لأن هذا الجزء له مزية خاصة في الموضوع، كما يعبر عن الجاسوس بالعين; لأن العين لها المزية الأولى في عمله، ورد الله تعالى عليهم بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61قل أذن خير لكم كقولنا: أذن صدق، ورجل بر، ورجل حق، فقد سلم بأنه أذن، يستمع إلى الأقوال التي تصل إليه، ولكن لا يقبلها بإطلاقها كما يتقولون، ولكن يفحصها، ويعالج نفوسكم على مقتضاها، ويتدبر الأمر لهدايتكم، ولا يبادركم بشر يناسبكم، ولا يفضحكم; لأن الله تعالى أمره بذلك، ولأنه يقصد إلى خيركم، ولا عيب إذا سمع وصدق، ولقد قال بعض المفسرين كلمة طيبة: كلما كانت النفس ألين عريكة، وأسلم قلبا وأسهل قبولا كانت أقبل وأشد استعدادا له، وليس هذا اللين من باب الضعف والتأثر من كل ما يرد عليه ويراه حتى الكذب والشرور.
فهم زعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ لم يجابههم بشرهم يقبل كل كذبهم وافترائهم، ولو كانت موثقة بالأيمان المغلظة، ونسوا أنه يعرفهم، ولكن لا يريد أن ينزل بهم أي عقاب، حتى لا يقال: إن
محمدا يعاقب أصحابه وينزل بهم سوء العذاب.
[ ص: 3352 ] وبين الله سبحانه وتعالى ما يقوي أنه أذن خير، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61يؤمن بالله وهذا تعريض بهم بأنهم لا يؤمنون بالله، فهو يؤمن بالله حق الإيمان، ويذعن لله حق الإذعان، لا أن يفتري ويوثق افتراءه بأيمان تدل على ما يدينهم ولا تبرئهم، ويقول تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ويؤمن للمؤمنين أي يسلم للمؤمنين ويصدقهم، وهذا أيضا تعريض بهم، فهو يسلم للمؤمنين ويصدقهم لأنهم مؤمنون، ولا يؤمن لكم ولا يصدقكم لأنكم منافقون، فلا تحسبوا سماحته لكم تصديقا، وإنما سماحته لكم رفق في الدعوة، وتلطف بكم عسى الله أن يجعل منكم من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويخلع نفسه من النفاق وأهله، وقد عدي البيان القرآني بالباء في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61يؤمن بالله لأن الإيمان بالله معناه التصديق والإذعان، والتصديق يتعدى بالباء.
وتعدى باللام في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ويؤمن للمؤمنين لأن الإيمان فيما يتعلق بالمؤمنين معناه التسليم لهم، وقبول قولهم، مثل قوله تعالى في الإخبار عن كلام إخوة يوسف:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=83فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه وقول الكفار
لنوح: nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=111أنؤمن لك واتبعك الأرذلون
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ويؤمن للمؤمنين فيه تعريض لهم بأنه - عليه السلام - لا يقبل قولهم؛ لأنهم ليسوا بمؤمنين، وإن رفق بهم وتلطف في القول، فالرفق شأنه، ولكن لا يدل على ما ظنوه من أنه يقبل كل كلام ولو كان كلامهم.
ثم يقول تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61ورحمة للذين آمنوا بالعطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61أذن خير وقرئ بالجر ، أي: رحمة للذين آمنوا منكم.
والمعنى على قراءة الجر، هو أذن خير لكم، وأذن رحمة للذين آمنوا منكم.
[ ص: 3353 ] وعلى قراءة الرفع - وهي قراءة - يكون العطف فيها على (أذن) أي هو أذن خير لكم، وأذن رحمة للذين آمنوا منكم، والضمير في (لكم) و(منكم) يخاطب به المنافقين.
ووجه الخيرية لهم أنه يتستر عليهم بقبول كلامهم، وذلك خير لهم من أن يتجهم لهم فيفضحهم، ويكشف سوءة نفاقهم.
وقوله: (للذين آمنوا منكم) أي من أهليكم وذوي قرابتكم، ومن كانوا في الأصل منكم وهداهم الله تعالى، فلا يكشف عن نفاقكم بإظهار القبول لكلامكم - وإن كان يعلم أنكم لكاذبون - لكيلا يضار هؤلاء، وعندما ظهر أمر المنافقين ولم يعد خفيا ذهب
ابن عبد الله بن أبي رأس المنافقين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له: إن كنت قاتلا فدعني أقتله، حتى لا أحمل ضغنا لمؤمن، فكان كتمان أمرهم وعدم مجابهتهم بالتكذيب رحمة بهؤلاء الذين آمنوا منهم.
ثم ختم الله سبحانه الآية بذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29284العذاب الأليم لمن يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم
أظهر في موضع الإضمار؛ لأن صدر الآية يبين أن موضوع الآية المنافقون الذين يؤذون رسول الله، فكان يصح أن يعود الضمير إليهم، ولكنه أظهر في موضع الإضمار؛ ليبين سبحانه أن سبب العذاب المؤلم هو إيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولذا قال جمهور الفقهاء: من
nindex.php?page=treesubj&link=28758سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كفر وعد مرتدا، وحل قتله إلا أن يتوب، ولهم العذاب الأليم أي: لكل من يؤذي رسول الله.
[ ص: 3350 ] nindex.php?page=treesubj&link=30569_30563مِنْ أَعْمَالِ الْمُنَافِقِينَ
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30569_30723_30984_31788_32024_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=62يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=63أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَـزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ
ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَقَالَةَ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ فِي لَمْزِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَاتِ، وَقَدْ رَدَّ تَعَالَى قَوْلَهُمْ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أَمْرَ الزَّكَاةِ وَسَائِرِ الصَّدَقَاتِ لَيْسَ فُرُطًا، بَلْ إِنَّ اللَّهَ نَظَّمَهُ، وَأَنَّ مَنْ يَعِيبُ تَوْزِيعَهَا إِنَّمَا يَتَهَجَّمُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا لَهُ لِيُوَزِّعَهَا كَمَا يَشَاءُ، بَلْ ذَكَرَ أَصْنَافَ مُسْتَحِقِّيهَا، وَلَكِنَّهُمْ يَسْتَمِرُّونَ فِي إِيذَائِهِ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
وَلَكِنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى إِيذَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ، وَيَفُتُّونَ فِي عَضُدِ الْجَمَاعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَيُشِيعُونَ فِيهَا بِمَا يُفَرِّقُهَا وَيَرْجِعُونَ بِالْقَوْلِ، فَإِذَا تَسَامَعَ النَّاسُ بِهَا، وَعَلِمُوا أَنَّهَا وَصَلَتْ إِلَى مَسَامِعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُبَالُونَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [ ص: 3351 ] وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ: (هُوَ أُذُنٌ) هُوَ الْإِيذَاءَ، بَلِ الْإِيذَاءُ بِالْقَوْلِ مِنْهُمْ مُتَنَوِّعٍ مُخْتَلِفٍ لَا يَتَوَانَى عَنِ الْكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ كَمَا كَانُوا يَلِجُّونَ فِي إِشَاعَةِ الِافْتِرَاءِ عَلَى أُمِّ الْمُومِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَنْ أَبِيهَا، فَإِذَا رَأَوْا كِبَرَ مَا يَفْعَلُونَ سَهَّلُوهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ وَمَعْنَى (أُذُنٌ) أَنَّهُ يَأْخُذُ الْعِلْمَ مِنْ مُسْمِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْحَصَهُ، بَلْ يَقْبَلُهُ مُصَدِّقًا لَهُ، فَمَا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَحْلِفُوا أَنَّهُمْ مَا قَالُوهُ حَتَّى يُصَدِّقَ أَيْمَانَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْحَصَ كَذِبَ مَا قَالُوا، وَنَسُوا أَنَّ اللَّهَ يُعْلِمُهُ بِمَا تُبَلْبِلُ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ، وَيَجِيشُ فِي صُدُورِهِمْ، وَكَلِمَةُ (هُوَ أُذُنٌ) كَمَا قُلْنَا أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْ أُذُنِهِ، فَإِذَا صَدَّقَ مَا قِيلَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ مُصَدِّقٌ أَيْمَانَهُمُ النَّافِيَةَ الْكَاذِبَةَ وَلَا عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَهَكَذَا الْمُنَافِقُ يَظُنُّ أَوْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَخْدَعُ النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمَخْدُوعُ، وَإِنَّمَا يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ.
وَعَبَّرَ عَنِ الْمُسْتَمِعِ بِأَنَّهُ (أُذُنٌ) لِأَنَّهُ فِي زَعْمِهِمْ عِلْمُهُ كُلُّهُ مِنْ أُذُنِهِ، وَذَلِكَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ الْجُزْئِيَّةُ، فَعَبَّرَ عَنِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ; لِأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ لَهُ مَزِيَّةٌ خَاصَّةٌ فِي الْمَوْضُوعِ، كَمَا يُعَبَّرُ عَنِ الْجَاسُوسِ بِالْعَيْنِ; لِأَنَّ الْعَيْنَ لَهَا الْمَزِيَّةُ الْأَوْلَى فِي عَمَلِهِ، وَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ كَقَوْلِنَا: أُذُنُ صِدْقٍ، وَرَجُلُ بِرٍّ، وَرَجُلُ حَقٍّ، فَقَدْ سَلَّمَ بِأَنَّهُ أُذُنٌ، يَسْتَمِعُ إِلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي تَصِلُ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَقْبَلُهَا بِإِطْلَاقِهَا كَمَا يَتَقَوَّلُونَ، وَلَكِنْ يَفْحَصُهَا، وَيُعَالِجُ نُفُوسَكُمْ عَلَى مُقْتَضَاهَا، وَيَتَدَبَّرُ الْأَمْرَ لِهِدَايَتِكُمْ، وَلَا يُبَادِرُكُمْ بِشَرٍّ يُنَاسِبُكُمْ، وَلَا يَفْضَحُكُمْ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَقْصِدُ إِلَى خَيْرِكُمْ، وَلَا عَيْبَ إِذَا سَمِعَ وَصَدَّقَ، وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ كَلِمَةً طَيِّبَةً: كُلَّمَا كَانَتِ النَّفْسُ أَلْيَنَ عَرِيكَةً، وَأَسْلَمَ قَلْبًا وَأَسْهَلَ قَبُولًا كَانَتْ أَقْبَلَ وَأَشَدَّ اسْتِعْدَادًا لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا اللِّينُ مِنْ بَابِ الضَّعْفِ وَالتَّأَثُّرِ مِنْ كُلِّ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَيَرَاهُ حَتَّى الْكَذِبِ وَالشُّرُورِ.
فَهُمْ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ لَمْ يُجَابِهْهُمْ بِشَرِّهِمْ يَقْبَلُ كُلَّ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ مُوَثَّقَةً بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ، وَنَسُوا أَنَّهُ يَعْرِفُهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُرِيدُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ أَيُّ عِقَابٍ، حَتَّى لَا يُقَالَ: إِنَّ
مُحَمَّدًا يُعَاقِبُ أَصْحَابَهُ وَيُنْزِلَ بِهِمْ سُوءَ الْعَذَابِ.
[ ص: 3352 ] وَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يُقَوِّي أَنَّهُ أُذُنُ خَيْرٍ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، فَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ حَقَّ الْإِيمَانِ، وَيُذْعِنُ لِلَّهِ حَقَّ الْإِذْعَانِ، لَا أَنْ يَفْتَرِيَ وَيُوَثِّقَ افْتِرَاءَهُ بِأَيْمَانٍ تَدُلُّ عَلَى مَا يُدِينُهُمْ وَلَا تُبَرِّئُهُمْ، وَيَقُولُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ يُسَلِّمُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُصَدِّقُهُمْ، وَهَذَا أَيْضًا تَعْرِيضٌ بِهِمْ، فَهُوَ يُسَلِّمُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُصَدِّقُهُمْ لِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَلَا يُؤْمِنُ لَكُمْ وَلَا يُصَدِّقُكُمْ لِأَنَّكُمْ مُنَافِقُونَ، فَلَا تَحْسَبُوا سَمَاحَتَهُ لَكُمْ تَصْدِيقًا، وَإِنَّمَا سَمَاحَتُهُ لَكُمْ رِفْقٌ فِي الدَّعْوَةِ، وَتَلَطُّفٌ بِكُمْ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْكُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَخْلَعُ نَفْسَهُ مِنَ النِّفَاقِ وَأَهْلِهِ، وَقَدْ عُدِّيَ الْبَيَانُ الْقُرْآنِيُّ بِالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61يُؤْمِنُ بِاللَّهِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ مَعْنَاهُ التَّصْدِيقُ وَالْإِذْعَانُ، وَالتَّصْدِيقُ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ.
وَتَعَدَّى بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُؤْمِنِينَ مَعْنَاهُ التَّسْلِيمُ لَهُمْ، وَقَبُولُ قَوْلِهِمْ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْإِخْبَارِ عَنْ كَلَامِ إِخْوَةِ يُوسُفَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=83فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ وَقَوْلِ الْكُفَّارِ
لِنُوحٍ: nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=111أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِيهِ تَعْرِيضٌ لَهُمْ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ، وَإِنَ رَفَقَ بِهِمْ وَتَلَطَّفَ فِي الْقَوْلِ، فَالرِّفْقُ شَأْنُهُ، وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ظَنُّوهُ مِنْ أَنَّهُ يَقْبَلُ كُلَّ كَلَامٍ وَلَوْ كَانَ كَلَامَهُمْ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالْعَطْفِ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61أُذُنُ خَيْرٍ وَقُرِئَ بِالْجَرِّ ، أَيْ: رَحْمَةٍ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ.
وَالْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ، هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، وَأُذُنُ رَحْمَةٍ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ.
[ ص: 3353 ] وَعَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ - وَهِيَ قِرَاءَةٌ - يَكُونُ الْعَطْفُ فِيهَا عَلَى (أُذُنُ) أَيْ هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، وَأُذُنٌ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَالضَّمِيرُ فِي (لَكُمْ) وَ(مِنْكُمْ) يُخَاطِبُ بِهِ الْمُنَافِقِينَ.
وَوَجْهُ الْخَيْرِيَّةِ لَهُمْ أَنَّهُ يَتَسَتَّرُ عَلَيْهِمْ بِقَبُولِ كَلَامِهِمْ، وَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ أَنْ يَتَجَهَّمَ لَهُمْ فَيَفْضَحَهُمْ، وَيَكْشِفَ سَوْءَةَ نِفَاقِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: (لَلَذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِيكُمْ وَذَوِي قَرَابَتِكُمْ، وَمَنْ كَانُوا فِي الْأَصْلِ مِنْكُمْ وَهُدَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا يَكْشِفُ عَنْ نِفَاقِكُمْ بِإِظْهَارِ الْقَبُولِ لِكَلَامِكُمْ - وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ أَنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ - لِكَيْلَا يُضَارَّ هَؤُلَاءِ، وَعِنْدَمَا ظَهَرَ أَمْرُ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَعُدْ خَفِيًّا ذَهَبَ
ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ قَاتِلًا فَدَعْنِي أَقْتُلْهُ، حَتَّى لَا أَحْمِلَ ضِغْنًا لِمُؤْمِنٍ، فَكَانَ كِتْمَانُ أَمْرِهِمْ وَعَدَمُ مُجَابَهَتِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ رَحْمَةً بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ.
ثُمَّ خَتَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْآيَةَ بِذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=29284الْعَذَابِ الْأَلِيمِ لِمَنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْآيَةِ يُبَيِّنُ أَنَّ مَوْضُوعَ الْآيَةِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ، فَكَانَ يَصِحُّ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ؛ لِيُبَيِّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ سَبَبَ الْعَذَابِ الْمُؤْلِمِ هُوَ إِيذَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28758سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَفَرَ وَعُدَّ مُرْتَدًّا، وَحَلَّ قَتْلُهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَلَهُمُ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ أَيْ: لِكُلِّ مَنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ.