[ ص: 485 ] الفصل الثامن : رد بعض الاعتراضات
فإن قلت : فما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في
nindex.php?page=treesubj&link=21386حديث السهو الذي حدثنا به الفقيه
أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر حدثنا القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=11826أبو الأصبغ بن سهل ، حدثنا
حاتم بن محمد ، حدثنا
أبو عبد الله بن الفخار ، حدثنا
أبو عيسى ، حدثنا
عبيد الله ، نا
يحيى ، عن
مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين ، عن
أبي سفيان مولى
ابن أبي أحمد أنه قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989861صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر ، فسلم في ركعتين ، فقام ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كل ذلك لم يكن .
وفي الرواية الأخرى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989862ما قصرت ، وما نسيت . . الحديث بقصته ، فأخبره بنفي الحالتين ، وأنها لم تكن ، وقد كان أحد ذلك كما قال ذو اليدين : قد كان بعض ذلك يا رسول الله . . .
فاعلم وفقنا الله ، وإياك أن للعلماء في ذلك أجوبة ، بعضها بصدد الإنصاف ، ومنها ما هو بنية التعسف ، والاعتساف ، وها أنا أقول :
أما على القول بتجويز الوهم ، والغلط فيما ليس طريقه من القول البلاغ وهو الذي زيفناه من القولين فلا اعتراض بهذا الحديث ، وشبهه .
وأما على مذهب من يمنع السهو في أفعاله جملة ، ويرى أنه في مثل هذا عامد لصورة النسيان ليسن ، فهو صادق في خبره ، لأنه لم ينس ، ولا قصرت ، ولكنه على هذا القول تعمد هذا الفعل في هذه الصورة لمن اعتراه مثله ، وهو قول مرغوب عنه ، ونذكره في موضعه .
وأما على إحالة السهو عليه في الأقوال ، وتجويز السهو عليه فيما ليس طريقه القول كما سنذكره ففيه أجوبة ، منها :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن اعتقاده ، وضميره ، أما إنكار القصر فحق ، وصدق باطنا وظاهرا . وأما النسيان فأخبر - صلى الله عليه وسلم - عن اعتقاده ، وأنه لم ينس في ظنه ، فكأنه قصد الخبر عن ظنه ، وإن لم ينطق به ، وهذا صدق أيضا .
ووجه ثان : أن قوله : ولم أنس راجع إلى السلام ، أي إني سلمت قصدا ، وسهوت عن العدد ، أي لم أسه في نفس السلام ، وهذا محتمل ، وفيه بعد .
ووجه ثالث : وهو أبعدهما ما ذهب إليه بعضهم ، وإن احتمله اللفظ من قوله : كل ذلك لم يكن : أي لم يجتمع القصر والنسيان بل كان أحدهما . ومفهوم اللفظ خلافه مع الرواية الأخرى الصحيحة ، وهو قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989863ما قصرت الصلاة ، وما نسيت .
هذا ما رأيت فيه لأئمتنا ، وكل من هذه الوجوه محتمل
[ ص: 486 ] للفظ على بعد بعضها ، وتعسف الآخر منها .
قال القاضي
أبو الفضل - وفقه الله - : والذي أقول ، ويظهر لي أنه أقرب من هذه الوجوه كلها أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : لم أنس إنكار للفظ الذي نفاه عن نفسه ، وأنكره على غيره بقوله :
بئس ما لأحدكم أن يقول : نسيت آية كذا ، وكذا ، ولكنه نسي .
وبقوله في بعض روايات الحديث الآخر :
لست أنسى ، ولكن أنس . فلما قال له السائل :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989866أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ أنكر قصرها كما كان ونسيانه هو من قبل نفسه ، وأنه إن كان جرى شيء من ذلك فقد نسي حتى سأل غيره ، فتحقق أنه نسي ، وأجري عليه ذلك ليسن ، فقوله على هذا : لم أنس ، ولم تقصر ، وكل ذلك لم يكن صدق وحق ، لم تقصر ، ولم ينس حقيقة ، ولكنه نسي .
ووجه آخر استثرته من كلام بعض المشايخ ، وذلك أنه قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسهو ، ولا ينسى ، ولذلك نفى عن نفسه النسيان قال : لأن النسيان غفلة ، وآفة ، والسهو إنما هو شغل بال ، قال : فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسهو في صلاته ، ولا يغفل عنها ، وكان يشغله عن حركات الصلاة ما في الصلاة ، شغلا بها لا غفلة عنها .
فهذا إن تحقق على هذا المعنى لم يكن في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989862ما قصرت ولا نسيت خلف في قول .
وعندي أن قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989863ما قصرت الصلاة ، وما نسيت بمعنى الترك الذي هو أحد وجهي النسيان أراد ، والله أعلم أني لم أسلم من ركعتين تاركا لإكمال الصلاة ، ولكني نسيت ، ولم يكن ذلك من تلقاء نفسي .
والدليل على ذلك قوله في الحديث الصحيح :
إني لأنسى أو أنسى لأسن ] .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=31861_28751قصة كلمات إبراهيم المذكورة في الحديث أنها كذباته الثلاث المنصوصة في القرآن منها اثنتان : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم [ الصافات : 89 ] . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بل فعله كبيرهم هذا . [ الأنبياء : 63 ] ، وقوله للملك عن زوجته : إنها أختي فاعلم أكرمك الله أن هذه كلها خارجة عن الكذب ، لا في القصد ، ولا في غيره ، وهي داخلة في باب المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب .
أما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إني سقيم [ الصافات : 89 ] فقال
الحسن ، وغيره : معناه سأسقم ، أي إن كل مخلوق معرض لذلك ، فاعتذر لقومه من الخروج معهم إلى عيدهم بهذا .
وقيل : بل سقيم بما قدر علي من الموت .
وقيل : سقيم القلب بما أشاهده من كفركم ، وعنادكم .
وقيل : بل كانت الحمى تأخذه عند طلوع نجم
[ ص: 487 ] معلوم ، فلما رآه اعتذر بعادته .
وكل هذا ليس فيه كذب ، بل هو خبر صحيح صدق .
وقيل : بل عرض بسقم حجته عليهم ، وضعف ما أراد بيانه لهم من جهة النجوم التي كانوا يشتغلون بها ، وأنه أثناء نظره في ذلك ، وقبل استقامة حجته عليهم في حال سقم ومرض مع أنه لم يشك هو ، ولا ضعف إيمانه ولكنه ضعف في استدلاله عليهم ، وسقم نظره ، كما يقال : حجة سقيمة ، ونظر معلول ، حتى ألهمه الله باستدلاله ، وصحة حجته عليهم بالكواكب ، والشمس ، والقمر ما نصه الله - تعالى - ، وقدمنا بيانه .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بل فعله كبيرهم هذا [ الأنبياء : 63 ] الآية . فإنه علق خبره بشرط نطقه ، كأنه قال : إن كان ينطق فهو فعله على طريق التبكيت لقومه . وهذا صدق أيضا ، ولا خلف فيه .
وأما قوله : أختي فقد بين في الحديث ، وقال : فإنك أختي في الإسلام ، وهو صدق ، والله - تعالى - يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إنما المؤمنون إخوة [ الحجرات : 10 ] .
فإن قلت : فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سماها كذبات ، وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989868لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات وقال في حديث الشفاعة :
ويذكر كذباته فمعناه أنه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب ، وإن كان حقا في الباطن إلا هذه الكلمات .
ولما كان مفهوم ظاهرها خلاف باطنها أشفق
إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - من مؤاخذته بها .
وأما الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989869كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد غزوة ، ورى بغيرها فليس فيه خلف في القول ، إنما هو ستر مقصده ، لئلا يأخذ عدوه حذره ، وكتم وجه ذهابه بذكر السؤال عن موضع آخر ، والبحث عن أخباره ، والتعريض بذكره ، لا أنه يقول : تجهزوا إلى غزوة كذا ، أو وجهتنا إلى موضع كذا خلاف مقصده ، فهذا لم يكن ، والأول ليس فيه خبر يدخله الخلف .
فإن قلت : فما معنى
nindex.php?page=hadith&LINKID=989870قول موسى - عليه السلام - ، وقد سئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا أعلم ، فعتب الله عليه ذلك ، إذ لم يرد العلم إليه - الحديث - ، وفيه قال : بل عبد لنا بمجمع البحرين أعلم منك .
وهذا خبر قد أنبأنا الله أنه ليس كذلك .
فاعلم أنه قد وقع في هذا الحديث من بعض طرقه الصحيحة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989871هل تعلم أحدا أعلم منك ؟ .
فإذا كان جوابه على علمه فهو خبر حق وصدق لا خلف فيه ، ولا شبهة .
وعلى الطريق الآخر فمحمله على ظنه ومعتقده ، كما لو صرح به ، لأن حاله في النبوة ، والاصطفاء يقتضي ذلك ، فيكون إخباره بذلك أيضا عن اعتقاده ، وحسبانه صدقا لا خلف فيه .
وقد يريد بقوله : أنا أعلم بما تقتضيه وظائف النبوة من علوم التوحيد ، وأمور الشريعة ، وسياسة الأمة ، ويكون
الخضر أعلم منه بأمور أخر مما لا يعلمه أحد إلا بإعلام الله من علوم غيبه ، كالقصص المذكورة في خبرهما ، فكان
موسى - عليه السلام - أعلم على الجملة بما تقدم . وهذا أعلم على الخصوص بما أعلم .
ويدل عليه قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=65وعلمناه من لدنا علما [ الكهف : 65 ] .
وعتب الله ذلك عليه فيما قاله العلماء إنكار هذا القول عليه ، لأنه لم يرد العلم إليه ، كما قالت الملائكة :
[ ص: 488 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32لا علم لنا إلا ما علمتنا أو لأنه لم يرض قوله شرعا ، وذلك ، والله أعلم لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه ، وعلو درجته من أمته ، فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ، ويورثه ذلك من الكبر ، والعجب ، والتعاطي ، والدعوى ، وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سبيلها ، ودرك ليلها إلا من عصمه الله ، فالتحفظ أولى لنفسه ، وليقتدى به ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - تحفظا من مثل هذا مما قد علم به :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989872أنا سيد ولد آدم ، ولا فخر .
وهذا الحديث إحدى حجج القائلين
nindex.php?page=treesubj&link=28748بنبوة الخضر ، لقوله فيه : أنا أعلم من
موسى . ولا يكون الولي أعلم من النبي .
وأما الأنبياء فيتفاضلون في المعارف .
وبقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82وما فعلته عن أمري فدل أنه بوحي . ومن قال : إنه ليس بنبي قال : يحتمل أن يكون فعله بأمر نبي آخر .
وهذا يضعف ، لأنه ما علمنا أنه كان في زمن
موسى نبي غيره إلا أخاه
هارون ، وما نقل أحد من أهل الأخبار في ذلك شيئا يعول عليه .
وإذا جعلنا [ أعلم منك ] ليس على العموم ، وإنما هو على الخصوص ، وفي قضايا معينة لم يحتج إلى إثبات نبوة
الخضر ، ولهذا قال بعض الشيوخ : كان
موسى أعلم من
الخضر فيما أخذ عن الله ،
والخضر أعلم فيما دفع إليه من
موسى .
وقال آخر : إنما ألجئ
موسى إلى
الخضر للتأديب لا للتعليم .
[ ص: 485 ] الْفَصْلُ الثَّامِنُ : رَدُّ بَعْضِ الِاعْتِرَاضَاتِ
فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21386حَدِيثِ السَّهْوِ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ الْفَقِيهُ
أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=11826أَبُو الْأَصْبَغِ بْنُ سَهْلٍ ، حَدَّثَنَا
حَاتِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْفَخَّارِ ، حَدَّثَنَا
أَبُو عِيسَى ، حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ ، نَا
يَحْيَى ، عَنْ
مَالِكٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15855دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ
أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى
ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989861صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعَصْرِ ، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ .
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989862مَا قَصُرَتْ ، وَمَا نَسِيتُ . . الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ ، فَأَخْبَرَهُ بِنَفْيِ الْحَالَتَيْنِ ، وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ، وَقَدْ كَانَ أَحَدُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ : قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . . .
فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ ، وَإِيَّاكَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً ، بَعْضُهَا بِصَدَدِ الْإِنْصَافِ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ بِنِيَّةِ التَّعَسُّفِ ، وَالِاعْتِسَافِ ، وَهَا أَنَا أَقُولُ :
أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَجْوِيزِ الْوَهْمِ ، وَالْغَلَطِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ مِنَ الْقَوْلِ الْبَلَاغُ وَهُوَ الَّذِي زَيَّفْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَلَا اعْتِرَاضَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَشِبْهِهِ .
وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَمْنَعُ السَّهْوَ فِي أَفْعَالِهِ جُمْلَةً ، وَيَرَى أَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا عَامِدٌ لِصُورَةِ النِّسْيَانِ لِيَسُنَّ ، فَهُوَ صَادِقٌ فِي خَبَرِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ ، وَلَا قَصُرَتْ ، وَلَكِنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَعَمَّدَ هَذَا الْفِعْلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَنِ اعْتَرَاهُ مِثْلُهُ ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ ، وَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ .
وَأَمَّا عَلَى إِحَالَةِ السَّهْوِ عَلَيْهِ فِي الْأَقْوَالِ ، وَتَجْوِيزِ السَّهْوِ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْقَوْلَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَفِيهِ أَجْوِبَةٌ ، مِنْهَا :
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عَنِ اعْتِقَادِهِ ، وَضَمِيرِهِ ، أَمَّا إِنْكَارُ الْقَصْرِ فَحَقٌّ ، وَصِدْقٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا . وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ اعْتِقَادِهِ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ فِي ظَنِّهِ ، فَكَأَنَّهُ قَصَدَ الْخَبَرَ عَنْ ظَنِّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ ، وَهَذَا صِدْقٌ أَيْضًا .
وَوَجْهٌ ثَانٍ : أَنَّ قَوْلَهُ : وَلَمْ أَنْسَ رَاجِعٌ إِلَى السَّلَامِ ، أَيْ إِنِّي سَلَّمْتُ قَصْدًا ، وَسَهَوْتُ عَنِ الْعَدَدِ ، أَيْ لَمْ أَسْهُ فِي نَفْسِ السَّلَامِ ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ ، وَفِيهِ بُعْدٌ .
وَوَجْهٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَبْعَدُهُمَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ ، وَإِنِ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ قَوْلِهِ : كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ : أَيْ لَمْ يَجْتَمِعِ الْقَصْرُ وَالنِّسْيَانُ بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا . وَمَفْهُومُ اللَّفْظِ خِلَافُهُ مَعَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989863مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ ، وَمَا نَسِيتُ .
هَذَا مَا رَأَيْتُ فِيهِ لِأَئِمَّتِنَا ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُحْتَمَلٌ
[ ص: 486 ] لِلَّفْظِ عَلَى بُعْدِ بَعْضِهَا ، وَتَعَسُّفِ الْآخَرِ مِنْهَا .
قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الْفَضْلِ - وَفَّقَهُ اللَّهُ - : وَالَّذِي أَقُولُ ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَمْ أَنْسَ إِنْكَارٌ لِلَّفْظِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَنْكَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ :
بِئْسَ مَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ : نَسِيتُ آيَةَ كَذَا ، وَكَذَا ، وَلَكِنَّهُ نُسِّيَ .
وَبِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ :
لَسْتُ أَنْسَى ، وَلَكِنْ أُنَسَّ . فَلَمَّا قَالَ لَهُ السَّائِلُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989866أَقْصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ ؟ أَنْكَرَ قَصْرَهَا كَمَا كَانَ وَنِسْيَانُهُ هُوَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ جَرَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ نَسِيَ حَتَّى سَأَلَ غَيْرَهُ ، فَتَحَقَّقَ أَنَّهُ نَسِيَ ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِيُسَنَّ ، فَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا : لَمْ أَنْسَ ، وَلَمْ تَقْصُرْ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ صِدْقٌ وَحَقٌّ ، لَمْ تَقْصُرْ ، وَلَمْ يَنْسَ حَقِيقَةً ، وَلَكِنَّهُ نُسِّيَ .
وَوَجْهٌ آخَرُ اسْتَثَرْتُهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْهُو ، وَلَا يَنْسَى ، وَلِذَلِكَ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ النِّسْيَانَ قَالَ : لِأَنَّ النِّسْيَانَ غَفْلَةٌ ، وَآفَةٌ ، وَالسَّهْوُ إِنَّمَا هُوَ شَغْلُ بَالٍ ، قَالَ : فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْهُو فِي صِلَاتِهِ ، وَلَا يَغْفَلُ عَنْهَا ، وَكَانَ يَشْغَلُهُ عَنْ حَرَكَاتِ الصَّلَاةِ مَا فِي الصَّلَاةِ ، شُغْلًا بِهَا لَا غَفْلَةً عَنْهَا .
فَهَذَا إِنْ تَحَقَّقَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989862مَا قَصُرَتْ وَلَا نَسِيتُ خُلْفٌ فِي قَوْلٍ .
وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989863مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ ، وَمَا نَسِيتُ بِمَعْنَى التَّرْكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ وَجْهَيِ النِّسْيَانِ أَرَادَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُسَلِّمْ مِنْ رَكْعَتَيْنِ تَارِكًا لِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ ، وَلَكِنِّي نَسِيتُ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي .
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :
إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأُسَنَّ ] .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31861_28751قِصَّةُ كَلِمَاتِ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا كِذْبَاتُهُ الثَّلَاثُ الْمَنْصُوصَةُ فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا اثْنَتَانِ : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ [ الصَّافَّاتِ : 89 ] . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا . [ الْأَنْبِيَاءِ : 63 ] ، وَقَوْلُهُ لِلْمَلِكِ عَنْ زَوْجَتِهِ : إِنَّهَا أُخْتِي فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ الْكَذِبِ ، لَا فِي الْقَصْدِ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي بَابِ الْمَعَارِيضِ الَّتِي فِيهَا مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ .
أَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=89إِنِّي سَقِيمٌ [ الصَّافَّاتِ : 89 ] فَقَالَ
الْحَسَنُ ، وَغَيْرُهُ : مَعْنَاهُ سَأَسْقَمُ ، أَيْ إِنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ مُعَرَّضٌ لِذَلِكَ ، فَاعْتَذَرَ لِقَوْمِهِ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ إِلَى عِيدِهِمْ بِهَذَا .
وَقِيلَ : بَلْ سَقِيمٌ بِمَا قُدِّرَ عَلَيَّ مِنَ الْمَوْتِ .
وَقِيلَ : سَقِيمُ الْقَلْبِ بِمَا أُشَاهِدُهُ مِنْ كُفْرِكُمْ ، وَعِنَادِكُمْ .
وَقِيلَ : بَلْ كَانَتِ الْحُمَّى تَأْخُذُهُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ
[ ص: 487 ] مَعْلُومٍ ، فَلَمَّا رَآهُ اعْتَذَرَ بِعَادَتِهِ .
وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ كَذِبٌ ، بَلْ هُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ صِدْقٌ .
وَقِيلَ : بَلْ عَرَّضَ بِسَقَمِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ ، وَضَعْفِ مَا أَرَادَ بَيَانَهُ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ النُّجُومِ الَّتِي كَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِهَا ، وَأَنَّهُ أَثْنَاءَ نَظَرِهِ فِي ذَلِكَ ، وَقَبْلَ اسْتِقَامَةِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ سَقَمٍ وَمَرَضٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ هُوَ ، وَلَا ضَعُفَ إِيمَانُهُ وَلَكِنَّهُ ضَعُفَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِمْ ، وَسَقِمَ نَظَرُهُ ، كَمَا يُقَالُ : حُجَّةٌ سَقِيمَةٌ ، وَنَظَرٌ مَعْلُولٌ ، حَتَّى أَلْهَمَهُ اللَّهُ بِاسْتِدْلَالِهِ ، وَصِحَّةِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ بِالْكَوَاكِبِ ، وَالشَّمْسِ ، وَالْقَمَرِ مَا نَصَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [ الْأَنْبِيَاءِ : 63 ] الْآيَةَ . فَإِنَّهُ عَلَّقَ خَبَرَهُ بِشَرْطِ نُطْقِهِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ كَانَ يَنْطِقُ فَهُوَ فِعْلُهُ عَلَى طَرِيقِ التَّبْكِيتِ لِقَوْمِهِ . وَهَذَا صِدْقٌ أَيْضًا ، وَلَا خُلْفَ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : أُخْتِي فَقَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ ، وَقَالَ : فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ صِدْقٌ ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=10إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [ الْحُجُرَاتِ : 10 ] .
فَإِنْ قُلْتَ : فَهَذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَمَّاهَا كِذْبَاتٍ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989868لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ :
وَيَذْكُرُ كِذْبَاتِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامٍ صُورَتُهُ صُورَةُ الْكَذِبِ ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي الْبَاطِنِ إِلَّا هَذِهِ الْكَلِمَاتِ .
وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُ ظَاهِرِهَا خِلَافَ بَاطِنِهَا أَشْفَقَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ مُؤَاخَذَتِهِ بِهَا .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989869كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً ، وَرَّى بِغَيْرِهَا فَلَيْسَ فِيهِ خُلْفٌ فِي الْقَوْلِ ، إِنَّمَا هُوَ سَتْرُ مَقْصِدِهِ ، لِئَلَّا يَأْخُذَ عَدُوُّهُ حِذْرَهُ ، وَكَتَمَ وَجْهَ ذَهَابِهِ بِذِكْرِ السُّؤَالِ عَنْ مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَالْبَحْثِ عَنْ أَخْبَارِهِ ، وَالتَّعْرِيضِ بِذِكْرِهِ ، لَا أَنَّهُ يَقُولُ : تَجَهَّزُوا إِلَى غَزْوَةِ كَذَا ، أَوْ وِجْهَتُنَا إِلَى مَوْضِعِ كَذَا خِلَافَ مَقْصِدِهِ ، فَهَذَا لَمْ يَكُنْ ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ يَدْخُلُهُ الْخُلْفُ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا مَعْنَى
nindex.php?page=hadith&LINKID=989870قَوْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَقَدْ سُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ - الْحَدِيثَ - ، وَفِيهِ قَالَ : بَلْ عَبْدٌ لَنَا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَعْلَمُ مِنْكَ .
وَهَذَا خَبَرٌ قَدْ أَنْبَأَنَا اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ .
فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989871هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ ؟ .
فَإِذَا كَانَ جَوَابُهُ عَلَى عِلْمِهِ فَهُوَ خَبَرُ حَقٍّ وَصِدْقٍ لَا خُلْفَ فِيهِ ، وَلَا شُبْهَةَ .
وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ فَمَحْمَلُهُ عَلَى ظَنِّهِ وَمُعْتَقَدِهِ ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ ، لِأَنَّ حَالَهُ فِي النُّبُوَّةِ ، وَالِاصْطِفَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ ، فَيَكُونُ إِخْبَارُهُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنِ اعْتِقَادِهِ ، وَحُسْبَانِهِ صِدْقًا لَا خُلْفَ فِيهِ .
وَقَدْ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ : أَنَا أَعْلَمُ بِمَا تَقْتَضِيهِ وَظَائِفُ النُّبُوَّةِ مِنْ عُلُومِ التَّوْحِيدِ ، وَأُمُورِ الشَّرِيعَةِ ، وَسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ ، وَيَكُونُ
الْخَضِرُ أَعْلَمَ مِنْهُ بِأُمُورٍ أُخَرَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ مِنْ عُلُومِ غَيْبِهِ ، كَالْقَصَصِ الْمَذْكُورَةِ فِي خَبَرِهِمَا ، فَكَانَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْلَمَ عَلَى الْجُمْلَةِ بِمَا تَقَدَّمَ . وَهَذَا أَعْلَمُ عَلَى الْخُصُوصِ بِمَا أُعْلِمَ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=65وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [ الْكَهْفِ : 65 ] .
وَعَتْبُ اللَّهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ إِنْكَارُ هَذَا الْقَوْلِ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، كَمَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ :
[ ص: 488 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ قَوْلَهُ شَرْعًا ، وَذَلِكَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ كَمَالُهُ فِي تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ ، وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ مِنْ أُمَّتِهِ ، فَيَهْلِكَ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ مَدْحِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ ، وَيُورِثُهُ ذَلِكَ مِنَ الْكِبْرِ ، وَالْعُجْبِ ، وَالتَّعَاطِي ، وَالدَّعْوَى ، وَإِنْ نُزِّهَ عَنْ هَذِهِ الرَّذَائِلِ الْأَنْبِيَاءُ فَغَيْرُهُمْ بِمَدْرَجَةِ سَبِيلِهَا ، وَدَرْكِ لَيْلِهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ ، فَالتَّحَفُّظُ أَوْلَى لِنَفْسِهِ ، وَلِيُقْتَدَى بِهِ ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَفُّظًا مِنْ مِثْلِ هَذَا مِمَّا قَدْ عُلِمَ بِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989872أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ، وَلَا فَخْرَ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ إِحْدَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ
nindex.php?page=treesubj&link=28748بِنُبُوَّةِ الْخَضِرِ ، لِقَوْلِهِ فِيهِ : أَنَا أَعْلَمُ مِنْ
مُوسَى . وَلَا يَكُونُ الْوَلِيُّ أَعْلَمَ مِنَ النَّبِيِّ .
وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَيَتَفَاضَلُونَ فِي الْمَعَارِفِ .
وَبِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=82وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي فَدَلَّ أَنَّهُ بِوَحْيٍ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ قَالَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ بِأَمْرِ نَبِيٍّ آخَرَ .
وَهَذَا يَضْعُفُ ، لِأَنَّهُ مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ
مُوسَى نَبِيٌّ غَيْرُهُ إِلَّا أَخَاهُ
هَارُونَ ، وَمَا نَقَلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا جَعَلْنَا [ أَعْلَمَ مِنْكَ ] لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْخُصُوصِ ، وَفِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ
الْخَضِرِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ : كَانَ
مُوسَى أَعْلَمَ مِنَ
الْخَضِرِ فِيمَا أَخَذَ عَنِ اللَّهِ ،
وَالْخَضِرُ أَعْلَمُ فِيمَا دُفِعَ إِلَيْهِ مِنْ
مُوسَى .
وَقَالَ آخَرُ : إِنَّمَا أُلْجِئَ
مُوسَى إِلَى
الْخَضِرِ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلتَّعْلِيمِ .