nindex.php?page=treesubj&link=19860_34122_7856_7860_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين
نداء إلى الذين آمنوا يشير بهذا النداء إلى أن الجهاد في سبيل الله تعالى ثمرة الإيمان، والتقاعس عن القتال يكون من ضعف الإيمان، أو مرض القلوب، وأمر الله تعالى بقتال الذين يلون أرض الإسلام سواء أكان المؤمنون
بالمدينة أم أقاموا في أرض أخرى، فالأمر أمر عام بقتال الذين يصاقبونهم، لتكون العلاقة بينهم حربا واضحة، أو عهدا وفيا، أما أن تكون العلاقة علاقة من يتربص بالآخر، وينتهز الفرصة، قاتلوا الذين يلونكم، ثم الذين يلونهم إن لم يرضوا بالعهد، وهكذا كما ابتدأ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فأنذر عشيرته الأقربين ثم صدع بأمر ربه، ولما هاجر قاتل
قريشا، ثم قاتل
العرب أجمعين لما نزعوا عن قوس واحدة، قاتل المشركين كافة كما يقاتلونه كافة، ولما ابتدأ يقاتل خارج
الجزيرة العربية ابتدأ
بالرومان; لأن واليهم قتل من أسلم من أهله، ولأنهم أقرب إلى
المدينة من
الفرس، ولأنهم كانوا يمالئون اليهود ونصارى
العرب، ولأنهم أهل كتاب، ولأنهم في أرضهم
بيت المقدس، مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه يجب أن يتحرر من أهل الكفر كما تحرر
البيت الحرام من الشرك، ولأنهم المسلمون وهم ورثة الأنبياء أجمعين، والقوامون على الرسالة الإلهية من بعدهم.
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة والأمر هنا في معنى وأغلظوا عليهم، ولكن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123وليجدوا فيكم غلظة أبلغ
[ ص: 3487 ] لأن مؤداه أن يكونوا كلما راموكم بسوء وجدوا فيكم غلظة فلا يفكرون في أن يرموا بسوء، والغلظة معناها الشدة والقوة، والغلظة تجمع الجرأة، وعدم التواني، والصبر، والمبادرة، والعنف في القتال من غير اعتداء فيه، وألا تأخذهم بهم رأفة في دين الله تعالى.
وكانت الغلظة في قتال الذين يلونهم، ليأمنوا شرهم، وليرهبوهم، ولكيلا يتمكنوا من الاعتداء إن فكروا فيه، أو أرادوهم لأنهم ما داموا لم يعاهدوا عهدا وفيا، فإن شرهم متوقع، ودفع الشر قبل أن يأتي من شأن الحذرين، والله تعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71خذوا حذركم والقتال أنفى للقتال، وأبعد عن الاعتداء، وخير الدفاع ما يكون هجوما.
وختم الله تعالى الآية بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123أن الله مع المتقين إن الله يحب الذين يتقون عذابه، ويتقون الشر قبل وقوعه ولا ينتظرونه حتى يقع، فإن وقع صعب دفعه، والذين يتقون الاعتداء، وكان ختم الله تعالى الآية بذلك لهذه المعاني التي أشرنا إليها، ولتحريض المؤمنين على اتقاء الاعتداء ما تمكنوا منه.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123أن الله مع المتقين أي: هو مصاحب لهم، فلا يقع عليهم، وهو قريب منهم ينصرهم ويعزهم، ولا يمكن عدوا منهم، وقد أكد سبحانه أنه مع المتقين بالجملة الاسمية، وب إن الدالة على التوكيد، وبتصدير القول بلفظ الجلالة الذي يربي في النفس المهابة من الله ومخافته.
nindex.php?page=treesubj&link=19860_34122_7856_7860_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
نِدَاءٌ إِلَى الَّذِينَ آمَنُوا يُشِيرُ بِهَذَا النِّدَاءِ إِلَى أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ، وَالتَّقَاعُسُ عَنِ الْقِتَالِ يَكُونُ مِنْ ضَعْفِ الْإِيمَانِ، أَوْ مَرَضِ الْقُلُوبِ، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الَّذِينَ يَلُونَ أَرْضَ الْإِسْلَامِ سَوَاءً أَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ
بِالْمَدِينَةِ أَمْ أَقَامُوا فِي أَرْضٍ أُخْرَى، فَالْأَمْرُ أَمْرٌ عَامٌّ بِقِتَالِ الَّذِينَ يُصَاقِبُونَهُمْ، لِتَكُونَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمْ حَرْبًا وَاضِحَةً، أَوْ عَهْدًا وَفِيًّا، أَمَّا أَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ عَلَاقَةَ مَنْ يَتَرَبَّصُ بِالْآخَرِ، وَيَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ، قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِالْعَهْدِ، وَهَكَذَا كَمَا اِبْتَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْذَرَ عَشِيرَتَهُ الْأَقْرَبِينَ ثُمَّ صَدَعَ بِأَمْرِ رَبِّهِ، وَلَمَّا هَاجَرَ قَاتَلَ
قُرَيْشًا، ثُمَّ قَاتَلَ
الْعَرَبَ أَجْمَعِينَ لَمَّا نَزَعُوا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، قَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَهُ كَافَّةً، وَلَمَّا اِبْتَدَأَ يُقَاتِلُ خَارِجَ
الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ اِبْتَدَأَ
بِالرُّومَانِ; لِأَنَّ وَالِيَهُمْ قَتَلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى
الْمَدِينَةِ مِنَ
الْفُرْسِ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُمَالِئُونَ الْيَهُودَ وَنَصَارَى
الْعَرَبِ، وَلِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَلِأَنَّهُمْ فِي أَرْضِهِمْ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ، مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّرَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ كَمَا تَحَرَّرَ
الْبَيْتُ الْحَرَامُ مِنَ الشِّرْكِ، وَلِأَنَّهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ، وَالْقَوَّامُونَ عَلَى الرِّسَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ بَعْدِهِمْ.
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَالْأَمْرُ هُنَا فِي مَعْنَى وَأَغْلِظُوا عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً أَبْلَغُ
[ ص: 3487 ] لِأَنَّ مُؤَدَّاهُ أَنْ يَكُونُوا كُلَّمَا رَامُوكُمْ بِسُوءٍ وَجَدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً فَلَا يُفَكِّرُونَ فِي أَنْ يَرْمُوا بِسُوءٍ، وَالْغِلْظَةُ مَعْنَاهَا الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ، وَالْغِلْظَةُ تَجْمَعُ الْجُرْأَةَ، وَعَدَمَ التَّوَانِي، وَالصَّبْرَ، وَالْمُبَادَرَةَ، وَالْعُنْفَ فِي الْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ اِعْتِدَاءٍ فِيهِ، وَأَلَّا تَأْخُذَهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَكَانَتِ الْغِلْظَةُ فِي قِتَالِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، لِيَأْمَنُوا شَرَّهُمْ، وَلِيَرْهَبُوهُمْ، وَلِكَيْلَا يَتَمَكَّنُوا مِنَ الِاعْتِدَاءِ إِنْ فَكَرُّوا فِيهِ، أَوْ أَرَادُوهُمْ لِأَنَّهُمْ مَا دَامُوا لَمْ يُعَاهِدُوا عَهْدًا وَفِيًّا، فَإِنَّ شَرَّهُمْ مُتَوَقَّعٌ، وَدَفْعُ الشَّرِّ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ شَأْنِ الْحَذِرِينَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71خُذُوا حِذْرَكُمْ وَالْقِتَالُ أَنْفَى لِلْقِتَالِ، وَأَبْعَدُ عَنِ الِاعْتِدَاءِ، وَخَيْرُ الدِّفَاعِ مَا يَكُونُ هُجُومًا.
وَخَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يَتَّقُونَ عَذَابَهُ، وَيَتَّقُونَ الشَّرَّ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَلَا يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَقَعَ، فَإِنْ وَقَعَ صَعُبَ دَفْعُهُ، وَاَلَّذِينَ يَتَّقُونَ الِاعْتِدَاءَ، وَكَانَ خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ بِذَلِكَ لِهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا، وَلِتَحْرِيضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى اِتِّقَاءِ الِاعْتِدَاءِ مَا تَمَكَّنُوا مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ أَيْ: هُوَ مُصَاحِبٌ لَهُمْ، فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُمْ يَنْصُرُهُمْ وَيُعِزُّهُمْ، وَلَا يُمَكِّنُ عَدُوًّا مِنْهُمْ، وَقَدْ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَعَ الْمُتَّقِينَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَبِ إِنَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّوْكِيدِ، وَبِتَصْدِيرِ الْقَوْلِ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ الَّذِي يُرَبِّي فِي النَّفْسِ الْمَهَابَةَ مِنَ اللَّهِ وَمَخَافَتَهُ.