ولما وصف سبحانه نفسه الأقدس بما هو له أهل من شمول القدرة وعظيم البأس والقوة، أتبع ذلك بدليل يتضمن أن المستنفر لهم - وهو نبيه صلى الله عليه وسلم - غير محتاج إليه ومتوقف نصره عليهم كما لم يحتج إليهم - بحياطة القادر له - فيما مضى من الهجر التي ذكرها، وأن نفع ذلك إنما هو لهم باستجلاب ما عدوه واستدفاع ما أوعدوه في الدارين المشار إلى ذلك كله بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38فما متاع الحياة الدنيا الآية. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إلا تنفروا - الآية. فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29676_29677_29747_30670_31160_31788_32024_32338_34081_34200_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إلا تنصروه أي: أنتم طاعة لأمر الله، والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم إما على طريق الاستخدام من سبيل الله؛ لأنه الموضح له الداعي إليه، أو لتقدم اسمه الشريف إضمارا في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38إذا قيل لكم أي: من رسول الله صلى عليه وسلم استنصارا منه لكم، وإظهارا في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هو الذي أرسل رسوله الآية وقوة ما في كل جملة من المناسبة المقتضية لأن تعانق التي بعدها ولا تنفك عنها قصر الفصل بين الظاهر وضميره، وذكر الغاز والصاحب أوضح الأمر. وذلك أنه سبحانه لما عابهم باتخاذ الرؤساء أربابا اشتدت
[ ص: 473 ] الحاجة إلى بيان أنهم في البعد عن ذلك على غاية لا تخفى على متأمل، فوصفهم بالأكل المستلزم للجسمية المستلزمة للحاجة، وبأن مأكولهم أموال غيرهم باطلا، وبأنهم يغشونهم لصدهم إياهم عن السبيل التي لا يخفى حسنها على من له أدنى نظر; ولما كان ذلك شديد الإثارة لتشوف النفوس إلى السؤال عن العرب: هل فعلوا فعلهم واتبعوا سنتهم؟ أجاب بأن عملهم في تحليل النسأة لهم بعض الأشهر الحرم وتحريم بعض أشهر الحل والزيادة في عدة أشهر السنة كعملهم سواء.
ولما أمر بقتال المشركين كافة وحثهم على التقوى، وكان بعضهم قد توانى في ذلك، اشتد اقتضاء الحال للمعاتبة على التثاقل عن النفر، فلما تم ذلك في هذا الأسلوب البديع والطراز الرفيع حث على نصر الرسول الذي أرسله ليظهره على الدين كله فقال جوابا للشرط:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فقد أي: إن لم يتجدد منكم له نصر فإن الله قادر على نصره وسينصره ويغنيه عنكم ولا تضرون إلا أنفسكم فقد
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40نصره الله أي: الملك الأعظم وحده والأمر في غاية الشدة، ولا شك عند عاقل أن المستقبل عنده كالماضي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إذ أي: حين
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40أخرجه الذين وعبر بالماضي لأن فيهم من أسلم بعد ذلك فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40كفروا أي: من
مكة وهم في غاية التمالؤ عليه حين شاوروا في قتله أو إخراجه أو إثباته، فكان ذلك سببا لإذن الله له في الخروج من بينهم حال كونه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثاني اثنين أي: أحدهما
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر رضي الله عنه ولا ثالث لهما ينصرهما إلا الله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إذ هما في الغار [ ص: 474 ] أي: غار ثور الذي في أعلى الجبل المواجه
للركن اليماني بأسفل
مكة على مسيرة ساعة منها لما كمنا به ثلاث ليال ليفتر عنهما الطلب، وذلك قبل أن يصلا إليكم أو يعولا في النصر عليكم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إذ يقول أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لصاحبه أي:
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه وثوقا بربه غير منزعج من شيء
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لا تحزن والحزن: هم غليظ بتوجع يرق له القلب، حزنه وأحزنه بمعنى; وقال في القاموس: أو أحزنه: جعله حزينا، وحزنه: جعل فيه حزنا; ثم علل نهيه لصاحبه بقوله معبرا بالاسم الأعظم مستحضرا لجميع ما جمعه من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تخضع دونها صلاب الرقاب وتندك بعظمتها شوامخ الجبال الصلاب
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إن الله أي: الذي له الأمر كله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40معنا أي: بالعون والنصرة، وهو كاف لكل مهم، قوي على دفع ملم، فالذي تولى نصره بالحراسة في ذلك الزمان كان قادرا على أن يأمر الجنود التي أيده بها أن تهلك الكفار في كل موطن من غير أن يكون لكم في ذلك أمر أو يحصل لكم به أجر، وكما أنه كان موجودا في ذلك الزمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى هو على ذلك في هذا الزمان وكل زمان، فتبين كالشمس أن النفع في ذلك إنما هو خاص بكم، وأنه سبحانه ما رتب هذا كله على هذا المنوال إلا لفوزكم، وفي هذه الآية من التنويه بمقدار
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق وتقدمه وسابقته في الإسلام وعلو
[ ص: 475 ] منصبه وفخامة أمره ما لا يعلمه إلا الذي أعطاه إياه; قال
أبو حيان وغيره: قال العلماء:
nindex.php?page=treesubj&link=31136من أنكر صحبة nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله عنه كفر لإنكاره كلام الله، وليس ذلك لسائر الصحابة.
ولما كان رضي الله عنه نافذ البصيرة في المعارف الإلهية، راسخ القدم في ذلك المقام لذلك لم يتلعثم من أول الأمر في عناد جميع العباد بخلع الأنداد، ثم تدرب فيه مترقيا لثلاث عشرة سنة، وكان الذي به من القلق إنما هو الخوف من أن يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم أذى فيدركه من الحزن لذلك ما يهلكه قبل سروره بظهور الدين وقمع المعتدين، ولم يكن جنبا ولا سوء ظن، لما كان ذلك كذلك كان رضي الله عنه حقيقا لحصول السكينة له عند سماع اسم الشريف الأعظم الدال على ذلك المقام المذكر بتلك العظمة التي يتلاشى عندها كل عظيم، ويتصاغر في جنبها كل كبير، ولذلك ذكر هذا الاسم الأعظم وقدم، وأشرك
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق في المعية وبدأ بالنهي عن الحزن لأنه المقصود بالذات وما بعده علة له. وأما بنو إسرائيل فلم يكن عندهم من المعرفة إلا ما شاهدوا من إحسانه تعالى إلى
موسى عليه السلام بإظهار تلك الآيات على يده حتى استنقذهم بها مما كانوا فيه، ومنع
[ ص: 476 ] موسى عليه السلام مع وحدته من سطوات
فرعون على عظمته وما كان يواجهه به من المكروه، فلما رأوا جموعه مقبلة كان حالهم مقتضيا للسؤال عن ذلك المحسن بإظهار تلك الآيات: هل هو مع
موسى عليه السلام على ما كان عليه فيمنعهم أم لا؟ فلذلك قد إنكار الإدراك ثم إثبات المعية على سبيل الخصوص به، وعبر عن الإله باسم الرب الدال على ذلك الإحسان المذكر به فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=62كلا إن معي ربي فكأن قيل: ماذا يفعل والبحر أمامنا والعدو وراءنا؟ فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=62سيهدين أي: إلى ما أفعل، يعرف ذلك من كان متضلعا بالسير وقصص بني إسرائيل على ما ذكرتها في الأعراف عن التوراة، مستحضرا لأن
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق رضي الله عنه كان في صعودهما إلى الغار يذكر الرصد فيتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ليفتديه بنفسه ثم يذكر الطلب فيتأخر ثم يذكر ما عن اليمين والشمال فينتقل إليهما، ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قتلت أنا فأنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة، وأنه كان عارفا بأن الله تعالى تكفل بإظهار الدين على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم المتضمن لحراسة نفسه الشريفة قبل ذلك، ولذلك كان به في هذا اليوم من القلق ما ذكر، وكان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أثبت الناس، ولذلك أتى بالفاء المعقبة في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فأنـزل الله أي: الملك الأعظم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40سكينته [ ص: 477 ] أي: السكون المبالغ فيه المؤثر للنسك
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40عليه أي:
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق - كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما - لأن السكينة لم تفارق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40نصره الله قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وأيده أي: النبي صلى الله عليه وسلم واختلاف الضمائر هنا لا يضر؛ لأنه غير مشتبه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40بجنود لم تروها أي: من الملائكة الكرام
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وجعل كلمة أي: دعوة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40الذين كفروا أي: أوقعوا الكفر من آمن منهم بعد ذلك وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40السفلى فخيب سعيهم ورد كيدهم، ثم ابتدأ الإخبار بما له سبحانه على الدوام من غير انقطاع أصلا في وقت من الأوقات فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وكلمة الله أي: الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء، ونصبها
يعقوب عطفا على ما سبق
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40هي العليا أي: وحدها، لا يكون إلا ما يشاءه دائما أبدا، فالله قادر على ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40والله أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلما
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40عزيز أي: مطلقا يغلب كل شيء من ذلك وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40حكيم لا يمكن أن ينقض شيء من مراده لما ينصب من الأسباب التي لا مطمع لأحد في مقاومتها فلا محيص عن نفوذها.
وَلَمَّا وَصَفَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ الْأَقْدَسَ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ مِنْ شُمُولِ الْقُدْرَةِ وَعَظِيمِ الْبَأْسِ وَالْقُوَّةِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمُسْتَنْفِرَ لَهُمْ - وَهُوَ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ وَمُتَوَقِّفٌ نَصْرُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِمْ - بِحِيَاطَةِ الْقَادِرِ لَهُ - فِيمَا مَضَى مِنَ الْهَجْرِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لَهُمْ بِاسْتِجْلَابِ مَا عَدُّوهُ وَاسْتِدْفَاعِ مَا أُوعِدُوهُ فِي الدَّارَيْنِ الْمُشَارِ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=39إِلا تَنْفِرُوا - الْآيَةَ. فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29676_29677_29747_30670_31160_31788_32024_32338_34081_34200_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِلا تَنْصُرُوهُ أَيْ: أَنْتُمْ طَاعَةً لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالضَّمِيرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْدَامِ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَضِّحُ لَهُ الدَّاعِي إِلَيْهِ، أَوْ لِتَقَدُّمِ اسْمِهِ الشَّرِيفِ إِضْمَارًا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38إِذَا قِيلَ لَكُمُ أَيْ: مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِنْصَارًا مِنْهُ لَكُمْ، وَإِظْهَارًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=33هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ الْآيَةَ وَقُوَّةُ مَا فِي كُلِّ جُمْلَةٍ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَنْ تُعَانِقَ الَّتِي بَعْدَهَا وَلَا تَنْفَكُّ عَنْهَا قِصَرُ الْفَصْلِ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَضَمِيرِهِ، وَذِكْرُ الْغَازِ وَالصَّاحِبِ أَوْضَحَ الْأَمْرَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَا عَابَهُمْ بِاتِّخَاذِ الرُّؤَسَاءِ أَرْبَابًا اشْتَدَّتْ
[ ص: 473 ] الْحَاجَةُ إِلَى بَيَانِ أَنَّهُمْ فِي الْبُعْدِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى غَايَةٍ لَا تَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ، فَوَصَفَهُمْ بِالْأَكْلِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْجِسْمِيَّةِ الْمُسْتَلْزَمَةِ لِلْحَاجَةِ، وَبِأَنَّ مَأْكُولَهُمْ أَمْوَالَ غَيْرِهِمْ بَاطِلًا، وَبِأَنَّهُمْ يَغُشُّونَهُمْ لِصَدِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنِ السَّبِيلِ الَّتِي لَا يَخْفَى حُسْنُهَا عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى نَظَرٍ; وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ شَدِيدَ الْإِثَارَةِ لِتَشَوُّفِ النُّفُوسِ إِلَى السُّؤَالِ عَنِ الْعَرَبِ: هَلْ فَعَلُوا فِعْلَهُمْ وَاتَّبَعُوا سُنَّتَهُمْ؟ أَجَابَ بِأَنَّ عَمَلَهُمْ فِي تَحْلِيلِ النَّسْأَةِ لَهُمْ بَعْضَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَتَحْرِيمِ بَعْضِ أَشْهُرِ الْحِلِّ وَالزِّيَادَةِ فِي عِدَّةِ أَشْهُرِ السَّنَةِ كَعَمَلِهِمْ سَوَاءٌ.
وَلَمَّا أَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً وَحَثَّهُمْ عَلَى التَّقْوَى، وَكَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ تَوَانَى فِي ذَلِكَ، اشْتَدَّ اقْتِضَاءُ الْحَالِ لِلْمُعَاتَبَةِ عَلَى التَّثَاقُلِ عَنِ النَّفْرِ، فَلَمَّا تَمَّ ذَلِكَ فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ الْبَدِيعِ وَالطِّرَازِ الرَّفِيعِ حَثَّ عَلَى نَصْرِ الرَّسُولِ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ فَقَالَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فَقَدْ أَيْ: إِنْ لَمْ يَتَجَدَّدْ مِنْكُمْ لَهُ نَصْرٌ فَإِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِهِ وَسَيَنْصُرُهُ وَيُغْنِيهِ عَنْكُمْ وَلَا تَضُرُّونَ إِلَّا أَنْفُسَكُمْ فَقَدْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40نَصَرَهُ اللَّهُ أَيِ: الْمَلِكُ الْأَعْظَمُ وَحْدَهُ وَالْأَمْرُ فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ، وَلَا شَكَّ عِنْدَ عَاقِلٍ أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ عِنْدَهُ كَالْمَاضِي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِذْ أَيْ: حِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40أَخْرَجَهُ الَّذِينَ وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40كَفَرُوا أَيْ: مِنْ
مَكَّةَ وَهُمْ فِي غَايَةِ التَّمَالُؤِ عَلَيْهِ حِينَ شَاوَرُوا فِي قَتْلِهِ أَوْ إِخْرَاجِهِ أَوْ إِثْبَاتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِذْنِ اللَّهِ لَهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِهِمْ حَالَ كَوْنِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40ثَانِيَ اثْنَيْنِ أَيْ: أَحَدُهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا يَنْصُرُهُمَا إِلَّا اللَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ [ ص: 474 ] أَيْ: غَارِ ثَوْرٍ الَّذِي فِي أَعْلَى الْجَبَلِ الْمُوَاجِهِ
لِلرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِأَسْفَلِ
مَكَّةَ عَلَى مَسِيرَةِ سَاعَةٍ مِنْهَا لَمَّا كَمِنَا بِهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ لِيَفْتُرَ عَنْهُمَا الطَّلَبُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَا إِلَيْكُمْ أَوْ يُعَوِّلَا فِي النَّصْرِ عَلَيْكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِذْ يَقُولُ أَيْ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لِصَاحِبِهِ أَيْ:
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وُثُوقًا بِرَبِّهِ غَيْرَ مُنْزَعِجٍ مِنْ شَيْءٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لا تَحْزَنْ وَالْحُزْنُ: هَمٌّ غَلِيظٌ بِتَوَجُّعٍ يَرِقُّ لَهُ الْقَلْبُ، حَزَنَهُ وَأَحْزَنَهُ بِمَعْنًى; وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَوْ أَحْزَنَهُ: جَعَلَهُ حَزِينًا، وَحَزَنَهُ: جَعَلَ فِيهِ حُزْنًا; ثُمَّ عَلَّلَ نَهْيَهُ لِصَاحِبِهِ بِقَوْلِهِ مُعَبِّرًا بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ مُسْتَحْضِرًا لِجَمِيعِ مَا جَمَعَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى الَّتِي تَخْضَعُ دُونَهَا صِلَابُ الرِّقَابِ وَتَنْدَكُّ بِعَظَمَتِهَا شَوَامِخُ الْجِبَالِ الصِّلَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إِنَّ اللَّهَ أَيِ: الَّذِي لَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40مَعَنَا أَيْ: بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ، وَهُوَ كَافٍ لِكُلِّ مُهِمٍّ، قَوِيٌّ عَلَى دَفْعِ مُلِمٍّ، فَالَّذِي تَوَلَّى نَصْرَهُ بِالْحِرَاسَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَأْمُرَ الْجُنُودَ الَّتِي أَيَّدَهُ بِهَا أَنْ تُهْلِكَ الْكُفَّارَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ أَوْ يَحْصُلَ لَكُمْ بِهِ أَجْرٌ، وَكَمَا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى هُوَ عَلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَكُلِّ زَمَانٍ، فَتَبَيَّنَ كَالشَّمْسِ أَنَّ النَّفْعَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِكُمْ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَا رَتَّبَ هَذَا كُلَّهُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ إِلَّا لِفَوْزِكُمْ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ التَّنْوِيهِ بِمِقْدَارِ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقِ وَتَقَدُّمِهِ وَسَابَقَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَعُلُوِّ
[ ص: 475 ] مَنْصِبِهِ وَفَخَامَةِ أَمْرِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ; قَالَ
أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ:
nindex.php?page=treesubj&link=31136مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَفَرَ لِإِنْكَارِهِ كَلَامَ اللَّهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِسَائِرِ الصَّحَابَةِ.
وَلَمَّا كَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَافِذَ الْبَصِيرَةِ فِي الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، رَاسِخَ الْقَدَمِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ لِذَلِكَ لَمْ يَتَلَعْثَمْ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فِي عِنَادِ جَمِيعِ الْعِبَادِ بِخَلْعِ الْأَنْدَادِ، ثُمَّ تَدَرَّبَ فِيهِ مُتَرَقِّيًا لِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ الَّذِي بِهِ مِنَ الْقَلَقِ إِنَّمَا هُوَ الْخَوْفُ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذًى فَيُدْرِكُهُ مِنَ الْحُزْنِ لِذَلِكَ مَا يُهْلِكُهُ قَبْلَ سُرُورِهِ بِظُهُورِ الدِّينِ وَقَمْعِ الْمُعْتَدِينَ، وَلَمْ يَكُنْ جُنْبًا وَلَا سُوءُ ظَنٍّ، لَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَقِيقًا لِحُصُولِ السَّكِينَةِ لَهُ عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِ الشَّرِيفِ الْأَعْظَمِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ الْمَقَامِ الْمُذَكِّرِ بِتِلْكَ الْعَظَمَةِ الَّتِي يَتَلَاشَى عِنْدَهَا كُلُّ عَظِيمٍ، وَيَتَصَاغَرُ فِي جَنْبِهَا كُلُّ كَبِيرٍ، وَلِذَلِكَ ذُكِرَ هَذَا الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَقُدِّمَ، وَأَشْرَكَ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقَ فِي الْمَعِيَّةِ وَبَدَأَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْحُزْنِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَمَا بَعْدَهُ عِلَّةٌ لَهُ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ إِلَّا مَا شَاهَدُوا مِنْ إِحْسَانِهِ تَعَالَى إِلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِظْهَارِ تِلْكَ الْآيَاتِ عَلَى يَدِهِ حَتَّى اسْتَنْقَذَهُمْ بِهَا مِمَّا كَانُوا فِيهِ، وَمَنَعَ
[ ص: 476 ] مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ وَحْدَتِهِ مِنْ سَطَوَاتِ
فِرْعَوْنَ عَلَى عَظَمَتِهِ وَمَا كَانَ يُوَاجِهُهُ بِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ، فَلَمَّا رَأَوْا جُمُوعَهُ مُقْبِلَةً كَانَ حَالُهُمْ مُقْتَضِيًا لِلسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ الْمُحْسِنِ بِإِظْهَارِ تِلْكَ الْآيَاتِ: هَلْ هُوَ مَعَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَيَمْنَعُهُمُ أَمْ لَا؟ فَلِذَلِكَ قَدْ إِنْكَارُ الْإِدْرَاكِ ثُمَّ إِثْبَاتُ الْمَعِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ بِهِ، وَعَبَّرَ عَنِ الْإِلَهِ بِاسْمِ الرَّبِّ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ الْإِحْسَانِ الْمُذَكَّرِ بِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=62كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي فَكَأَنْ قِيلَ: مَاذَا يَفْعَلُ وَالْبَحْرُ أَمَامَنَا وَالْعَدُوُّ وَرَاءَنَا؟ فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=62سَيَهْدِينِ أَيْ: إِلَى مَا أَفْعَلُ، يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ مُتَضَلِّعًا بِالسَّيْرِ وَقِصَصُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْتُهَا فِي الْأَعْرَافِ عَنِ التَّوْرَاةِ، مُسْتَحْضِرًا لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ فِي صُعُودِهِمَا إِلَى الْغَارِ يَذْكُرُ الرَّصَدَ فَيَتَقَدَّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَفْتَدِيَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ يَذْكُرُ الطَّلَبَ فَيَتَأَخَّرُ ثُمَّ يَذْكُرُ مَا عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَالِ فَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِمَا، وَيَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ قُتِلْتُ أَنَا فَأَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ قُتِلْتَ أَنْتَ هَلَكَتِ الْأُمَّةُ، وَأَنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَفَّلَ بِإِظْهَارِ الدِّينِ عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَضَمِّنِ لِحِرَاسَةِ نَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ كَانَ بِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنَ الْقَلَقِ مَا ذُكِرَ، وَكَانَ عِنْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ أَتَى بِالْفَاءِ الْمُعَقِّبَةِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40فَأَنْـزَلَ اللَّهُ أَيِ: الْمَلِكُ الْأَعْظَمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40سَكِينَتَهُ [ ص: 477 ] أَيِ: السُّكُونَ الْمُبَالَغَ فِيهِ الْمُؤَثِّرَ لِلنُّسُكِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40عَلَيْهِ أَيِ:
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقِ - كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِأَنَّ السَّكِينَةَ لَمْ تُفَارِقِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40نَصَرَهُ اللَّهُ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَأَيَّدَهُ أَيِ: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتِلَافُ الضَّمَائِرِ هُنَا لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَبَهٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا أَيْ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَجَعَلَ كَلِمَةَ أَيْ: دَعْوَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ: أَوْقَعُوا الْكُفْرَ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40السُّفْلَى فَخَيَّبَ سَعْيَهُمْ وَرَدَّ كَيْدَهُمْ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْإِخْبَارَ بِمَا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ أَصْلًا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَكَلِمَةُ اللَّهِ أَيِ: الَّذِي لَهُ الْإِحَاطَةُ الْكَامِلَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَنَصَبَهَا
يَعْقُوبُ عَطْفًا عَلَى مَا سَبَقَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40هِيَ الْعُلْيَا أَيْ: وَحْدَهَا، لَا يَكُونُ إِلَّا مَا يَشَاءَهُ دَائِمًا أَبَدًا، فَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40وَاللَّهُ أَيِ: الْمُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وَعِلْمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40عَزِيزٌ أَيْ: مُطْلَقًا يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40حَكِيمٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ شَيْءٌ مِنْ مُرَادِهِ لِمَا يَنْصَبُّ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ فِي مُقَاوَمَتِهَا فَلَا مَحِيصَ عَنْ نُفُوذِهَا.