[ ص: 500 ] ولما انتفى عن أموالهم النفع الأخروي الذي هو النفع، تسبب عن ذلك الزهد فيها الموجب لعدم الالتفات إليها وعدم اعتقاد أن فيها بركة ودلالة على خير، فقال - مبينا ما فيها من الفساد الذي يظن أنه صلاح:
nindex.php?page=treesubj&link=29723_30196_30550_30564_30614_32944_34310_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55فلا - بفاء السبب، فالسياق أبلغ من سياق الآتية بعد النهي عن الصلاة عليهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55تعجبك أموالهم أي: وإن أنفقوها في سبيلي وجهزوا بها الغزاة؛ فإن ذلك عن غير إخلاص منهم ولا حسن نية ولا جميل طوية، وإنما هو لما أذلهم من عزة الإسلام وأخافهم من سطوة الانتقام فهو من جملة العذاب، وعطف عليها الأولاد لمشاركتها لها في الملاذ والقوة والاستعمال في الجهاد، فقال مؤكدا للنفي بإعادة النافي:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55ولا أولادهم فكأنه قيل: فماذا يراد بإعطائهم ذلك؟ ولو منعوها وأعطيها المخلصون لكان قوة للدين، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55إنما يريد الله أي: يوقع الإرادة لهم بها الملك الذي له الإحاطة بجميع الحكمة كما أن له الإحاطة بتمام القدرة، وأبلغ في الحصر بإدخال اللام في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55ليعذبهم أي: لأجل أن يعذبهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55بها في الحياة أي: وإن كان يتراءى أنها لذيذة؛ لأن ذلك من شأن الحياة فإنما هي لهم موت في الحقيقة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55الدنيا أي: تارة بجمعها وتربيتها وتارة ببذلها كرها في سبيل الله أو في تزكيتها وتارة بغير ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55وتزهق أي: وإنما يريد بتمكينهم منا لأجل أن يخرج وقت الموت بغاية الصعوبة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55أنفسهم [ ص: 501 ] أي: بسببها
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55وهم أي: والحال أنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55كافرون أي: عريقون في الكفر، وهكذا كل من أراد استدراجه سبحانه فإنه في الغالب يكثر أموالهم وأولادهم لنحو هذا لأنهم إذ رأوا زيادتهم بها على بعض المخلصين ظنوا أن ذلك إنما هو لكرامتهم وحسن حالتهم فيستمرون عليها حتى يموتوا فهو سبحانه لم يرد بها منحتهم بل فتنتهم ومحنتهم، وأما الدين فإن القادر يقويه بغير ذلك فيكون أظهر لدليله وأوضح لسبيله; فالحاصل أنه ظهر لهم أنهم أكرموا بها وخفي عنهم أنها سبب لعذابهم في الحياة باتكالهم عليها، وفي الممات بصعوبته عليهم المشار إليه بالزهوق، وفي الآخرة بسبب موتهم على حال الكفر باستدراجهم بها، وأما المؤمن فلا يموت حتى يرى من الثواب ما يسليه عن كل شيء فيشتاق إلى لقاء الله وتخرج نفسه وهو في غاية المحبة لخروجها لأن البدن عائق له عما يرى.
[ ص: 500 ] وَلَمَّا انْتَفَى عَنْ أَمْوَالِهِمُ النَّفْعُ الْأُخْرَوِيُّ الَّذِي هُوَ النَّفْعُ، تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ الزُّهْدُ فِيهَا الْمُوجِبُ لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا وَعَدَمِ اعْتِقَادِ أَنَّ فِيهَا بَرَكَةً وَدَلَالَةً عَلَى خَيْرٍ، فَقَالَ - مُبَيِّنًا مَا فِيهَا مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي يُظُنُّ أَنَّهُ صَلَاحٌ:
nindex.php?page=treesubj&link=29723_30196_30550_30564_30614_32944_34310_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55فَلا - بِفَاءِ السَّبَبِ، فَالسِّيَاقُ أَبْلَغُ مِنْ سِيَاقِ الْآتِيَةِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ أَيْ: وَإِنْ أَنْفَقُوهَا فِي سَبِيلِي وَجَهَّزُوا بِهَا الْغُزَاةَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ إِخْلَاصٍ مِنْهُمْ وَلَا حُسْنِ نِيَّةٍ وَلَا جَمِيلِ طَوِيَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لَمَّا أَذَلَّهُمْ مِنْ عِزَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَخَافَهُمْ مِنْ سَطْوَةِ الِانْتِقَامِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَذَابِ، وَعَطَفَ عَلَيْهَا الْأَوْلَادَ لِمُشَارَكَتِهَا لَهَا فِي الْمَلَاذِّ وَالْقُوَّةِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ مُؤَكِّدًا لِلنَّفْيِ بِإِعَادَةِ النَّافِي:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55وَلا أَوْلادُهُمْ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا يُرَادُ بِإِعْطَائِهِمْ ذَلِكَ؟ وَلَوْ مَنَعُوهَا وَأُعْطِيَهَا الْمُخْلِصُونَ لَكَانَ قُوَّةً لِلدِّينِ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَيْ: يُوقِعُ الْإِرَادَةَ لَهُمْ بِهَا الْمَلِكُ الَّذِي لَهُ الْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْحِكْمَةِ كَمَا أَنَّ لَهُ الْإِحَاطَةَ بِتَمَامِ الْقُدْرَةِ، وَأَبْلَغَ فِي الْحَصْرِ بِإِدْخَالِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55لِيُعَذِّبَهُمْ أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55بِهَا فِي الْحَيَاةِ أَيْ: وَإِنْ كَانَ يَتَرَاءَى أَنَّهَا لَذِيذَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْحَيَاةِ فَإِنَّمَا هِيَ لَهُمْ مَوْتٌ فِي الْحَقِيقَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55الدُّنْيَا أَيْ: تَارَةً بِجَمْعِهَا وَتَرْبِيَتِهَا وَتَارَةً بِبَذْلِهَا كُرْهًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي تَزْكِيَتِهَا وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55وَتَزْهَقَ أَيْ: وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِتَمْكِينِهِمْ مِنَّا لِأَجْلِ أَنْ يَخْرُجَ وَقْتَ الْمَوْتِ بِغَايَةِ الصُّعُوبَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55أَنْفُسُهُمْ [ ص: 501 ] أَيْ: بِسَبَبِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55وَهُمْ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=55كَافِرُونَ أَيْ: عَرِيقُونَ فِي الْكُفْرِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ أَرَادَ اسْتِدْرَاجَهُ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ يُكْثِرُ أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ لِنَحْوِ هَذَا لِأَنَّهُمْ إِذْ رَأَوْا زِيَادَتَهُمْ بِهَا عَلَى بَعْضِ الْمُخْلِصِينَ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِكَرَامَتِهِمْ وَحُسْنِ حَالَتِهِمْ فَيَسْتَمِرُّونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَمُوتُوا فَهُوَ سُبْحَانُهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا مِنْحَتَهُمْ بَلْ فِتْنَتَهُمْ وَمِحْنَتَهُمْ، وَأَمَّا الدِّينُ فَإِنَّ الْقَادِرَ يُقَوِّيهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ أَظْهَرَ لِدَلِيلِهِ وَأَوْضَحَ لِسَبِيلِهِ; فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أُكْرِمُوا بِهَا وَخَفِيَ عَنْهُمْ أَنَّهَا سَبَبٌ لِعَذَابِهِمْ فِي الْحَيَاةِ بِاتِّكَالِهِمْ عَلَيْهَا، وَفِي الْمَمَاتِ بِصُعُوبَتِهِ عَلَيْهِمُ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِالزَّهُوقِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِسَبَبِ مَوْتِهِمْ عَلَى حَالِ الْكُفْرِ بِاسْتِدْرَاجِهِمْ بِهَا، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَرَى مِنَ الثَّوَابِ مَا يُسَلِّيهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَيَشْتَاقُ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ وَتَخْرُجُ نَفْسُهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْمَحَبَّةِ لِخُرُوجِهَا لِأَنَّ الْبَدَنَ عَائِقٌ لَهُ عَمَّا يَرَى.