الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون

                                                                                                                                                                                                                                      إليه لا إلى أحد سواه استقلالا أو اشتراكا مرجعكم أي: بالبعث كما ينبئ عنه قوله تعالى: جميعا فإنه حال من الضمير المجرور لكونه فاعلا في المعنى، أي: إليه رجوعكم مجتمعين، والجملة كالتعليل لوجوب العبادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعد الله مصدر مؤكد لنفسه؛ لأن قوله عز وجل: إليه مرجعكم وعد منه سبحانه بالبعث، أو لفعل مقدر، أي: وعد الله، وأيا ما كان فهو دليل على أن المراد بالمرجع هو الرجوع بالبعث؛ لأن ما بالموت بمعزل من الوعد، كما أنه بمعزل من الاجتماع، وقرئ بصيغة الفعل.

                                                                                                                                                                                                                                      حقا مصدر آخر مؤكد لما دل عليه الأول إنه يبدأ الخلق وقرئ (يبدئ) ثم يعيده وهو استئناف علل به وجوب المرجع إليه سبحانه وتعالى، فإن غاية البدء والإعادة هو جزاء المكلفين بأعمالهم حسنة أو سيئة، وقرئ بالفتح، أي: لأنه، ويجوز كونه منصوبا بما نصب (وعد الله) أي: وعد الله وعدا: بدء الخلق ثم إعادته، ومرفوعا بما نصب "حقا"، أي: حق حقا بدء الخلق... إلخ.

                                                                                                                                                                                                                                      ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط أي: بالعدل، وهو حال من فاعل يجزي، أي: ملتبسا بالعدل، أو متعلق بـ(يجزي )أي: ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم، وإنما أجمل ذلك إيذانا بأنه لا يفي به الحصر، أو بقسطهم وعدلهم عند إيمانهم ومباشرتهم للأعمال الصالحة، وهو الأنسب بقوله عز وجل: والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون فإن معناه: ويجزي الذين كفروا بسبب كفرهم، وتكرير الإسناد يجعل الجملة الظرفية خبرا للموصول لتقوية الحكم، والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة [ ص: 120 ] على مواظبتهم على الكفر، وتغيير النظم الكريم للإيذان بكمال استحقاقهم للعقاب، وأن التعذيب بمعزل عن الانتظام في سلك العلة الغائية للخلق بدءا وإعادة، وإنما يحيق ذلك بالكفرة على موجب سوء اختيارهم، وأما المقصود الأصلي من ذلك فهو الإثابة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية