(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=27قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ) . قال
أبو عبد الله الرازي : التعريف بهذا الأثر أظهر ، فلهذا عدل
موسى - عليه السلام - من الكلام الأول إليه ، إذ كان لا يمكن أن يعتقد العاقل في نفسه وفي آبائه كونهم واجبي الوجود لذواتهم ، لأن المشاهدة دلت على وجودهم بعد عدمهم ، وعدمهم بعد وجودهم ، فعند ذلك قال فرعون : ما قال يعني أن المقصود من سؤال ما طلبت الماهية وخصوصية الحقيقة . والتعريف بهذه الآثار الخارجية لا تفيد تلك الخصوصية ، فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون لا يفهم السؤال فضلا عن أن يجيب عنه ، فقال
موسى - عليه السلام - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ) فعدل إلى طريق أوضح من الثاني ، وذلك أنه أراد بالمشرق : طلوع الشمس وظهور النهار ، وأراد بالمغرب : غروب الشمس وزوال النهار .
وهذا التقدير المستمر على الوجه العجيب لا يتم إلا بتدبير مدبر ، وهذا بعينه طريقة
إبراهيم - عليه السلام - مع
نمروذ ، فإنه استدل أولا بالإحياء والإماتة ، وهو الذي ذكره
موسى - عليه السلام - هنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=26ربكم ورب آبائكم الأولين ) فأجابه
نمروذ بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258أنا أحيـي وأميت ) فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر ) وهو الذي ذكره
موسى - عليه السلام - هنا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ) أي إن كنتم من العقلاء ، عرفتم أن لا جواب عن السؤال إلا ما ذكرت . انتهى ، وفيه بعض تلخيص . وقال
ابن عطية : زاده
موسى - عليه السلام - في بيان الصفات التي تظهر نقص فرعون ، وتبين أنه في غاية البعد عن القدرة عليها ، وهي ربوبية المشرق والمغرب ، ولم يكن لفرعون إلا ملك
مصر من البحر إلى
أسوان وأرض الإسكندرية . وقرأ
مجاهد ،
وحميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج : أرسل إليكم ، على بناء الفاعل ، أي أرسله ربه إليكم . وقرأ
عبد الله ، وأصحابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : رب المشارق والمغارب ، على الجمع فيهما . ولما انقطع فرعون في باب الاحتجاج ، رجع إلى الاستعلاء والغلب ، وهذا أبين علامات الانقطاع ، فتوعد
موسى بالسجن حين أعياه خطابه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=29قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ) . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : لما
[ ص: 14 ] أجاب
موسى بما أجاب ، عجب قومه من جوابه ، حيث نسب الربوبية إلى غيره ، فلما ثنى بتقرير قوله ، جننه إلى قومه وظنن به ، حيث سماه رسولهم ، فلما ثلث احتد واحتدم ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=29لئن اتخذت إلها غيري ) .
( فإن قلت ) : كيف قال : أولا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=24إن كنتم موقنين ) وآخرا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28إن كنتم تعقلون ) ؟ ( قلت ) : لاين أولا ، فلما رأى شدة الشكيمة في العناد وقلة الإصغاء إلى عرض الحجج ، خاشن وعارض إن رسولكم لمجنون بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28إن كنتم تعقلون ) . ( فإن قلت ) : ألم يكن لأسجننك أخصر من (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=29لأجعلنك من المسجونين ) ومؤديا مؤداه ؟ ( قلت ) : أما أخصر فنعم ، وأما مؤديا مؤداه فلا ، لأن معناه : لأجعلنك واحدا ممن عرفت حالهم في سجوني . وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فردا ، لا يبصر فيها ولا يسمع ، فكان ذلك أشد من القتل . انتهى . ولما كان عند
موسى - عليه السلام - من أمر فرعون ما لا يروعه معه توعد فرعون ، قال له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=30أولو جئتك بشيء مبين ) أي يوضح لك صدقي ، أفكنت تسجنني ؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أولو جئتك ، واو الحال دخلت عليها همزة الاستفهام ، معناه : أتفعل بي ذلك ولو جئتك بشيء مبين ؟ انتهى . وتقدم لنا الكلام على هذه الواو ، والداخلة على لو في مثل هذا السياق في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) فأغنى عن إعادته . وقال
الحوفي : واو العطف دخلت عليها همزة الاستفهام للتقرير ، والمعنى : أتسجنني حتى في هذه الحالة التي لا تناسب أن أسجن وأنا متلبس بها ؟ .
ولما سمع
فرعون هذا من
موسى طمع أن يجد موضع معارضة فقال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=31فأت به إن كنت من الصادقين ) أن لك ربا بعثك رسولا إلينا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=31إن كنت من الصادقين ) دليل على أنه لا يأتي بالمعجزة إلا الصادق في دعواه ، لأن المعجزة تصديق من الله لمدعي النبوة ، والحكيم لا يصدق الكاذب . ومن العجب أن مثل فرعون لم يخف عليه مثل هذا ، وخفي على ناس من أهل القبلة ، حيث جوزوا القبيح على الله حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات . انتهى . وتقديره : إن كنت من الصادقين فأت به ، حذف الجزاء ، لأن الأمر بالإتيان يدل عليه . وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : إن كنت من الصادقين في دعواك أتيت به . جعل الجواب المحذوف فعلا ماضيا ، ولا يقدر إلا من جنس الدليل بقوله : أنت ظالم إن فعلت ، تقديره : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم . وقال
الحوفي : إن حرف شرط يجوز أن يكون ما تقدم جوابه ، وجاز تقديم الجواب ، لأن حذف الشرط لم يعمل في اللفظ شيئا . ويجوز أن يكون الجواب محذوفا تقديره فأت به . وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : حتى لزمهم تصديق الكاذبين بالمعجزات ، إشارة إلى إنكار الكرامات التي ذهب أهل السنة إلى إثباتها . والمعجز عندهم هو ما كان خارقا للعادة ، ولا يكون إلا لنبي أو في زمان نبي ، إن جرى على يد غيره فتكون معجزة لذلك النبي ، أو على سبيل الإرهاص لنبي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=32فألقى عصاه ) رماها من يده ، وتقدم الكلام على عصا
موسى - عليه السلام - . والثعبان : أعظم ما يكون من الحيات . ومعنى ( مبين ) ظاهر الثعبانية ، ليست من الأشياء التي تزور بالشعبذة والسحر . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=33ونزع يده ) من جيبه ، فإذا هي تلألأ كأنها قطعة من الشمس . ومعنى ( للناظرين ) أي بياضها يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة ، وكان بياضا نورانيا . روي أنه لما أبصر أمر العصا قال : فهل غيرها ؟ فأخرج يده ، فقال : ما هذه ؟ قال : يدك ، فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق .
[ ص: 15 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=34قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=35يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=36قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=37يأتوك بكل سحار عليم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=38فجمع السحرة لميقات يوم معلوم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=39وقيل للناس هل أنتم مجتمعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=40لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=41فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=42قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=43قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=44فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=45فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=46فألقي السحرة ساجدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=47قالوا آمنا برب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=48رب موسى وهارون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=51إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين ) .
قال
ابن عطية : وانتصب " حوله " على الظرف ، وهو في موضع الحال ، أي كائنين حوله ، فالعامل فيه محذوف ، والعامل فيه هو الحال حقيقة والناصب له ، قال : لأنه هو العامل في ذي الحال بواسطة لام الجر ، نحو : مررت بهند ضاحكة .
والكوفيون يجعلون الملأ موصولا ، فكأنه قيل : قال للذي حوله ، فلا موضع للعامل في الظرف ، لأنه وقع صلة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما العامل في حوله ؟ ( قلت ) : هو منصوب نصبين : نصب في اللفظ ، ونصب في المحل . فالعامل في النصب اللفظي ما يقدر في الظرف ، وذلك استقروا حوله ، وهذا يقدر في جميع الظروف ، والعامل في النصب المحلي ، وهو النصب على الحال . انتهى . وهو تكثير وشقشقة كلام في أمر واضح من أوائل علم العربية .
ولما رأى فرعون أمر العصا واليد ، وما ظهر فيهما من الآيات ، هاله ذلك ولم يكن له فيه مدفع ، فزع إلى رميه بالسحر . وطمع لغلبة علم السحر في ذلك الزمان أن يكون ثم من يقاومه ، أو كان علم صحة المعجزة . وعمى تلك الحجة على قومه ، برميه بالسحر ، وبأنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=35يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ) ليقوى تنفيرهم عنه ، وابتغاؤهم الغوائل له ، وأن لا يقبلوا قوله ؛ إذ من أصعب الأشياء على النفوس مفارقة الوطن الذي نشئوا فيه ، ثم استأمرهم فيما يفعل معه ، وذلك لما حل به من التحير والدهش وانحطاطه عن مرتبة ألوهيته إلى أن صار يستشيرهم في أمره ، فيأمرونه بما يظهر لهم فيه ، فصار مأمورا بعد أن كان آمرا . وتقدم الكلام في ( ماذا تأمرون ) وفي الألفاظ التي وافقت ما في سورة الأعراف ، فأغنى عن إعادته . ولما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=34إن هذا لساحر عليم ) عارضوا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=37بكل سحار ) فجاءوا بكلمة الاستغراق والبناء الذي للمبالغة ، لينفسوا عنه بعض ما لحقه من الكرب . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ،
وعاصم في رواية : " بكل ساحر " . واليوم المعلوم : يوم الزينة ، وتقدم الكلام عليه في سورة طه . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=39هل أنتم مجتمعون ) استبطاء لهم في الاجتماع ، والمراد منه استعجالهم ، كما يقول الرجل لغلامه : هل أنت منطلق ؟ إذا أراد أن يحرك منه ويحثه على الانطلاق ، كما يخيل إليه أن الناس قد انطلقوا وهو واقف ، ومنه قول
تأبط شرا :
هل أنت باعث دينارا لحاجتنا أو عبد رب أخا عون بن مخراق
يريد : ابعثه إلينا سريعا ولا تبطئ به . وترجوا اتباع السحرة ، أي في دينهم ، إن غلبوا
موسى - عليه السلام - ولا يتبعون
موسى في دينه . وساقوا الكلام سياق الكناية ، لأنهم إذا اتبعوهم لم يتبعوا
موسى - عليه السلام - . ودخلت إذا هنا بين اسم إن وخبرها ، وهي جواب وجزاء . وبعزة فرعون : الظاهر أن الباء للقسم ، والذي تتعلق به الباء محذوف ، وعدلوا عن الخطاب إلى اسم الغيبة تعظيما ، كما يقال للملوك : أمروا - رضي الله عنهم - بكذا ، فيخبر عنه إخبار الغائب ، وهذا من نوع إيمان الجاهلية . وقد سلك كثير من المسلمين في الإيمان ما هو أشنع من إيمان الجاهلية ، لا يرضون بالقسم بالله ، ولا يعتدون به حتى يحلف أحدهم بنعمة السلطان وبرأس المحلف ، فحينئذ يستوثق منه . وقال
ابن عطية : بعد أن ذكر أنه قسم قال : والأجر أن يكون على جهة التعظيم والتبرك باسمه ، إذ كانوا يعبدونه ؛ كما تقول إذا ابتدأت بعمل شيء
[ ص: 16 ] بسم الله ، وعلى بركة الله ، ونحو هذا . وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=43قال لهم موسى ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=42لمن المقربين ) كلام محذوف ، وهو ما ثبت في الأعراف من تخييرهم إياه في البداءة من يلقي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ( فإن قلت ) : فاعل الإلقاء ما هو لو صرح به ؟ ( قلت ) : هو الله - عز وجل - بما خولهم من التوفيق وإيمانهم ، أو بما عاينوا من المعجزة الباهرة ، ولك أن لا تقدر فاعلا ، لأن ألقوا بمعنى خروا وسقطوا . انتهى . وهذا القول الآخر ليس بشيء . لا يمكن أن يبنى الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله إلا وقد حذف الفاعل فناب ذلك عنه ، أما أنه لا يقدر فاعل ، فقول ذاهب عن الصواب . وقال
ابن عطية : قرأ
البزي ،
وابن فليح ، عن
ابن كثير : بشد التاء وفتح اللام وشد القاف ، ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن يحذف همزة الوصل ، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة ، كما لا تدخل على أسماء الفاعلين . انتهى . كأنه يخيل أنه لا يمكن الابتداء بالكلمة إلا باجتلاب همزة الوصل ، وليس ذلك بلازم كثيرا ما يكون الوصل مخالفا للوقف ، والوقف مخالفا للوصل ، ومن له تمرن في القرآت عرف ذلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50قالوا لا ضير ) أي لا ضرر علينا في وقوع ما وعدتنا به من قطع الأيدي والأرجل والتصليب ، بل لنا فيه المنفعة التامة بالصبر عليه . يقال : ضاره يضيره ضيرا ، وضاره يضوره ضورا . إنا إلى ربنا : أي إلى عظيم ثوابه ، أو : لا ضير علينا ، إذ انقلابنا إلى الله بسبب من أسباب الموت ، والقتل أهون أسبابه . وقال
أبو عبد الله الرازي : لما آمنوا بأجمعهم ، لم يأمن فرعون أن يقول قومه لم تؤمن السحرة على كثرتهم إلا عن معرفة بصحة أمر
موسى فيؤمنون ، فبالغ في التنفير من جهة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49آمنتم له قبل أن آذن لكم ) موهما أن مسارعتهم للإيمان دليل على ميلهم إليه قبل . وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49إنه لكبيركم ) صرح بما رمزه أولا من مواطأتهم وتقصيرهم ليظهر أمر كبيرهم ، وبقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49فلسوف تعلمون ) حيث أوعدهم وعيدا مطلقا ، وبتصريحه بما هددهم به من العذاب ، فأجابوا بأن ذلك إن وقع ، لن يضير ، وفي قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50إنا إلى ربنا منقلبون ) نكتة شريفة ، وهو أنهم آمنوا لا رغبة ولا رهبة ، إنما قصدوا محض الوصول إلى مرضات الله والاستغراق في أنوار معرفته . انتهى ملخصا . ويدفع هذا الأخير قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=51إنا نطمع ) إلى آخره ، ولا يكون ذلك إلا من خوف تبعات الخطايا . والظاهر بقاء الطمع على بابه كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=84ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) . وقيل : يحتمل اليقين . قيل : كقول
إبراهيم - عليه السلام - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع ) .
وقرأ الجمهور : ( أن كنا ) بفتح الهمزة ، وفيه الجزم بإيمانهم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11793أبان بن تغلب ،
وأبو معاذ : إن كنا ، بكسر الهمزة . قال صاحب اللوامح على الشرط : وجاز حذف الفاء من الجواب ، لأنه متقدم ، وتقديره : إن كنا أول المؤمنين فإنا نطمع ، وحسن الشرط ؛ لأنهم لم يتحققوا ما لهم عند الله من قبول الإيمان . انتهى . وهذا التخريج على مذهب
الكوفيين وأبي زيد nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد ، حيث يجيزون تقديم جواب الشرط عليه ، ومذهب جمهور
البصريين أن ذلك لا يجوز ، وجواب مثل هذا الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : هو من الشرط الذي يجيء به المدلول بأمره المتحقق لصحته ، وهم كانوا متحققين أنهم أول المؤمنين . ونظيره قول العامل لمن يؤخر جعله : إن كنت عملت فوفني حقي ، ومنه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ) مع علمه أنهم لم يخرجوا إلا لذلك . وقال
ابن عطية بمعنى : أن طمعهم إنما هو بهذا الشرط . انتهى . ويحتمل أن تكون " إن " هي المخففة من الثقيلة ، وجاز حذف اللام الفارقة لدلالة الكلام على أنهم مؤمنون ، فلا يحتمل النفي ، والتقدير : إن كنا لأول المؤمنين . وجاء في الحديث : " إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب العسل " ، أي ليحب . وقال الشاعر :
ونحن أباة الضيم من آل مالك وإن مالك كانت كرام المعادن
[ ص: 17 ] أي : وإن مالك لكانت كرام المعادن ، و " أول " يعني أول المؤمنين من القبط ، أو أول المؤمنين من حاضري ذلك المجمع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وكانوا أول جماعة مؤمنين من أهل زمانهم ، وهذا لا يصح لأن
بني إسرائيل كانوا مؤمنين قبل إيمان السحرة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=52وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=53فأرسل فرعون في المدائن حاشرين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=54إن هؤلاء لشرذمة قليلون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=55وإنهم لنا لغائظون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56وإنا لجميع حاذرون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=57فأخرجناهم من جنات وعيون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=58وكنوز ومقام كريم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=59كذلك وأورثناها بني إسرائيل nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=60فأتبعوهم مشرقين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=61فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=62قال كلا إن معي ربي سيهدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=64وأزلفنا ثم الآخرين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=66ثم أغرقنا الآخرين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=67إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=68وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) .
تقدم الخلاف في ( أسر ) وأنه قرئ بوصل الهمزة وبقطعها في سورة هود . وقرأ
اليماني : أن سر ، أمر من سار يسير . أمر الله
موسى - عليه السلام - أن يخرج
ببني إسرائيل ليلا من
مصر إلى تجاه البحر ، وأخبره أنهم سيتبعون . فخرج سحرا ، جاعلا طريق الشام
[ ص: 18 ] على يساره ، وتوجه نحو البحر ، فيقال له في ترك الطريق ، فيقول : هكذا أمرت . فلما أصبح ، علم فرعون بسرى
موسى ببني إسرائيل ، فخرج في أثرهم ، وبعث إلى مدائن
مصر ليلحقه العساكر . وذكروا أعدادا في أتباع فرعون وفي
بني إسرائيل ، الله أعلم بصحة ذلك . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=54إن هؤلاء لشرذمة ) أي قال إن هؤلاء وصفهم بالقلة ، ثم جمع القليل فجعل كل حزب قليلا ، جمع السلامة الذي هو للقلة ، وقد يجمع القليل على أقلة وقلل ، والظاهر تقليل العدد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة والقماءة ، ولا يريد قلة العدد ، والمعنى : أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غفلتهم ، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا ، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور ، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم يساره ، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن ، لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه . انتهى . قال
أبو حاتم : وقرأ من لا يؤخذ عنه : ( لشرذمة قليلون ) ، وليست هذه موقوفة . انتهى . يعني أن هذه القراءة ليست موقوفة على أحد رواها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=55لغائظون ) أي بخلافهم وأخذهم الأموال حين استعاروها ولم يردوها ، وخرجوا هاربين . وقرأ
الكوفيون ،
وابن ذكوان ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56حاذرون ) بالألف ، وهو الذي قد أخذ يحذر ويجدد حذره ، وحذر متعد . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9يحذر الآخرة ) . وقال
العباس بن مرداس :
وإني حاذر أنمي سلاحي إلى أوصال ذيال صنيع
وقرأ باقي السبعة : بغير ألف وهو المتيقظ . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : مؤدون ، أي ذوو أدوات وسلاح ، أي متسلحين . وقيل : حذرون في الحال ، وحاذرون في المآل . وقال
الفراء : الحاذر : الخائف ما يرى ، والحذر : المخلوق حذرا . وقال
أبو عبيدة : رجل حذر وحذر وحاذر بمعنى واحد . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة ، وأنه يعمل كما يعمل حاذر ، فينصب المفعول به ، وأنشد :
حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقدار
وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو . وعن
الفراء أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : رجل حذر ، إذا كان الحذر في خلقته ، فهو متيقظ منتبه . وقرأ
سميط بن عجلان ،
وابن أبي عمار ،
وابن السميفع : حادرون ، بالدال المهملة من قولهم : عين حدرة ، أي عظيمة ، والحادر : المتورم . قال
ابن عطية : فالمعنى ممتلئون غيظا وأنفة . وقال
ابن خالويه : الحادر : السمين القوي الشديد ، يقال غلام حدر بدر . وقال صاحب اللوامح : حدر الرجل : قوي بأسه ، يقال : منه رجل حدر بدر ، إذا كان شديد البأس في الحرب ، ويقال : رجل حدر ، بضم الدال للمبالغة ، مثل يقظ . وقال الشاعر :
أحب الصبي السوء من أجل أمه وأبغضه من بغضها وهو حادر
أي سمين قوي . وقيل : مدججون في السلاح . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=57فأخرجناهم ) الضمير عائد على القبط . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=57من جنات وعيون ) بحافتي النيل من أسوان إلى رشيد ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وغيره ، والجمهور : على أنها عيون الماء . وقال
ابن جبير : المراد عيون الذهب . ( وكنوز ) هي الأموال التي خربوها . قال
مجاهد : سماها كنوزا لأنه لم ينفق في طاعة الله قط . وقال
الضحاك : الكنوز : الأنهار . قال صاحب التحبير : وهذا فيه نظر ، لأن العيون تشملهما . وقيل : هي كنوز المقطم ومطالبه . قال
ابن عطية : هي باقية إلى اليوم . انتهى .
وأهل
مصر في زماننا في غاية الطلب لهذه الكنوز التي زعموا أنها مدفونة في المقطم ، فينفقون على
[ ص: 19 ] حفر هذه المواضع في المقطم الأموال الجزيلة ، ويبلغون في العمق إلى أقصى غاية ، ولا يظهر لهم إلا التراب أو حجر الكذان الذي المقطم مخلوق منه ، وأي مغربي يرد عليهم سألوه عن علم المطالب . فكثير منهم يضع في ذلك أوراقا ليأكلوا أموال المصريين بالباطل ، ولا يزال الرجل منهم يذهب ماله في ذلك حتى يفتقر ، وهو لا يزداد إلا طلبا لذلك حتى يموت . وقد أقمت بين ظهرانيهم إلى حين كتابة هذه الأسطر ، نحوا من خمسة وأربعين عاما ، فلم أعلم أن أحدا منهم حصل على شيء غير الفقر ؛ وكذلك رأيهم في تغوير الماء . يزعمون أن ثم آبارا ، وأنه يكتب أسماء في شقفة ، فتلقى في البئر ، فيغور الماء وينزل إلى باب في البئر ، يدخل منه إلى قاعة مملوءة ذهبا وفضة وجوهرا وياقوتا . فهم دائما يسألون من يرد من المغاربة عمن يحفظ تلك الأسماء التي تكتب في الشقفة ، فيأخذ شياطين المغاربة منهم مالا جزيلا ، ويستأكلونهم ، ولا يحصلون على شيء غير ذهاب أموالهم ، ولهم أشياء من نحو هذه الخرافات ، يركنون إليها ويقولون إليها ويقولون بها ، وإنما أطلت في هذا على سبيل التحذير لمن يعقل .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=58ومقام كريم ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة : هو الفيوم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
والضحاك : هو المنابر للخطباء . وقيل : الأسرة في الكلل . وقيل : مجالس الأمراء والأشراف والحكام . وقال
النقاش : المساكن الحسان . وقيل : مرابط الخيل ، حكاه
الماوردي . وقرأ
قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج : ومقام ، بضم الميم من أقام كذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يحتمل ثلاثة أوجه : النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه ، والجر على أنه وصف لمقام ، أي ومقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم ، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي الأمر كذلك . انتهى . فالوجه الأول لا يسوغ ، لأنه يئول إلى تشبيه الشيء بنفسه ، وكذلك الوجه الثاني ، لأن المقام الذي كان لهم هو المقام الكريم ، ولا يشبه الشيء بنفسه .
والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=59وأورثناها بني إسرائيل ) أنهم ملكوا ديار
مصر بعد غرق فرعون وقومه ، لأنه اعتقب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=59وأورثناها ) قوله : ( وأخرجناهم ) وقاله
الحسن ؛ قال : كما عبروا النهر ، رجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم . وقيل : ذهبوا إلى
الشام وملكوا
مصر زمن
سليمان . وقرأ الجمهور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=60فأتبعوهم ) أي فلحقوهم . وقرأ
الحسن ،
والذماري : فاتبعوهم ، بوصل الألف وشد التاء . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=60مشرقين ) داخلين في وقت الشروق ، من شرقت الشمس شروقا ، إذا طلعت ، كأصبح : دخل في وقت الصباح ، وأمسى : دخل في وقت المساء . وقال
أبو عبيدة : فاتبعوهم نحو الشرق ، كأنجد : إذا قصد نحو نجد . والظاهر أن مشرقين حال من الفاعل . وقيل : مشرقين : أي في ضياء ، وكان فرعون وقومه في ضباب وظلمة ، تحيروا فيها حتى جاوز
بنو إسرائيل البحر ، فعلى هذا يكون مشرقين حالا من المفعول .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=61فلما تراءى الجمعان : ( أي رأى أحدهما الآخر ) قال أصحاب
موسى nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=61إنا لمدركون أي : ملحقون ، قالوا ذلك حين رأوا العدو القوي وراءهم والبحر أمامهم ، وساءت ظنونهم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش :
وابن وثاب : تراي الجمعان ، بغير همز ، على مذهب التخفيف بين بين ، ولا يصح القلب لوقوع الهمزة بين ألفين ، إحداهما ألف تفاعل الزائدة بعد الفاء ، والثانية اللام المعتلة من الفعل . فلو خففت بالقلب لاجتمع ثلاث ألفات متسقة ، وذلك مما لا يكون أبدا ، قاله
أبو الفضل الرازي . وقال
ابن عطية : وقرأ
حمزة : تريء ، بكسر الراء ويمد ثم يهمز ؛ وروي مثله عن
عاصم ، وروي عنه أيضا مفتوحا ممدودا ، والجمهور يقرءونه مثل تراعى ، وهذا هو الصواب ، لأنه تفاعل . وقال
أبو حاتم : وقراءة
حمزة هذا الحرف محال ، وحمل عليه ، قال : وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش خطأ . انتهى . وقال الأستاذ
أبو جعفر أحمد ابن الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري ، هو
ابن الباذش ، في كتاب الإقناع من تأليفه : تراءى الجمعان في الشعراء إذا وقف عليها
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، أمالا الألف المنقلبة عن لام الفعل ،
[ ص: 20 ] وحمزة يميل ألف تفاعل وصلا ووقفا لإمالة الألف المنقلبة ؛ ففي قراءته إمالة الإمالة . وفي هذا الفعل ، وفي راءى ، إذا استقبله ألف وصل لمن أمال للإمالة ، حذف السبب وإبقاء المسبب ، كما قالوا : صعقي في النسب إلى الصعق . وقرأ الجمهور : لمدركون ، بإسكان الدال ؛ والأعرج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير : بفتح الدال مشددة وكسر الراء ، على وزن مفتعلون ، وهو لازم ، بمعنى الفناء والاضمحلال . يقال : منه ادرك الشيء بنفسه ، إذا فني تتابعا ، ولذلك كسرت الراء على هذه القراءة ؛ نص على كسرها
أبو الفضل الرازي في ( كتاب اللوامح ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري في ( كشافه ) وغيرهما . وقال
أبو الفضل الرازي : وقد يكون ادرك على افتعل بمعنى أفعل متعديا ، فلو كانت القراءة من ذلك ، لوجب فتح الراء ، ولم يبلغني ذلك عنهما ، يعني عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المعنى إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد ، ومنه بيت الحماسة :
أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجى الحياة أم من الموت أجزع
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=62قال كلا إن معي ربي سيهدين ) زجرهم وردعهم بحرف الردع وهو كلا ، والمعنى : لن يدركوكم لأن الله وعدكم بالنصر والخلاص منهم ، إن معي ربي سيهدين عن قريب إلى طريق النجاة ويعرفنيه . وقيل : سيكفيني أمرهم . ولما انتهى
موسى إلى البحر ، قال له مؤمن آل فرعون ، وكان بين يدي
موسى : أين أمرت ، وهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون ؟ قال : أمرت بالبحر ، ولا يدري
موسى ما يصنع . ورويت هذه المقالة عن يوشع ، قالها
لموسى - عليه السلام - فأوحى الله إليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63أن اضرب بعصاك البحر ) فخاض يوشع الماء . وضرب
موسى بعصاه ، فصار فيه اثنا عشر طريقا ، لكل سبط طريق . أراد - تعالى - أن يجعل هذه الآية متصلة
بموسى ومتعلقة بفعل فعله ، ولكنه بقدرة الله ، إذ ضرب البحر بالعصا لا يوجب انفلاق البحر بذاته ، ولو شاء - تعالى - لفلقه دون ضربه بالعصا ، وتقدم الخلاف في مكان هذا البحر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63فانفلق ) ثم محذوف تقديره : فضرب فانفلق . وزعم
ابن عصفور في مثل هذا التركيب أن المحذوف هو ضرب ، وفاء انفلق . والفاء في انفلق هي فاء ضرب ، فأبقي من كل ما يدل على المحذوف ، أبقيت الفاء من فضرب واتصلت بانفلق ، ليدل على ضرب المحذوفة ، وأبقي انفلق ليدل على الفاء المحذوفة منه . وهذا قول شبيه بقول صاحب البرسام ، ويحتاج إلى وحي يسفر عن هذا القول . وإذا نظرت القرآن وجدت جملا كثيرة محذوفة ، وفيها الفاء نحو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45فأرسلون nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يوسف أيها الصديق ) أي فأرسلوه ، فقال يوسف أيها الصديق ، والفرق الجزء المفصل . والطود : الجبل العظيم المنطاد في السماء . وحكى يعقوب عن بعض القراء ، أنه قرأ كل فلق باللام عوض الراء .
( وأزلفنا ) أي قربنا ( ثم ) أي هناك ، وثم ظرف مكان للبعد . ( الآخرين ) أي قوم فرعون ، أي قربناهم ، ولم يذكر من قربوا منه ، فاحتمل أن يكون المعنى : قربناهم حيث انفلق البحر من
بني إسرائيل ، أو قربنا بعضهم من بعض حتى لا ينجو أحد ، أو قربناهم من البحر . وقرأ
الحسن ،
وأبو حيوة : وزلفنا بغير ألف . وقرأ
أبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وعبد الله بن الحارث : وأزلقنا بالقاف عوض الفاء ، أي أزللنا ، قاله صاحب اللوامح . قيل : من قرأ بالقاف صار " الآخرين " فرعون وقومه ، ومن قرأ بالعامة يعني بالقراءة العامة ، فالآخرون هم
موسى وأصحابه ، أي جمعنا شملهم وقربناهم بالنجاة . انتهى ، وفي الكلام حذف تقديره : ودخل
موسى وبنو إسرائيل البحر وأنجينا . قيل : دخلوا البحر بالطول ، وخرجوا في الضفة التي دخلوا منها بعد مسافة ، وكان بين موضع الدخول وموضع الخروج أوعار وجبال لا تسلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=67إن في ذلك لآية ) أي لعلامة واضحة عاينها الناس وشاع أمرها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=67وما كان أكثرهم مؤمنين ) أي ما تنبه أكثرهم عليها ولا آمنوا .
[ ص: 21 ] وبنو إسرائيل ، الذين كانوا أصحاب
موسى المخصوصين بالإنجاء ، قد سألوه بقرة يعبدونها ، واتخذوا العجل ، وطلبوا رؤية الله جهرة . انتهى . والذي يظهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=67وما كان أكثرهم مؤمنين ) أي أكثر قوم فرعون ، وهم القبط ، إذ قد آمن السحرة ، وآمنت
آسية امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، وعجوز اسمها
مريم ، دلت
موسى على قبر
يوسف - عليه السلام - واستخرجوه وحملوه معهم حين خرجوا من مصر .
[ ص: 22 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=69واتل عليهم نبأ إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قال هل يسمعونكم إذ تدعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أو ينفعونكم أو يضرون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أنتم وآباؤكم الأقدمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي إلا رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الذي خلقني فهو يهدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79والذي هو يطعمني ويسقين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=80وإذا مرضت فهو يشفين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=81والذي يميتني ثم يحيين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84واجعل لي لسان صدق في الآخرين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=85واجعلني من ورثة جنة النعيم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86واغفر لأبي إنه كان من الضالين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87ولا تخزني يوم يبعثون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88يوم لا ينفع مال ولا بنون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89إلا من أتى الله بقلب سليم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=90وأزلفت الجنة للمتقين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=91وبرزت الجحيم للغاوين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=92وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=93من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=94فكبكبوا فيها هم والغاوون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=95وجنود إبليس أجمعون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=96قالوا وهم فيها يختصمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97تالله إن كنا لفي ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إذ نسويكم برب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=99وما أضلنا إلا المجرمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=100فما لنا من شافعين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=101ولا صديق حميم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=102فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=103إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=104وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) .
لما كانت العرب لها خصوصية
بإبراهيم - عليه السلام - أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتلو عليهم قصصه ، وما جرى له مع قومه . ولم يأت في قصة من قصص هذه السورة أمره - عليه السلام - بتلاوة قصة إلا في هذه ، وإذ العامل فيه . قال
الحوفي : اتل ، ولا يتصور ما قال إلا بإخراجه عن الظرفية وجعله بدلا من " نبأ " ، واعتقاد أن العامل في البدل والمبدل منه واحد . وقال أبو البقاء : العامل في إذ " نبأ " . والظاهر أن الضمير في ( وقومه ) عائد على
إبراهيم . وقيل : على أبيه ، أي وقوم أبيه ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74إني أراك وقومك في ضلال مبين ) . وما : استفهام بمعنى التحقير والتقرير . وقد كان
إبراهيم - عليه السلام - يعلم أنهم عبدة أصنام ، ولكن سألهم ليريهم أن ما كانوا يعبدونه ليس مستحقا للعبادة ، لما ترتب على جوابهم من أوصاف معبوداتهم التي هي منافية للعبادة . ولما سألهم عن الذي يعبدونه ، ولم يقتصروا على ذكره فقط ، بل أجابوا بالفعل ومتعلقه وما عطف عليه من تمام صفتهم مع معبودهم ، فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71نعبد أصناما فنظل لها عاكفين )
[ ص: 23 ] على سبيل الابتهاج والافتخار ، فأتوا بقصتهم معهم كاملة ، ولم يقتصروا على أن يجيبوا بقولهم : أصناما ، كما جاء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=30ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) ولذلك عطفوا على ذلك الفعل قولهم : ( فنظل ) . قال : كما تقول لرئيس : ما تلبس ؟ فقال : ألبس مطرف الخز فأجر ذيوله ، يريد الجواب : وحاله مع ملبوسه . وقالوا : فنظل ، لأنهم كانوا يعبدونهم بالنهار دون الليل . ولما أجابوا
إبراهيم ، أخذ يوقفهم على قلة عقولهم ، باستفهامه عن أوصاف مسلوبة عنهم لا يكون ثبوتها إلا لله - تعالى .
وقرأ الجمهور : ( يسمعونكم ) من سمع ؛ وسمع إن دخلت على مسموع تعدت إلى واحد ، نحو : سمعت كلام زيد ، وإن دخلت على غير مسموع ، فذهب
الفارسي أنها تتعدى إلى اثنين ، وشرط الثاني منهما أن يكون مما يسمع ، نحو : سمعت زيدا يقرأ والصحيح أنها تتعدى إلى واحد ، وذلك الفعل في موضع الحال ، والترجيح بين المذهبين مذكور في النحو . وهنا لم تدخل إلا على واحد ، ولكنه ليس بمسموع ، فتأولوه على حذف مضاف تقديره : هل يسمعونكم ، تدعون ؟ وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72هل يسمعونكم ) بمعنى : يجيبونكم . وقرأ
قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344ويحيـى بن يعمر : بضم الياء وكسر الميم من أسمع ، والمفعول الثاني محذوف تقديره : الجواب ، أو الكلام . وإذ : ظرف لما مضى ، فإما أن يتجاوز فيه فيكون بمعنى إذا ، وإما أن يتجاوز في المضارع فيكون قد وقع موقع الماضي ، فيكون التقدير : هل سمعوكم إذ دعوتم ؟ وقد ذكر أصحابنا أن من قرائن صرف المضارع إلى الماضي إضافة إذ إلى جملة مصدرة بالمضارع ، ومثلوا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ) أي وإذ قلت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وجاء مضارعا مع إيقاعه في إذ على حكاية الحال الماضية التي كنتم تدعونها فيها ، وقولوا : هل سمعوا ، أو أسمعوا قط ؟ وهذا أبلغ في التبكيت . انتهى . وقرئ : بإظهار ذال إذ وبإدغامها في تاء تدعون . قال
ابن عطية : ويجوز فيه قياس مذكر ، ولم يقرأ به أحد ؛ والقياس أن يكون اللفظ به ، إذ تدعون . فالذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية في الفعل ، فكثرة المتماثلات . انتهى . وهذا الذي ذكر أنه يجوز فيه قياس مذكر لا يجوز ، لأن ذلك الإبدال - وهو إبدال التاء دالا - لا يكون إلا في افتعل ، مما فاؤه ذال أو زاي أو دال ، نحو : اذدكر ، وازدجر ، وادهن ، أصله : اذتكر ، وازتجر ، وادتهن ؛ أو جيم شذوذا ، قالوا : اجدمع في اجتمع ، ومن تاء الضمير بعد الزاي والدال ، ومثلوا بتاء الضمير للمتكلم فقالوا في فزت : فزد ، وفي جلدت : جلد ، ومن تاء تولج شذوذا قالوا : دولج ، وتاء المضارعة ليست شيئا مما ذكرنا ، فلا تبدل تاؤه . وقول
ابن عطية : والذي منع من هذا اللفظ إلى آخره ، يدل على أنه لولا ذلك لجاز إبدال تاء المضارعة دالا وإدغام الذال فيها ، فكنت تقول : اذتخرج : ادخرج ، وذلك لا يقوله أحد ، بل إذا أدغم مثل هذا أبدل من الذال تاء وأدغم في التاء ، فتقول : اتخرج .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=27قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ) . قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : التَّعْرِيفُ بِهَذَا الْأَثَرِ أَظْهَرُ ، فَلِهَذَا عَدَلَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ إِلَيْهِ ، إِذْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْعَاقِلُ فِي نَفْسِهِ وَفِي آبَائِهِ كَوْنَهُمْ وَاجِبِي الْوُجُودِ لِذَوَاتِهِمْ ، لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ دَلَّتْ عَلَى وُجُودِهِمْ بَعْدَ عَدَمِهِمْ ، وَعَدَمِهِمْ بَعْدَ وُجُودِهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ فِرْعَوْنُ : مَا قَالَ يَعْنِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سُؤَالِ مَا طَلَبْتَ الْمَاهِيَّةُ وَخُصُوصِيَّةُ الْحَقِيقَةِ . وَالتَّعْرِيفُ بِهَذِهِ الْآثَارِ الْخَارِجِيَّةِ لَا تُفِيدُ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةَ ، فَهَذَا الَّذِي يَدَّعِي الرِّسَالَةَ مَجْنُونٌ لَا يَفْهَمُ السُّؤَالَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ ، فَقَالَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) فَعَدَلَ إِلَى طَرِيقٍ أَوْضَحَ مِنَ الثَّانِي ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَشْرِقِ : طُلُوعَ الشَّمْسِ وَظُهُورَ النَّهَارِ ، وَأَرَادَ بِالْمَغْرِبِ : غُرُوبَ الشَّمْسِ وَزَوَالَ النَّهَارِ .
وَهَذَا التَّقْدِيرُ الْمُسْتَمِرُّ عَلَى الْوَجْهِ الْعَجِيبِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِتَدْبِيرِ مُدَبِّرٍ ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ طَرِيقَةُ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ
نُمْرُوذَ ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ أَوَّلًا بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=26رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ) فَأَجَابَهُ
نُمْرُوذُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ ) فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُنَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) أَيْ إِنْ كُنْتُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ ، عَرَفْتُمْ أَنْ لَا جَوَابَ عَنِ السُّؤَالِ إِلَّا مَا ذَكَرْتُ . انْتَهَى ، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : زَادَهُ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي بَيَانِ الصِّفَاتِ الَّتِي تُظْهِرُ نَقْصَ فِرْعَوْنَ ، وَتُبَيِّنُ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ، وَهِيَ رُبُوبِيَّةُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِفِرْعَوْنَ إِلَّا مُلْكُ
مِصْرَ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى
أَسْوَانَ وَأَرْضُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ . وَقَرَأَ
مُجَاهِدٌ ،
وَحُمَيْدٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ : أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ، عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ ، أَيْ أَرْسَلَهُ رَبُّهُ إِلَيْكُمْ . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ ، وَأَصْحَابُهُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ : رَبُّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ ، عَلَى الْجَمْعِ فِيهِمَا . وَلَمَّا انْقَطَعَ فِرْعَوْنُ فِي بَابِ الِاحْتِجَاجِ ، رَجَعَ إِلَى الِاسْتِعْلَاءِ وَالْغَلَبِ ، وَهَذَا أَبْيَنُ عَلَامَاتِ الِانْقِطَاعِ ، فَتَوَعَّدَ
مُوسَى بِالسِّجْنِ حِينَ أَعْيَاهُ خِطَابُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=29قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ) . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : لَمَّا
[ ص: 14 ] أَجَابَ
مُوسَى بِمَا أَجَابَ ، عَجِبَ قَوْمُهُ مِنْ جَوَابِهِ ، حَيْثُ نَسَبَ الرُّبُوبِيَّةَ إِلَى غَيْرِهِ ، فَلَمَّا ثَنَّى بِتَقْرِيرِ قَوْلِهِ ، جَنَّنَّهُ إِلَى قَوْمِهِ وَظَنَنَّ بِهِ ، حَيْثُ سَمَّاهُ رَسُولَهُمْ ، فَلَمَّا ثَلَّثَ احْتَدَّ وَاحْتَدَمَ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=29لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي ) .
( فَإِنْ قُلْتَ ) : كَيْفَ قَالَ : أَوَّلًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=24إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ) وَآخِرًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) ؟ ( قُلْتُ ) : لَايَنَ أَوَّلًا ، فَلَمَّا رَأَى شِدَّةَ الشَّكِيمَةِ فِي الْعِنَادِ وَقِلَّةِ الْإِصْغَاءِ إِلَى عَرْضِ الْحُجَجِ ، خَاشَنَ وَعَارَضَ إِنَّ رَسُولَكُمْ لَمَجْنُونٌ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=28إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) . ( فَإِنْ قُلْتَ ) : أَلَمْ يَكُنْ لَأَسْجُنَنَّكَ أَخْصَرَ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=29لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ) وَمُؤَدِّيًا مُؤَدَّاهُ ؟ ( قُلْتُ ) : أَمَّا أَخْصَرُ فَنَعَمْ ، وَأَمَّا مُؤَدِّيًا مُؤَدَّاهُ فَلَا ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ : لَأَجْعَلَنَّكَ وَاحِدًا مِمَّنْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ فِي سُجُونِي . وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ يُرِيدُ سَجْنَهُ فَيَطْرَحَهُ فِي هُوَّةٍ ذَاهِبَةٍ فِي الْأَرْضِ بَعِيدَةِ الْعُمْقِ فَرْدًا ، لَا يُبْصِرُ فِيهَا وَلَا يَسْمَعُ ، فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ مِنَ الْقَتْلِ . انْتَهَى . وَلَمَّا كَانَ عِنْدَ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَمْرِ فِرْعَوْنَ مَا لَا يَرُوعُهُ مَعَهُ تَوَعُّدُ فِرْعَوْنَ ، قَالَ لَهُ عَلَى جِهَةِ اللُّطْفِ بِهِ وَالطَّمَعِ فِي إِيمَانِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=30أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ) أَيْ يُوَضِّحُ لَكَ صِدْقِي ، أَفَكُنْتَ تَسْجُنُنِي ؟ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَوَلَوْ جِئْتُكَ ، وَاوُ الْحَالِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ ، مَعْنَاهُ : أَتَفْعَلُ بِي ذَلِكَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ؟ انْتَهَى . وَتَقَدَّمَ لَنَا الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْوَاوِ ، وَالدَّاخِلَةُ عَلَى لَوْ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : وَاوُ الْعَطْفِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لِلتَّقْرِيرِ ، وَالْمَعْنَى : أَتَسْجُنُنِي حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ أَنْ أُسْجَنَ وَأَنَا مُتَلَبِّسٌ بِهَا ؟ .
وَلَمَّا سَمِعَ
فِرْعَوْنُ هَذَا مِنْ
مُوسَى طَمِعَ أَنْ يَجِدَ مَوْضِعَ مُعَارِضَةٍ فَقَالَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=31فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) أَنَّ لَكَ رَبًّا بَعَثَكَ رَسُولًا إِلَيْنَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=31إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالْمُعْجِزَةِ إِلَّا الصَّادِقُ فِي دَعْوَاهُ ، لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ تَصْدِيقٌ مِنَ اللَّهِ لِمُدَّعِي النُّبُوَّةِ ، وَالْحَكِيمُ لَا يُصَدِّقُ الْكَاذِبَ . وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ مِثْلَ فِرْعَوْنَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا ، وَخَفِيَ عَلَى نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ، حَيْثُ جَوَّزُوا الْقَبِيحَ عَلَى اللَّهِ حَتَّى لَزِمَهُمْ تَصْدِيقُ الْكَاذِبِينَ بِالْمُعْجِزَاتِ . انْتَهَى . وَتَقْدِيرُهُ : إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأْتِ بِهِ ، حُذِفَ الْجَزَاءُ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِتْيَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ . وَقَدَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِي دَعْوَاكَ أَتَيْتَ بِهِ . جَعَلَ الْجَوَابَ الْمَحْذُوفَ فِعْلًا مَاضِيًا ، وَلَا يُقَدَّرُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الدَّلِيلِ بِقَوْلِهِ : أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ ، تَقْدِيرُهُ : أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ فَأَنْتَ ظَالِمٌ . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : إِنْ حَرْفُ شَرْطٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا تَقَدَّمَ جَوَابُهُ ، وَجَازَ تَقْدِيمُ الْجَوَابِ ، لِأَنَّ حَذْفَ الشَّرْطِ لَمْ يَعْمَلْ فِي اللَّفْظِ شَيْئًا . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ فَأْتِ بِهِ . وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ : حَتَّى لَزِمَهُمْ تَصْدِيقُ الْكَاذِبِينَ بِالْمُعْجِزَاتِ ، إِشَارَةٌ إِلَى إِنْكَارِ الْكَرَامَاتِ الَّتِي ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ إِلَى إِثْبَاتِهَا . وَالْمُعْجِزُ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا كَانَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا لِنَبِيٍّ أَوْ فِي زَمَانِ نَبِيٍّ ، إِنْ جَرَى عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَتَكُونُ مُعْجِزَةً لِذَلِكَ النَّبِيِّ ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْهَاصِ لِنَبِيٍّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=32فَأَلْقَى عَصَاهُ ) رَمَاهَا مِنْ يَدِهِ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَصَا
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - . وَالثُّعْبَانُ : أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَيَّاتِ . وَمَعْنَى ( مُبِينٌ ) ظَاهِرُ الثُّعْبَانِيَّةِ ، لَيْسَتْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُزَوَّرُ بِالشَّعْبَذَةِ وَالسِّحْرِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=33وَنَزَعَ يَدَهُ ) مِنْ جَيْبِهِ ، فَإِذَا هِيَ تَلَأْلَأُ كَأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الشَّمْسِ . وَمَعْنَى ( لِلنَّاظِرِينَ ) أَيْ بَيَاضُهَا يَجْتَمِعُ النَّظَّارَةُ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْعَادَةِ ، وَكَانَ بَيَاضًا نُورَانِيًّا . رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَبْصَرَ أَمْرَ الْعَصَا قَالَ : فَهَلْ غَيْرُهَا ؟ فَأَخْرَجَ يَدَهُ ، فَقَالَ : مَا هَذِهِ ؟ قَالَ : يَدُكَ ، فَأَدْخَلَهَا فِي إِبِطِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا وَلَهَا شُعَاعٌ يَكَادُ يُغْشِي الْأَبْصَارَ وَيَسُدُّ الْأُفُقَ .
[ ص: 15 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=34قَالَ لِلْمَلَأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=35يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=36قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=37يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=38فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=39وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=40لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=41فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=42قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=43قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=44فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=45فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=46فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=47قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=48رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=51إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ) .
قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَانْتَصَبَ " حَوْلَهُ " عَلَى الظَّرْفِ ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَيْ كَائِنِينَ حَوْلَهُ ، فَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ ، وَالْعَامِلُ فِيهِ هُوَ الْحَالُ حَقِيقَةً وَالنَّاصِبُ لَهُ ، قَالَ : لِأَنَّهُ هُوَ الْعَامِلُ فِي ذِي الْحَالِ بِوَاسِطَةِ لَامِ الْجَرِّ ، نَحْوُ : مَرَرْتُ بِهِنْدٍ ضَاحِكَةً .
وَالْكُوفِيُّونَ يَجْعَلُونَ الْمَلَأَ مَوْصُولًا ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : قَالَ لِلَّذِي حَوْلَهُ ، فَلَا مَوْضِعَ لِلْعَامِلِ فِي الظَّرْفِ ، لِأَنَّهُ وَقَعَ صِلَةً . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : مَا الْعَامِلُ فِي حَوْلَهُ ؟ ( قُلْتُ ) : هُوَ مَنْصُوبٌ نَصْبَيْنِ : نَصْبٌ فِي اللَّفْظِ ، وَنَصْبٌ فِي الْمَحَلِّ . فَالْعَامِلُ فِي النَّصْبِ اللَّفْظِيِّ مَا يُقَدَّرُ فِي الظَّرْفِ ، وَذَلِكَ اسْتَقَرُّوا حَوْلَهُ ، وَهَذَا يُقَدَّرُ فِي جَمِيعِ الظُّرُوفِ ، وَالْعَامِلُ فِي النَّصْبِ الْمَحَلِّيِّ ، وَهُوَ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ . انْتَهَى . وَهُوَ تَكْثِيرٌ وَشَقْشَقَةُ كَلَامٍ فِي أَمْرٍ وَاضِحٍ مِنْ أَوَائِلِ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ .
وَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ أَمْرَ الْعَصَا وَالْيَدِ ، وَمَا ظَهَرَ فِيهِمَا مِنَ الْآيَاتِ ، هَالَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مَدْفَعٌ ، فَزِعَ إِلَى رَمْيِهِ بِالسِّحْرِ . وَطَمِعَ لِغَلَبَةِ عِلْمِ السِّحْرِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يُقَاوِمُهُ ، أَوْ كَانَ عَلِمَ صِحَّةَ الْمُعْجِزَةِ . وَعَمَّى تِلْكَ الْحُجَّةَ عَلَى قَوْمِهِ ، بِرَمْيِهِ بِالسِّحْرِ ، وَبِأَنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=35يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ) لِيَقْوَى تَنْفِيرُهُمْ عَنْهُ ، وَابْتِغَاؤُهُمُ الْغَوَائِلَ لَهُ ، وَأَنْ لَا يَقْبَلُوا قَوْلَهُ ؛ إِذْ مِنْ أَصْعَبِ الْأَشْيَاءِ عَلَى النُّفُوسِ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّذِي نَشَئُوا فِيهِ ، ثُمَّ اسْتَأْمَرَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُ مَعَهُ ، وَذَلِكَ لِمَا حَلَّ بِهِ مِنَ التَّحَيُّرِ وَالدَّهَشِ وَانْحِطَاطِهِ عَنْ مَرْتَبَةِ أُلُوهِيَّتِهِ إِلَى أَنْ صَارَ يَسْتَشِيرُهُمْ فِي أَمْرِهِ ، فَيَأْمُرُونَهُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ فِيهِ ، فَصَارَ مَأْمُورًا بَعْدَ أَنْ كَانَ آمِرًا . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ( مَاذَا تَأْمُرُونَ ) وَفِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي وَافَقَتْ مَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ . وَلَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=34إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) عَارَضُوا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=37بِكُلِّ سَحَّارٍ ) فَجَاءُوا بِكَلِمَةِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْبِنَاءِ الَّذِي لِلْمُبَالَغَةِ ، لِيُنَفِّسُوا عَنْهُ بَعْضَ مَا لَحِقَهُ مِنَ الْكَرْبِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ ،
وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ : " بِكُلِّ سَاحِرٍ " . وَالْيَوْمُ الْمَعْلُومُ : يَوْمُ الزِّينَةِ ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ طه . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=39هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ) اسْتِبْطَاءٌ لَهُمْ فِي الِاجْتِمَاعِ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِعْجَالُهُمْ ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِغُلَامِهِ : هَلْ أَنْتَ مُنْطَلِقٌ ؟ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَرِّكَ مِنْهُ وَيَحُثَّهُ عَلَى الِانْطِلَاقِ ، كَمَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْطَلَقُوا وَهُوَ وَاقِفٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
تَأَبَّطَ شَرًّا :
هَلْ أَنْتَ بَاعِثٌ دِينَارًا لِحَاجَتِنَا أَوْ عَبْدَ رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بْنِ مِخْرَاقِ
يُرِيدُ : ابْعَثْهُ إِلَيْنَا سَرِيعًا وَلَا تُبْطِئُ بِهِ . وَتَرَجَّوُا اتِّبَاعَ السَّحَرَةِ ، أَيْ فِي دِينِهِمْ ، إِنْ غَلَبُوا
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَتَّبِعُونَ
مُوسَى فِي دِينِهِ . وَسَاقُوا الْكَلَامَ سِيَاقَ الْكِنَايَةِ ، لِأَنَّهُمْ إِذَا اتَّبَعُوهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوا
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - . وَدَخَلَتْ إِذَا هُنَا بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا ، وَهِيَ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ . وَبِعَزَّةِ فِرْعَوْنَ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ لِلْقَسَمِ ، وَالَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَاءُ مَحْذُوفٌ ، وَعَدَلُوا عَنِ الْخِطَابِ إِلَى اسْمِ الْغَيْبَةِ تَعْظِيمًا ، كَمَا يُقَالُ لِلْمُلُوكِ : أَمَرُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِكَذَا ، فَيُخْبِرُ عَنْهُ إِخْبَارَ الْغَائِبِ ، وَهَذَا مِنْ نَوْعِ إِيمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ . وَقَدْ سَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْإِيمَانِ مَا هُوَ أَشْنَعُ مِنْ إِيمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ ، لَا يَرْضَوْنَ بِالْقَسَمِ بِاللَّهِ ، وَلَا يَعْتَدُّونَ بِهِ حَتَّى يَحْلِفَ أَحَدُهُمْ بِنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَبِرَأْسِ الْمُحَلِّفِ ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَوْثَقُ مِنْهُ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ قَسَمٌ قَالَ : وَالْأَجْرُ أَنْ يَكُونَ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبَرُّكِ بِاسْمِهِ ، إِذْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ ؛ كَمَا تَقُولُ إِذَا ابْتَدَأْتَ بِعَمَلِ شَيْءٍ
[ ص: 16 ] بِسْمِ اللَّهِ ، وَعَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ ، وَنَحْوَ هَذَا . وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=43قَالَ لَهُمْ مُوسَى ) وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=42لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) كَلَامٌ مَحْذُوفٌ ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الْأَعْرَافِ مِنْ تَخْيِيرِهِمْ إِيَّاهُ فِي الْبَدَاءَةِ مَنْ يُلْقِي . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : ( فَإِنْ قُلْتَ ) : فَاعِلُ الْإِلْقَاءِ مَا هُوَ لَوْ صَرَّحَ بِهِ ؟ ( قُلْتُ ) : هُوَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِمَا خَوَّلَهُمْ مِنَ التَّوْفِيقِ وَإِيمَانِهِمْ ، أَوْ بِمَا عَايَنُوا مِنَ الْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَةِ ، وَلَكَ أَنْ لَا تُقَدِّرَ فَاعِلًا ، لِأَنَّ أَلْقَوْا بِمَعْنَى خَرُّوا وَسَقَطُوا . انْتَهَى . وَهَذَا الْقَوْلُ الْآخَرُ لَيْسَ بِشَيْءٍ . لَا يُمْكِنُ أَنْ يُبْنَى الْفِعْلُ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ إِلَّا وَقَدْ حُذِفَ الْفَاعِلُ فَنَابَ ذَلِكَ عَنْهُ ، أَمَّا أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ فَاعِلٌ ، فَقَوْلٌ ذَاهِبٌ عَنِ الصَّوَابِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : قَرَأَ
الْبَزِّيُّ ،
وَابْنُ فُلَيْحٍ ، عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ : بِشَدِّ التَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَشَدِّ الْقَافِ ، وَيَلْزَمُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِذَا ابْتَدَأَ أَنْ يَحْذِفَ هَمْزَةَ الْوَصْلِ ، وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُضَارَعَةِ ، كَمَا لَا تَدْخُلُ عَلَى أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ . انْتَهَى . كَأَنَّهُ يُخَيَّلُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِابْتِدَاءُ بِالْكَلِمَةِ إِلَّا بِاجْتِلَابِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ كَثِيرًا مَا يَكُونُ الْوَصْلُ مُخَالِفًا لِلْوَقْفِ ، وَالْوَقْفُ مُخَالِفًا لِلْوَصْلِ ، وَمَنْ لَهُ تَمَرُّنٌ فِي الْقِرَآتِ عَرَفَ ذَلِكَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50قَالُوا لَا ضَيْرَ ) أَيْ لَا ضَرَرَ عَلَيْنَا فِي وُقُوعِ مَا وَعَدْتَنَا بِهِ مِنْ قَطْعِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَالتَّصْلِيبِ ، بَلْ لَنَا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ التَّامَّةُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ . يُقَالُ : ضَارَهُ يَضِيرُهُ ضَيْرًا ، وَضَارَهُ يَضُورُهُ ضَوْرًا . إِنَّا إِلَى رَبِّنَا : أَيْ إِلَى عَظِيمِ ثَوَابِهِ ، أَوْ : لَا ضَيْرَ عَلَيْنَا ، إِذِ انْقِلَابُنَا إِلَى اللَّهِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ ، وَالْقَتْلُ أَهْوَنُ أَسْبَابِهِ . وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ : لَمَّا آمَنُوا بِأَجْمَعِهِمْ ، لَمْ يَأْمَنْ فِرْعَوْنُ أَنْ يَقُولَ قَوْمُهُ لَمْ تُؤْمِنِ السَّحَرَةُ عَلَى كَثْرَتِهِمْ إِلَّا عَنْ مَعْرِفَةٍ بِصِحَّةِ أَمْرِ
مُوسَى فَيُؤْمِنُونَ ، فَبَالَغَ فِي التَّنْفِيرِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) مُوهِمًا أَنَّ مُسَارَعَتَهُمْ لِلْإِيمَانِ دَلِيلٌ عَلَى مَيْلِهِمْ إِلَيْهِ قَبْلُ . وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ) صَرَّحَ بِمَا رَمَزَهُ أَوَّلًا مِنْ مُوَاطَأَتِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ لِيَظْهَرَ أَمْرُ كَبِيرِهِمْ ، وَبِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=49فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) حَيْثُ أَوْعَدَهُمْ وَعِيدًا مُطْلَقًا ، وَبِتَصْرِيحِهِ بِمَا هَدَّدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ ، فَأَجَابُوا بِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ وَقَعَ ، لَنْ يُضِيرَ ، وَفِي قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=50إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ) نُكْتَةٌ شَرِيفَةٌ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ آمَنُوا لَا رَغْبَةً وَلَا رَهْبَةً ، إِنَّمَا قَصَدُوا مَحْضَ الْوُصُولِ إِلَى مِرْضَاتِ اللَّهِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي أَنْوَارِ مَعْرِفَتِهِ . انْتَهَى مُلَخَّصًا . وَيَدْفَعُ هَذَا الْأَخِيرَ قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=51إِنَّا نَطْمَعُ ) إِلَى آخِرِهِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ خَوْفِ تَبِعَاتِ الْخَطَايَا . وَالظَّاهِرُ بَقَاءُ الطَّمَعِ عَلَى بَابِهِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=84وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ) . وَقِيلَ : يُحْتَمَلُ الْيَقِينُ . قِيلَ : كَقَوْلِ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82وَالَّذِي أَطْمَعُ ) .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( أَنْ كُنَّا ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَفِيهِ الْجَزْمُ بِإِيمَانِهِمْ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11793أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ ،
وَأَبُو مُعَاذٍ : إِنْ كُنَّا ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ . قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ عَلَى الشَّرْطِ : وَجَازَ حَذْفُ الْفَاءِ مِنَ الْجَوَابِ ، لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ ، وَتَقْدِيرُهُ : إِنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّا نَطْمَعُ ، وَحَسُنَ الشَّرْطُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا مَا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَبُولِ الْإِيمَانِ . انْتَهَى . وَهَذَا التَّخْرِيجُ عَلَى مَذْهَبِ
الْكُوفِيِّينَ وَأَبِي زَيْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدِ ، حَيْثُ يُجِيزُونَ تَقْدِيمَ جَوَابِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ ، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ
الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ، وَجَوَابُ مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : هُوَ مِنَ الشَّرْطِ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ الْمَدْلُولُ بِأَمْرِهِ الْمُتَحَقِّقِ لِصِحَّتِهِ ، وَهُمْ كَانُوا مُتَحَقِّقِينَ أَنَّهُمْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الْعَامِلِ لِمَنْ يُؤَخِّرُ جُعْلَهُ : إِنْ كُنْتُ عَمِلْتُ فَوَفِّنِي حَقِّي ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ) مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا إِلَّا لِذَلِكَ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ بِمَعْنَى : أَنَّ طَمَعَهُمْ إِنَّمَا هُوَ بِهَذَا الشَّرْطِ . انْتَهَى . وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ " إِنْ " هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، وَجَازَ حَذْفُ اللَّامِ الْفَارِقَةِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ ، فَلَا يُحْتَمَلُ النَّفْيُ ، وَالتَّقْدِيرُ : إِنْ كُنَّا لَأَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ : " إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الْعَسَلَ " ، أَيْ لَيُحِبُّ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
وَنَحْنُ أُبَاةُ الضَّيْمِ مِنْ آلِ مَالِكٍ وَإِنَّ مَالِكَ كَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ
[ ص: 17 ] أَيْ : وَإِنَّ مَالِكَ لَكَانَتْ كِرَامَ الْمَعَادِنِ ، وَ " أَوَّلَ " يَعْنِي أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْقِبْطِ ، أَوْ أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَاضِرِي ذَلِكَ الْمَجْمَعِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَكَانُوا أَوَّلَ جَمَاعَةٍ مُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ قَبْلَ إِيمَانِ السَّحَرَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=52وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=53فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=54إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=55وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=57فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=58وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=59كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=60فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=61فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=62قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=64وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=66ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=67إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=68وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .
تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ( أَسْرِ ) وَأَنَّهُ قُرِئَ بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَبِقَطْعِهَا فِي سُورَةِ هُودٍ . وَقَرَأَ
الْيَمَانِيُّ : أَنْ سِرْ ، أَمْرٌ مِنْ سَارَ يَسِيرُ . أَمَرَ اللَّهُ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَخْرُجَ
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْلًا مِنْ
مِصْرَ إِلَى تُجَاهِ الْبَحْرِ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ سَيُتَّبَعُونَ . فَخَرَجَ سَحَرًا ، جَاعِلًا طَرِيقَ الشَّامِ
[ ص: 18 ] عَلَى يَسَارِهِ ، وَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْبَحْرِ ، فَيُقَالُ لَهُ فِي تَرْكِ الطَّرِيقِ ، فَيَقُولُ : هَكَذَا أُمِرْتُ . فَلَمَّا أَصْبَحَ ، عَلِمَ فِرْعَوْنُ بِسُرَى
مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَخَرَجَ فِي أَثَرِهِمْ ، وَبَعَثَ إِلَى مَدَائِنِ
مِصْرَ لِيَلْحَقَهُ الْعَسَاكِرُ . وَذَكَرُوا أَعْدَادًا فِي أَتْبَاعِ فِرْعَوْنَ وَفِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=54إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ ) أَيْ قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ وَصَفَهُمْ بِالْقِلَّةِ ، ثُمَّ جَمَعَ الْقَلِيلَ فَجَعَلَ كُلَّ حِزْبٍ قَلِيلًا ، جَمْعَ السَّلَامَةِ الَّذِي هُوَ لِلْقِلَّةِ ، وَقَدْ يُجْمَعُ الْقَلِيلُ عَلَى أَقِلَّةٍ وَقِلَلٍ ، وَالظَّاهِرُ تَقْلِيلُ الْعَدَدِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْقِلَّةِ : الذِّلَّةَ وَالْقَمَاءَةَ ، وَلَا يُرِيدُ قِلَّةَ الْعَدَدِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لِقِلَّتِهِمْ لَا يُبَالِي بِهِمْ وَلَا تُتَوَقَّعُ غَفْلَتُهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ أَفْعَالًا تَغِيظُنَا وَتَضِيقُ صُدُورُنَا ، وَنَحْنُ قَوْمٌ مِنْ عَادَتِنَا التَّيَقُّظُ وَالْحَذَرُ وَاسْتِعْمَالُ الْحَزْمِ فِي الْأُمُورِ ، فَإِذَا خَرَجَ عَلَيْنَا خَارِجٌ سَارَعْنَا إِلَى حَسْمِ يَسَارِهِ ، وَهَذِهِ مَعَاذِيرُ اعْتَذَرَ بِهَا إِلَى أَهْلِ الْمَدَائِنِ ، لِئَلَّا يُظَنَّ بِهِ مَا يَكْسِرُ مِنْ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ . انْتَهَى . قَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : وَقَرَأَ مَنْ لَا يُؤْخَذُ عَنْهُ : ( لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَوْقُوفَةً . انْتَهَى . يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى أَحَدٍ رَوَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=55لَغَائِظُونَ ) أَيْ بِخِلَافِهِمْ وَأَخْذِهِمُ الْأَمْوَالَ حِينَ اسْتَعَارُوهَا وَلَمْ يَرُدُّوهَا ، وَخَرَجُوا هَارِبِينَ . وَقَرَأَ
الْكُوفِيُّونَ ،
وَابْنُ ذَكْوَانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56حَاذِرُونَ ) بِالْأَلِفِ ، وَهُوَ الَّذِي قَدْ أَخَذَ يَحْذَرُ وَيُجَدِّدُ حَذَرَهُ ، وَحَذَرَ مُتَعَدٍّ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ) . وَقَالَ
الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ :
وَإِنِّيَ حَاذِرٌ أُنْمِي سِلَاحِي إِلَى أَوْصَالِ ذَيَّالٍ صَنِيعِ
وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ : بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُوَ الْمُتَيَقِّظُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : مُؤَدُّونَ ، أَيْ ذَوُو أَدَوَاتٍ وَسِلَاحٍ ، أَيْ مُتَسَلِّحِينَ . وَقِيلَ : حَذِرُونَ فِي الْحَالِ ، وَحَاذِرُونَ فِي الْمَآلِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ : الْحَاذِرُ : الْخَائِفُ مَا يَرَى ، وَالْحَذِرُ : الْمَخْلُوقُ حَذَرًا . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : رَجُلٌ حَذِرٌ وَحَذُرٌ وَحَاذِرٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ إِلَى أَنَّ حَذِرًا يَكُونُ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَأَنَّهُ يَعْمَلُ كَمَا يَعْمَلُ حَاذِرٌ ، فَيَنْصِبُ الْمَفْعُولَ بِهِ ، وَأَنْشَدَ :
حَذِرٌ أُمُورًا لَا تُضِيرُ وَآمِنٌ مَا لَيْسَ مُنْجِيهِ مِنَ الْأَقْدَارِ
وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ بِمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ . وَعَنِ
الْفَرَّاءِ أَيْضًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ : رَجُلٌ حَذِرٌ ، إِذَا كَانَ الْحَذَرُ فِي خِلْقَتِهِ ، فَهُوَ مُتَيَقِّظٌ مُنْتَبِهٌ . وَقَرَأَ
سُمَيْطُ بْنُ عَجْلَانَ ،
وَابْنُ أَبِي عَمَّارٍ ،
وَابْنُ السَّمَيْفَعِ : حَادِرُونَ ، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ : عَيْنٌ حَدِرَةٌ ، أَيْ عَظِيمَةٌ ، وَالْحَادِرُ : الْمُتَوَرِّمُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : فَالْمَعْنَى مُمْتَلِئُونَ غَيْظًا وَأَنَفَةً . وَقَالَ
ابْنُ خَالَوَيْهِ : الْحَادِرُ : السَّمِينُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ ، يُقَالُ غُلَامٌ حَدِرٌ بَدِرٌ . وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ : حَدِرَ الرَّجُلُ : قَوِيَ بَأْسُهُ ، يُقَالُ : مِنْهُ رَجُلٌ حَدِرٌ بَدِرٌ ، إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْبَأْسِ فِي الْحَرْبِ ، وَيُقَالُ : رَجُلٌ حَدُرٌ ، بِضَمِّ الدَّالِ لِلْمُبَالَغَةِ ، مِثْلَ يَقُظٌ . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
أُحِبُّ الصَّبِيَّ السُّوءَ مِنْ أَجْلِ أُمِّهِ وَأُبْغِضُهُ مِنْ بُغْضِهَا وَهُوَ حَادِرُ
أَيْ سَمِينٌ قَوِيٌّ . وَقِيلَ : مُدَجَّجُونَ فِي السِّلَاحِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=57فَأَخْرَجْنَاهُمْ ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْقِبْطِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=57مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) بِحَافَّتَيِ النِّيلِ مِنْ أَسْوَانَ إِلَى رَشِيدَ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ ، وَالْجُمْهُورُ : عَلَى أَنَّهَا عُيُونُ الْمَاءِ . وَقَالَ
ابْنُ جُبَيْرٍ : الْمُرَادُ عُيُونُ الذَّهَبِ . ( وَكُنُوزٍ ) هِيَ الْأَمْوَالُ الَّتِي خَرَّبُوهَا . قَالَ
مُجَاهِدٌ : سَمَّاهَا كُنُوزًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ قَطُّ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : الْكُنُوزُ : الْأَنْهَارُ . قَالَ صَاحِبُ التَّحْبِيرِ : وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ، لِأَنَّ الْعُيُونَ تَشْمَلُهُمَا . وَقِيلَ : هِيَ كُنُوزُ الْمُقَطَّمِ وَمَطَالِبُهُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هِيَ بَاقِيَةٌ إِلَى الْيَوْمِ . انْتَهَى .
وَأَهْلُ
مِصْرَ فِي زَمَانِنَا فِي غَايَةِ الطَّلَبِ لِهَذِهِ الْكُنُوزِ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا مَدْفُونَةٌ فِي الْمُقَطَّمِ ، فَيُنْفِقُونَ عَلَى
[ ص: 19 ] حَفْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي الْمُقَطَّمِ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ ، وَيَبْلُغُونَ فِي الْعُمْقِ إِلَى أَقْصَى غَايَةٍ ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُمْ إِلَّا التُّرَابُ أَوْ حَجَرُ الْكَذَّانِ الَّذِي الْمُقَطَّمُ مَخْلُوقٌ مِنْهُ ، وَأَيُّ مَغْرِبِيٍّ يَرِدُ عَلَيْهِمْ سَأَلُوهُ عَنْ عِلْمِ الْمَطَالِبِ . فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَضَعُ فِي ذَلِكَ أَوْرَاقًا لِيَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْمِصْرِيِّينَ بِالْبَاطِلِ ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَذْهَبُ مَالُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَفْتَقِرَ ، وَهُوَ لَا يَزْدَادُ إِلَّا طَلَبًا لِذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ . وَقَدْ أَقَمْتُ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ إِلَى حِينِ كِتَابَةِ هَذِهِ الْأَسْطُرِ ، نَحْوًا مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ عَامًا ، فَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ حَصَلَ عَلَى شَيْءٍ غَيْرَ الْفَقْرِ ؛ وَكَذَلِكَ رَأْيُهُمْ فِي تَغْوِيرِ الْمَاءِ . يَزْعُمُونَ أَنَّ ثَمَّ آبَارًا ، وَأَنَّهُ يُكْتَبُ أَسْمَاءٌ فِي شَقْفَةٍ ، فَتُلْقَى فِي الْبِئْرِ ، فَيَغُورُ الْمَاءُ وَيَنْزِلُ إِلَى بَابٍ فِي الْبِئْرِ ، يَدْخُلُ مِنْهُ إِلَى قَاعَةٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَجَوْهَرًا وَيَاقُوتًا . فَهُمْ دَائِمًا يَسْأَلُونَ مَنْ يَرِدُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ عَمَّنْ يَحْفَظُ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ الَّتِي تُكْتَبُ فِي الشَّقْفَةِ ، فَيَأْخُذُ شَيَاطِينُ الْمَغَارِبَةِ مِنْهُمْ مَالًا جَزِيلًا ، وَيَسْتَأْكِلُونَهُمْ ، وَلَا يَحْصُلُونَ عَلَى شَيْءٍ غَيْرَ ذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ ، وَلَهُمْ أَشْيَاءُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْخُرَافَاتِ ، يَرْكَنُونَ إِلَيْهَا وَيَقُولُونَ إِلَيْهَا وَيَقُولُونَ بِهَا ، وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِي هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْذِيرِ لِمَنْ يَعْقِلُ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=58وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ) . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابْنُ لَهِيعَةَ : هُوَ الْفَيُّومُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَمُجَاهِدٌ ،
وَالضَّحَّاكُ : هُوَ الْمَنَابِرُ لِلْخُطَبَاءِ . وَقِيلَ : الْأَسِرَّةُ فِي الْكَلَلِ . وَقِيلَ : مَجَالِسُ الْأُمَرَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَالْحُكَّامِ . وَقَالَ
النَّقَّاشُ : الْمَسَاكِنُ الْحِسَانُ . وَقِيلَ : مَرَابِطُ الْخَيْلِ ، حَكَاهُ
الْمَاوَرْدِيُّ . وَقَرَأَ
قَتَادَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ : وَمُقَامٍ ، بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ أَقَامَ كَذَلِكَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ : النَّصْبَ عَلَى أَخْرَجْنَاهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ الْإِخْرَاجِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ ، وَالْجَرَّ عَلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لِمَقَامٍ ، أَيْ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَقَامِ الَّذِي كَانَ لَهُمْ ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . انْتَهَى . فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ لَا يَسُوغُ ، لِأَنَّهُ يَئُولُ إِلَى تَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الثَّانِي ، لِأَنَّ الْمَقَامَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ هُوَ الْمَقَامُ الْكَرِيمُ ، وَلَا يُشَبَّهُ الشَّيْءُ بِنَفْسِهِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=59وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) أَنَّهُمْ مَلَكُوا دِيَارَ
مِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ، لِأَنَّهُ اعْتَقَبَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=59وَأَوْرَثْنَاهَا ) قَوْلُهُ : ( وَأَخْرَجْنَاهُمْ ) وَقَالَهُ
الْحَسَنُ ؛ قَالَ : كَمَا عَبَرُوا النَّهْرَ ، رَجَعُوا وَوَرِثُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ . وَقِيلَ : ذَهَبُوا إِلَى
الشَّامِ وَمَلَكُوا
مِصْرَ زَمَنَ
سُلَيْمَانَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=60فَأَتْبَعُوهُمْ ) أَيْ فَلَحِقُوهُمْ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ ،
وَالذِّمَارِيُّ : فَاتَّبَعُوهُمْ ، بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَشَدِّ التَّاءِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=60مُشْرِقِينَ ) دَاخِلِينَ فِي وَقْتِ الشُّرُوقِ ، مِنْ شَرَقَتِ الشَّمْسُ شُرُوقًا ، إِذَا طَلَعَتْ ، كَأَصْبَحَ : دَخَلَ فِي وَقْتِ الصَّبَاحِ ، وَأَمْسَى : دَخَلَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ . وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : فَاتَّبَعُوهُمْ نَحْوَ الشَّرْقِ ، كَأَنْجَدَ : إِذَا قَصَدَ نَحْوَ نَجْدٍ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُشْرِقِينَ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ . وَقِيلَ : مُشْرِقِينَ : أَيْ فِي ضِيَاءٍ ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ فِي ضَبَابٍ وَظُلْمَةٍ ، تَحَيَّرُوا فِيهَا حَتَّى جَاوَزَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُشْرِقِينَ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=61فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ : ( أَيْ رَأَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ) قَالَ أَصْحَابُ
مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=61إِنَّا لَمُدْرَكُونَ أَيْ : مُلْحَقُونَ ، قَالُوا ذَلِكَ حِينَ رَأَوُا الْعَدُوَّ الْقَوِيَّ وَرَاءَهُمْ وَالْبَحْرَ أَمَامَهُمْ ، وَسَاءَتْ ظُنُونُهُمْ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ :
وَابْنُ وَثَّابٍ : تَرَايَ الْجَمْعَانِ ، بِغَيْرِ هَمْزٍ ، عَلَى مَذْهَبِ التَّخْفِيفِ بَيْنَ بَيْنَ ، وَلَا يَصِحُّ الْقَلْبُ لِوُقُوعِ الْهَمْزَةِ بَيْنَ أَلِفَيْنِ ، إِحْدَاهُمَا أَلِفُ تَفَاعَلَ الزَّائِدَةُ بَعْدَ الْفَاءِ ، وَالثَّانِيَةُ اللَّامُ الْمُعْتَلَّةُ مِنَ الْفِعْلِ . فَلَوْ خُفِّفَتْ بِالْقَلْبِ لَاجْتَمَعَ ثَلَاثُ أَلِفَاتٍ مُتَّسِقَةٍ ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ أَبَدًا ، قَالَهُ
أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَرَأَ
حَمْزَةُ : تَرِيءَ ، بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَمُدُّ ثُمَّ يَهْمِزُ ؛ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ
عَاصِمٍ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا مَفْتُوحًا مَمْدُودًا ، وَالْجُمْهُورُ يَقْرَءُونَهُ مِثْلَ تَرَاعَى ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، لِأَنَّهُ تَفَاعَلَ . وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : وَقِرَاءَةُ
حَمْزَةَ هَذَا الْحَرْفَ مُحَالٌ ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابْنِ وَثَّابٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ خَطَأٌ . انْتَهَى . وَقَالَ الْأُسْتَاذُ
أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفٍ الْأَنْصَارِيِّ ، هُوَ
ابْنُ الْبَاذِشِ ، فِي كِتَابِ الْإِقْنَاعِ مِنْ تَأْلِيفِهِ : تَرَاءَى الْجَمْعَانِ فِي الشُّعَرَاءِ إِذَا وَقَفَ عَلَيْهَا
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، أَمَالَا الْأَلِفَ الْمُنْقَلِبَةَ عَنْ لَامِ الْفِعْلِ ،
[ ص: 20 ] وَحَمْزَةُ يُمِيلُ أَلِفَ تَفَاعَلَ وَصْلًا وَوَقْفًا لِإِمَالَةِ الْأَلِفِ الْمُنْقَلِبَةِ ؛ فَفِي قِرَاءَتِهِ إِمَالَةُ الْإِمَالَةِ . وَفِي هَذَا الْفِعْلِ ، وَفِي رَاءَى ، إِذَا اسْتَقْبَلَهُ أَلِفُ وَصْلٍ لِمَنْ أَمَالَ لِلْإِمَالَةِ ، حَذْفُ السَّبَبِ وَإِبْقَاءُ الْمُسَبَّبِ ، كَمَا قَالُوا : صَعْقِيٌّ فِي النَّسَبِ إِلَى الصَّعْقِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : لَمُدْرَكُونَ ، بِإِسْكَانِ الدَّالِ ؛ وَالْأَعْرَجُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16531وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ : بِفَتْحِ الدَّالِ مُشَدِّدَةً وَكَسْرِ الرَّاءِ ، عَلَى وَزْنِ مُفْتَعِلُونَ ، وَهُوَ لَازِمٌ ، بِمَعْنَى الْفَنَاءِ وَالِاضْمِحْلَالِ . يُقَالُ : مِنْهُ ادَّرَكَ الشَّيْءَ بِنَفْسِهِ ، إِذَا فَنِيَ تَتَابُعًا ، وَلِذَلِكَ كُسِرَتِ الرَّاءُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ ؛ نَصَّ عَلَى كَسْرِهَا
أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ فِي ( كِتَابِ اللَّوَامِحِ ) ،
nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ فِي ( كَشَّافِهِ ) وَغَيْرُهُمَا . وَقَالَ
أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ : وَقَدْ يَكُونُ ادَّرَكَ عَلَى افْتَعَلَ بِمَعْنَى أَفْعَلَ مُتَعَدِّيًا ، فَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مِنْ ذَلِكَ ، لَوَجَبَ فَتْحُ الرَّاءِ ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْهُمَا ، يَعْنِي عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجِ nindex.php?page=showalam&ids=16531وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْمَعْنَى إِنَّا لَمُتَتَابِعُونَ فِي الْهَلَاكِ عَلَى أَيْدِيهِمْ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ ، وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمَاسَةِ :
أَبَعْدَ بَنِي أُمِّي الَّذِينَ تَتَابَعُوا أَرْجَى الْحَيَاةَ أَمْ مِنَ الْمَوْتِ أَجْزَعُ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=62قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) زَجَرَهُمْ وَرَدَعَهُمْ بِحَرْفِ الرَّدْعِ وَهُوَ كَلَّا ، وَالْمَعْنَى : لَنْ يُدْرِكُوكُمْ لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ بِالنَّصْرِ وَالْخَلَاصِ مِنْهُمْ ، إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ عَنْ قَرِيبٍ إِلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ وَيُعَرِّفُنِيهِ . وَقِيلَ : سَيَكْفِينِي أَمْرَهُمْ . وَلَمَّا انْتَهَى
مُوسَى إِلَى الْبَحْرِ ، قَالَ لَهُ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْ
مُوسَى : أَيْنَ أُمِرْتَ ، وَهَذَا الْبَحْرُ أَمَامَكَ وَقَدْ غَشِيَكَ آلُ فِرْعَوْنَ ؟ قَالَ : أُمِرْتُ بِالْبَحْرِ ، وَلَا يَدْرِي
مُوسَى مَا يَصْنَعُ . وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ عَنْ يُوشَعَ ، قَالَهَا
لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ) فَخَاضَ يُوشَعُ الْمَاءَ . وَضَرَبَ
مُوسَى بِعَصَاهُ ، فَصَارَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا ، لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ . أَرَادَ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الْآيَةَ مُتَّصِلَةً
بِمُوسَى وَمُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ فَعَلَهُ ، وَلَكِنَّهُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ ، إِذْ ضَرْبُ الْبَحْرِ بِالْعَصَا لَا يُوجِبُ انْفِلَاقَ الْبَحْرِ بِذَاتِهِ ، وَلَوْ شَاءَ - تَعَالَى - لَفَلَقَهُ دُونَ ضَرْبِهِ بِالْعَصَا ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي مَكَانِ هَذَا الْبَحْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=63فَانْفَلَقَ ) ثَمَّ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ . وَزَعَمَ
ابْنُ عُصْفُورٍ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ هُوَ ضَرْبٌ ، وَفَاءُ انْفَلَقَ . وَالْفَاءُ فِي انْفَلَقَ هِيَ فَاءُ ضَرَبَ ، فَأُبْقِيَ مِنْ كُلٍّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ ، أُبْقِيَتِ الْفَاءُ مِنْ فَضَرَبَ وَاتَّصَلَتْ بِانْفَلَقَ ، لِيَدُلَّ عَلَى ضَرَبَ الْمَحْذُوفَةِ ، وَأُبْقِيَ انْفَلَقَ لِيَدُلَّ عَلَى الْفَاءِ الْمَحْذُوفَةِ مِنْهُ . وَهَذَا قَوْلٌ شَبِيهٌ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْبِرْسَامِ ، وَيَحْتَاجُ إِلَى وَحْيٍ يُسْفِرُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ . وَإِذَا نَظَرْتَ الْقُرْآنَ وَجَدْتَ جُمَلًا كَثِيرَةً مَحْذُوفَةً ، وَفِيهَا الْفَاءُ نَحْوَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=45فَأَرْسِلُونِ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=46يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ) أَيْ فَأَرْسَلُوهُ ، فَقَالَ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ، وَالْفَرْقُ الْجُزْءُ الْمُفَصَّلُ . وَالطَّوْدُ : الْجَبَلُ الْعَظِيمُ الْمُنْطَادُ فِي السَّمَاءِ . وَحَكَى يَعْقُوبُ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ ، أَنَّهُ قَرَأَ كُلُّ فَلْقٍ بِاللَّامِ عِوَضَ الرَّاءِ .
( وَأَزْلَفْنَا ) أَيْ قَرَّبْنَا ( ثَمَّ ) أَيْ هُنَاكَ ، وَثَمَّ ظَرْفُ مَكَانٍ لِلْبُعْدِ . ( الْآخَرِينَ ) أَيْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ، أَيْ قَرَّبْنَاهُمْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ قُرِّبُوا مِنْهُ ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : قَرَّبْنَاهُمْ حَيْثُ انْفَلَقَ الْبَحْرَ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَوْ قَرَّبْنَا بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لَا يَنْجُوَ أَحَدٌ ، أَوْ قَرَّبْنَاهُمْ مِنَ الْبَحْرِ . وَقَرَأَ
الْحَسَنُ ،
وَأَبُو حَيْوَةَ : وَزَلَّفْنَا بِغَيْرِ أَلِفٍ . وَقَرَأَ
أُبَيٌّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ : وَأَزْلَقْنَا بِالْقَافِ عِوَضَ الْفَاءِ ، أَيْ أَزَلَلْنَا ، قَالَهُ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ . قِيلَ : مَنْ قَرَأَ بِالْقَافِ صَارَ " الْآخَرِينَ " فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْعَامَّةِ يَعْنِي بِالْقِرَاءَةِ الْعَامَّةِ ، فَالْآخَرُونَ هُمْ
مُوسَى وَأَصْحَابُهُ ، أَيْ جَمَعْنَا شَمْلَهُمْ وَقَرَّبْنَاهُمْ بِالنَّجَاةِ . انْتَهَى ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : وَدَخَلَ
مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ وَأَنْجَيْنَا . قِيلَ : دَخَلُوا الْبَحْرَ بِالطُّولِ ، وَخَرَجُوا فِي الضَّفَّةِ الَّتِي دَخَلُوا مِنْهَا بَعْدَ مَسَافَةٍ ، وَكَانَ بَيْنَ مَوْضِعِ الدُّخُولِ وَمَوْضِعِ الْخُرُوجِ أَوْعَارٌ وَجِبَالٌ لَا تُسْلَكُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=67إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً ) أَيْ لَعَلَامَةً وَاضِحَةً عَايَنَهَا النَّاسُ وَشَاعَ أَمْرُهَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=67وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) أَيْ مَا تَنَبَّهَ أَكْثَرُهُمْ عَلَيْهَا وَلَا آمَنُوا .
[ ص: 21 ] وَبَنُو إِسْرَائِيلَ ، الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ
مُوسَى الْمَخْصُوصِينَ بِالْإِنْجَاءِ ، قَدْ سَأَلُوهُ بَقَرَةً يَعْبُدُونَهَا ، وَاتَّخَذُوا الْعِجْلَ ، وَطَلَبُوا رُؤْيَةَ اللَّهِ جَهْرَةً . انْتَهَى . وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=67وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) أَيْ أَكْثَرُ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ، وَهُمُ الْقِبْطُ ، إِذْ قَدْ آمَنَ السَّحَرَةُ ، وَآمَنَتْ
آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ ، وَعَجُوزٌ اسْمُهَا
مَرْيَمُ ، دَلَّتْ
مُوسَى عَلَى قَبْرِ
يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاسْتَخْرَجُوهُ وَحَمَلُوهُ مَعَهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ .
[ ص: 22 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=69وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=70إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=73أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=74قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=75قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=76أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=79وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=80وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=81وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=84وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=85وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=86وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=90وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=91وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=92وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=93مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=94فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=95وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=96قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=99وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=100فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=101وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=102فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=103إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=104وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .
لَمَّا كَانَتِ الْعَرَبُ لَهَا خُصُوصِيَّةٌ
بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتْلُوَ عَلَيْهِمْ قَصَصَهُ ، وَمَا جَرَى لَهُ مَعَ قَوْمِهِ . وَلَمْ يَأْتِ فِي قِصَّةٍ مِنْ قَصَصِ هَذِهِ السُّورَةِ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتِلَاوَةِ قِصَّةٍ إِلَّا فِي هَذِهِ ، وَإِذِ الْعَامِلُ فِيهِ . قَالَ
الْحَوْفِيُّ : اتْلُ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مَا قَالَ إِلَّا بِإِخْرَاجِهِ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ وَجَعْلِهِ بَدَلًا مِنْ " نَبَأَ " ، وَاعْتِقَادُ أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ وَاحِدٌ . وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ : الْعَامِلُ فِي إِذْ " نَبَأَ " . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( وَقَوْمِهِ ) عَائِدٌ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ . وَقِيلَ : عَلَى أَبِيهِ ، أَيْ وَقَوْمِ أَبِيهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=74إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) . وَمَا : اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّحْقِيرِ وَالتَّقْرِيرِ . وَقَدْ كَانَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَعْلَمُ أَنَّهُمْ عَبَدَةُ أَصْنَامٍ ، وَلَكِنْ سَأَلَهُمْ لِيُرِيَهُمْ أَنَّ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ لَيْسَ مُسْتَحِقًّا لِلْعِبَادَةِ ، لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى جَوَابِهِمْ مِنْ أَوْصَافِ مَعْبُودَاتِهِمُ الَّتِي هِيَ مُنَافِيَةٌ لِلْعِبَادَةِ . وَلِمَا سَأَلَهُمْ عَنِ الَّذِي يَعْبُدُونَهُ ، وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى ذِكْرِهِ فَقَطْ ، بَلْ أَجَابُوا بِالْفِعْلِ وَمُتَعَلِّقِهِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ تَمَامِ صِفَتِهِمْ مَعَ مَعْبُودِهِمْ ، فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=71نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ )
[ ص: 23 ] عَلَى سَبِيلِ الِابْتِهَاجِ وَالِافْتِخَارِ ، فَأَتَوْا بِقِصَّتِهِمْ مَعَهُمْ كَامِلَةً ، وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى أَنْ يُجِيبُوا بِقَوْلِهِمْ : أَصْنَامًا ، كَمَا جَاءَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=30مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) وَلِذَلِكَ عَطَفُوا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ قَوْلَهُمْ : ( فَنَظَلُّ ) . قَالَ : كَمَا تَقُولُ لِرَئِيسٍ : مَا تَلْبَسُ ؟ فَقَالَ : أَلْبَسُ مُطْرَفَ الْخَزِّ فَأَجُرُّ ذُيُولَهُ ، يُرِيدُ الْجَوَابَ : وَحَالُهُ مَعَ مَلْبُوسِهِ . وَقَالُوا : فَنَظَلُّ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ . وَلَمَّا أَجَابُوا
إِبْرَاهِيمَ ، أَخَذَ يُوقِفَهُمْ عَلَى قِلَّةِ عُقُولِهِمْ ، بِاسْتِفْهَامِهِ عَنْ أَوْصَافٍ مَسْلُوبَةٍ عَنْهُمْ لَا يَكُونُ ثُبُوتُهَا إِلَّا لِلَّهِ - تَعَالَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( يَسْمَعُونَكُمْ ) مِنْ سَمِعَ ؛ وَسَمِعَ إِنْ دَخَلَتْ عَلَى مَسْمُوعٍ تَعَدَّتْ إِلَى وَاحِدٍ ، نَحْوَ : سَمِعْتُ كَلَامَ زِيدٍ ، وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى غَيْرِ مَسْمُوعٍ ، فَذَهَبَ
الْفَارِسِيُّ أَنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ ، وَشَرْطُ الثَّانِي مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسْمَعُ ، نَحْوَ : سَمِعْتُ زَيْدًا يَقْرَأُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَعَدَّى إِلَى وَاحِدٍ ، وَذَلِكَ الْفِعْلُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَالتَّرْجِيحُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ . وَهُنَا لَمْ تَدْخُلْ إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُوعٍ ، فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ : هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ ، تَدْعُونَ ؟ وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=72هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ ) بِمَعْنَى : يُجِيبُونَكُمْ . وَقَرَأَ
قَتَادَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344وَيَحْيَـى بْنُ يَعْمُرَ : بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ أَسْمَعَ ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : الْجَوَابَ ، أَوِ الْكَلَامَ . وَإِذْ : ظَرْفٌ لِمَا مَضَى ، فَإِمَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ فِيهِ فَيَكُونَ بِمَعْنَى إِذَا ، وَإِمَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ فِي الْمُضَارِعِ فَيَكُونَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ الْمَاضِي ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : هَلْ سَمِعُوكُمْ إِذْ دَعَوْتُمْ ؟ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَنَّ مِنْ قَرَائِنِ صَرْفِ الْمُضَارِعِ إِلَى الْمَاضِي إِضَافَةَ إِذْ إِلَى جُمْلَةٍ مُصَدَّرَةٍ بِالْمُضَارِعِ ، وَمَثَّلُوا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) أَيْ وَإِذْ قُلْتَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَجَاءَ مُضَارِعًا مَعَ إِيقَاعِهِ فِي إِذْ عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي كُنْتُمْ تَدَّعُونَهَا فِيهَا ، وَقُولُوا : هَلْ سَمِعُوا ، أَوِ أَسْمَعُوا قَطُّ ؟ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي التَّبْكِيتِ . انْتَهَى . وَقُرِئَ : بِإِظْهَارِ ذَالِ إِذْ وَبِإِدْغَامِهَا فِي تَاءِ تَدْعُونَ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَيَجُوزُ فِيهِ قِيَاسٌ مُذَكَّرٌ ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ ؛ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ بِهِ ، إِذْ تَدْعُونَ . فَالَّذِي مَنَعَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ اتِّصَالُ الدَّالِ الْأَصْلِيَّةِ فِي الْفِعْلِ ، فَكَثْرَةُ الْمُتَمَاثِلَاتِ . انْتَهَى . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ قِيَاسٌ مُذَكَّرٌ لَا يَجُوزُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِبْدَالَ - وَهُوَ إِبْدَالُ التَّاءِ دَالًا - لَا يَكُونُ إِلَّا فِي افْتَعَلَ ، مِمَّا فَاؤُهُ ذَالٌ أَوْ زَايٌ أَوْ دَالٌ ، نَحْوَ : اذْدَكَرَ ، وَازْدَجَرَ ، وَادَّهَنَ ، أَصْلُهُ : اذْتَكَرَ ، وَازْتَجَرَ ، وَادْتَهَنَ ؛ أَوْ جِيمٌ شُذُوذًا ، قَالُوا : اجْدَمَعَ فِي اجْتَمَعَ ، وَمِنْ تَاءِ الضَّمِيرِ بَعْدَ الزَّايِ وَالدَّالِ ، وَمَثَّلُوا بِتَاءِ الضَّمِيرِ لِلْمُتَكَلِّمِ فَقَالُوا فِي فُزْتُ : فُزْدُ ، وَفِي جَلَدْتُ : جَلَدُّ ، وَمِنْ تَاءِ تُولِجُ شُذُوذًا قَالُوا : دُولِجُ ، وَتَاءُ الْمُضَارَعَةِ لَيْسَتْ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا ، فَلَا تُبْدَلُ تَاؤُهُ . وَقَوْلُ
ابْنِ عَطِيَّةَ : وَالَّذِي مَنَعَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إِلَى آخِرِهِ ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَجَازَ إِبْدَالُ تَاءِ الْمُضَارَعَةِ دَالًا وَإِدْغَامُ الذَّالِ فِيهَا ، فَكُنْتَ تَقُولُ : اذْتَخْرَجَ : ادَّخْرَجَ ، وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ ، بَلْ إِذَا أُدْغِمَ مِثْلُ هَذَا أُبْدِلَ مِنَ الذَّالِ تَاءٌ وَأُدْغِمَ فِي التَّاءِ ، فَتَقُولُ : اتَّخْرَجَ .