الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما لا يضحى به لعيبه وما يكره ويستحب 2108 - ( عن علي عليه السلام قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب القرن والأذن } ، قال قتادة : فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال : العضب النصف فأكثر من ذلك . رواه الخمسة وصححه الترمذي لكن ابن ماجه لم يذكر قول قتادة إلى آخره ) .

                                                                                                                                            2109 - ( وعن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها ، والكسير التي لا تنقي } . رواه الخمسة وصححه الترمذي ) .

                                                                                                                                            2110 - ( وروى يزيد ذو مصر قال : أتيت عتبة بن عبد السلمي ، فقلت : يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا ، فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فما تقول ؟ قال : ألا جئتني أضحي بها ، قال : سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني ؟ قال : نعم إنك تشك ولا أشك إنما { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء ، فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها ، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله ، والبخقاء التي تبخق عينها ، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا والكسراء التي لا تنقي } . رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            ويزيد ذو مصر بكسر الميم وبالصاد المهملة الساكنة . حديث علي عليه السلام صححه الترمذي كما ذكر المصنف ، وسكت عنه أبو داود والمنذري وحديث البراء أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي ، وصححه النووي وادعى [ ص: 138 ] الحاكم في كتاب الضحايا أن مسلما أخرجه وأنه مما أخذ عليه ; لأنه من رواية سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز ، وقد اختلف الناقلون عنه فيه انتهى . وهذا خطأ منه فإن مسلما لم يخرجه في صحيحه وقد ذكره على الصواب في أواخر كتاب الحج فقال : صحيح ولم يخرجاه .

                                                                                                                                            وحديث عتبة بن عبد السلمي أخرجه أيضا الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري .

                                                                                                                                            قوله { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب القرن } . . . إلخ فيه دليل على أنها لا تجزئ التضحية بأعضب القرن والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه . وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقا ، وكرهه مالك إذا كان يدمي وجعله عيبا ، وقال في البحر : إن أعضب القرن المنهي عنه هو الذي كسر قرنه أو عضب من أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط ولا يعتبر الثلث فيه بخلاف الأذن .

                                                                                                                                            وفي القاموس أن العضباء : الشاة المكسورة القرن الداخل ، فالظاهر أن مكسورة القرن لا تجوز التضحية بها إلا أن يكون الذاهب من القرن مقدارا يسيرا بحيث لا يقال لها : عضباء لأجله ، أو يكون دون النصف إن صح التقدير بالنصف المروي عن سعيد بن المسيب لغوي أو شرعي ولا يلزم تقييد هذا الحديث بما في حديث عتبة من النهي عن المستأصلة وهي ذاهبة القرن من أصله ، لأن المستأصلة عضباء وزيادة ، وكذلك لا تجزئ التضحية بأعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب لغة أو شرعا ولكن تفسير المصفرة المذكورة في حديث عتبة بالتي تستأصل أذنها كما ذكره المصنف

                                                                                                                                            ومثله ذكر صاحب النهاية يدل على أن عضب الأذن المانع من الإجزاء هو ذلك لا دونه وهذا بعد ثبوت اتحاد مدلول عضباء الأذن والمصفرة والظاهر أنهما مختلفان فلا تجزئ عضباء الأذن وهي ذاهبة نصف الأذن أو مشقوقتها أو التي جاوز القطع ربعها على حسب الخلاف فيها بين أهل اللغة ، ولا المصفرة وهي ذاهبة جميع الأذن ; لأنها عضباء وزيادة وقد قيل : إن المصفرة هي المهزولة ، حكى ذلك صاحب النهاية واقتصر عليه صاحب التلخيص .

                                                                                                                                            ووجه التفسير الأول أن صماخها صار صفرا من الأذن . ووجه الثاني أنها صارت صفرا من السمن أي : خالية منه قوله : ( أربع لا تجوز ) . . . إلخ فيه دليل على أن متبينة العور والعرج والمرض لا يجوز التضحية بها إلا ما كان ذلك يسيرا غير بين ، وكذلك الكسير التي لا تنقي بضم التاء الفوقية وإسكان النون وكسر القاف أي : التي لا نقي لها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ وفي رواية الترمذي والنسائي : والعجفاء بدل الكسير . قال النووي : وأجمعوا على أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهي المرض والعجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية بها وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( عن المصفرة ) بضم الميم وإسكان الصاد [ ص: 139 ] المهملة وفتح الفاء وقد تقدم تفسيرها قوله : ( والبخقاء ) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة بعدها قاف قال في النهاية البخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة وفي القاموس البخق محركة : أقبح العور وأكثره غمصا أو أن لا يلتقي شفر عينه على حدقته بخق كفرح وكنصر ، والعين البخقاء والباخقة والبخيق والبخيقة : العوراء ، ورجل بخيق كأمير وباخق العين ومبخوقها : أبخق ، وبخق عينه كمنع وأبخقها : فقأها ، والعين ندرت انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( والمشيعة ) قال في القاموس { : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشيعة } في الأضاحي بالفتح أي : التي تحتاج إلى من يشيعها أي يتبعها الغنم لضعفها ، وبالكسر وهي التي تشيع الغنم أي : تتبعها لعجفها انتهى . وهذه الأحاديث تدل على أنه لا يجزئ في الأضحية ما كان فيه أحد العيوب المذكورة ومن ادعى أنه يجزئ مطلقا أو يجزئ مع الكراهة احتاج إلى إقامة دليل يصرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم المستلزم لعدم الإجزاء ولا سيما بعد التصريح في حديث البراء بعدم الجواز .

                                                                                                                                            2111 - ( وعن أبي سعيد قال { : اشتريت كبشا أضحي به فعدا الذئب فأخذ الألية قال : فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ضح به } . رواه أحمد . وهو دليل على أن العيب الحادث بعد التعيين لا يضر ) .

                                                                                                                                            2112 - ( وعن علي عليه السلام قال : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء } . رواه الخمسة وصححه الترمذي ) .

                                                                                                                                            2113 - ( وعن أبي أمامة بن سهل قال { : كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون } . أخرجه البخاري ) .

                                                                                                                                            2114 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { دم عفراء ، أحب إلى الله من دم سوداوين } . رواه أحمد ، والعفراء التي بياضها ليس بناصع ) .

                                                                                                                                            2115 - ( وعن أبي سعيد قال { : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل [ ص: 140 ] في سواد ويمشي في سواد وينظر في سواد } . رواه أحمد وصححه الترمذي ) حديث أبي سعيد الأول أخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي ، وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف جدا ، وفيه أيضا محمد بن قرظة بفتح القاف والراء . قال في التلخيص : غير معروف وقال في التقريب : مجهول وقد قيل : إنه وثقه ابن حبان ويقال : إنه لم يسمع من أبي سعيد قال البيهقي : ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عطية عن أبي سعيد { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شاة قطع ذنبها يضحي بها قال : ضح بها } والحجاج ضعيف . حديث علي أخرجه أيضا البزار وابن حبان والحاكم والبيهقي الدارقطني .

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ، ورواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس بلفظ { : دم الشاة البيضاء عند الله أزكى من دم السوداوين } وفيه حمزة النصيبي قد اتهم بوضع الحديث ورواه الطبراني أيضا وأبو نعيم من حديث كبيرة بنت سفيان نحو الأول . ورواه البيهقي موقوفا على أبي هريرة ونقل عن البخاري أن رفعه لا يصح .

                                                                                                                                            وحديث أبي سعيد الثاني صححه ابن حبان أيضا وهو على شرط مسلم قاله صاحب الاقتراح .

                                                                                                                                            وأخرج مسلم من حديث عائشة أن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتي به ليضحي به ، فقال : يا عائشة هلمي المدية ، ثم قال : اشحذيها بحجر ، ففعلت ، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه } الحديث

                                                                                                                                            قوله : ( فقال ضح به ) فيه دليل على أن ذهاب الألية ليس عيبا في الضحية من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله كما يدل على ذلك رواية البيهقي التي ذكرناها ، وقالت الهادوية والإمام يحيى : إن ذهاب الألية عيب ، وتمسكوا بالقياس على ذهاب الأذن والقرن وهو فاسد الاعتبار . قوله : ( أن نستشرف العين والأذن ) أي : نشرف عليهما ونتأملهما كي لا يقع فيهما نقص وعيب . وقيل : إن ذلك مأخوذ من الشرف بضم الشين وهو خيار المال أي : أمرنا أن نتخيرهما . وقال الشافعي معناه أن نضحي بواسع العينين طويل الأذنين . قوله : ( بمقابلة ) بفتح الموحدة قال في القاموس : هي شاة قطعت أذنها من قدام وتركت معلقة ، ومثله في النهاية إلا أنه لم يقيد بقدام .

                                                                                                                                            قوله : ( ولا مدابرة ) بفتح الموحدة أيضا هي التي قطعت أذنها من جانب وفي القاموس ما لفظه وهو مقابل ومدابر محض من أبويه وأصله من الإقبالة والإدبارة وهو شق في الأذن ثم يفتل ذلك فإن أقبل به فهو إقبالة ، وإن أدبر به فهو إدبارة ، والجلدة المعلقة من الأذن هي الإقبالة والإدبارة كأنها زنمة ، والشاة مدابرة ومقابلة ، وقد دابرها وقابلها انتهى . قوله : ( ولا شرقاء ) هي مشقوقة الأذن طولا كما في القاموس . قوله : ( ولا خرقاء ) [ ص: 141 ] قال في النهاية الخرقاء التي في أذنها خرق مستدير

                                                                                                                                            قوله : ( كنا نسمن ) . . . إلخ فيه استحباب تسمين الأضحية ; لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك لئلا يتشبه باليهود قال النووي : وهذا قول باطل

                                                                                                                                            قوله : ( دم عفراء ) . . . إلخ ، فيه استحباب التضحية بالأعفر من الأنعام ، وأنه أحب إلى الله من أسودين والعفراء على ما في القاموس البيضاء قال أيضا : والأعفر من الظباء ما يعلو بياضه حمرة وأقرانه بيض والأبيض ليس بالشديد البياض انتهى . وحكى في البحر عن الإمام يحيى أنه قال : الأفضل الأبيض ثم الأعفر ثم الأملح والأسمن الأطيب إجماعا لقوله تعالى: { ومن يعظم شعائر الله } وما غلا لنفاسته أفضل مما رخص انتهى . قوله : ( بكبش أقرن ) قد تقدم الكلام على ذلك . قوله : ( فحيل ) فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالخصي . قوله : ( يأكل في سواد ) . . . إلخ معناه أن فمه أسود وقوائمه وحول عينيه وفيه دليل على أنها تستحب التضحية بما كان على هذه الصفة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية