الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3654 350- حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى ، حدثنا إسماعيل ، حدثنا قيس قال : سمعت سعيد بن زيد يقول للقوم : لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته ، وما أسلم ، ولو أن أحدا انقض لما صنعتم بعثمان لكان محقوقا أن ينقض .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث قد مضى عن قريب في إسلام سعيد بن يزيد ، فإنه أخرجه هناك عن قتيبة بن سعيد ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، وهنا أخرجه عن محمد بن المثنى ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، وفيه هناك الاقتصار على ذكر عمر ، وهاهنا لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته .

                                                                                                                                                                                  قوله : " موثقي " مضاف إلى المفعول . قوله : " وأخته " بالنصب : أي أخت عمر ، وهي فاطمة بنت الخطاب زوجة سعيد بن زيد ، وكانا أسلما قبل عمر - رضي الله تعالى عنه - .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن عبد البر : فاطمة هذه أسلمت قديما ، قيل : قبل زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وقيل : مع زوجها ، وقصتها ذكرها ابن سعيد ، قال بإسناده عن أنس بن مالك قال : خرج عمر - رضي الله تعالى عنه - متقلدا السيف ، فلقيه رجل من بني زهرة ، فقال : أين تعمد يا عمر ؟ فقال : أريد أن أقتل محمدا ، قال : وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة إذا قتلت محمدا ؟ وقال له عمر : ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي كنت عليه ، فقال : ألا أدلك على ما هو أعجب من ذلك ؟ قال : وما هو ؟ قال : أختك وختنك قد صبآ وتركا دينك الذي أنت عليه ، فمشى عمر ذا أمر : أي يلوم نفسه على ما فات حتى دخل على أخته فاطمة ، وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، من العشرة ، وعندهما خباب بن الأرت ، رجل من المهاجرين يقرئهم القرآن ، فقال : ما هذه الهنيمة التي أسمعها عندكم ؟ وكانوا يقرؤون ( طه ) فقالوا : ما عدا حديثا تحدثناه بيننا ، فقال : لعلكما قد صبوتما ، فقال له سعيد : يا عمر ، أرأيت إذا كان الحق في غير دينك الذي أنت عليه ، فوثب عمر عليه فوطأه وطأ شديدا ، فجاءت أخته فدفعته عنه ، فنفحها برجله أو بيده نفحة دمى وجهها ، فقالت وهي غضبى : إن كان الحق في غير دينك يا عمر أتشهد أن لا إله إلا الله ، فلما آيس عمر قال : أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم لأقرأه ، وكان عمر يقرأ الكتب ، فقالت له أخته : إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم واغتسل وتوضأ ، فقام وتوضأ ، وأخذ الكتاب فقرأ : طه ما أنـزلنا عليك القرآن لتشقى حتى انتهى إلى قوله : إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري فقال عمر : دلوني على محمد ، فلما سمع خباب قوله خرج من البيت ، أو من تحت السرير ، وقال له : أبشر يا عمر ، فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الخميس : اللهم أيد الإسلام ، أو أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، أو بعمرو بن هشام : يعني أبا جهل ، قال : ورسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - في داره التي عند الصفا ، فانطلق عمر إليها ، وعلى الباب حمزة ، وطلحة ، وناس من الصحابة رضي الله عنهم - ، فخاف القوم منه ، فلما رأى حمزة وجل القوم منه قال : إن يرد الله به خيرا يسلم ، وإلا فقتله علينا هين ، قال : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - داخل الدار يوحى إليه ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ بمجامع ثوبه ، وحمائل سيفه ، وقال : ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ، اللهم هذا عمر بن الخطاب فأعز الدين به ، فقال عمر رضي الله عنه : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، وقال : اخرج يا رسول الله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وما أسلم " : أي والحال أن عمر إذ ذاك لم يكن أسلم . قوله : " انقض " بنون وقاف وضاد معجمة ، وفي رواية الكشميهني : بفاء بدل القاف في الموضعين ، وفي رواية ابن نعيم بالراء والفاء ، ومعانيها متقاربة ، والانقضاض : الإزالة ، والتفرق بالقاف والفاء أيضا ، قال الله تعالى : لانفضوا من حولك أي لتفرقوا .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن فارس : انقض الحائط : وقع ، ومنه : [ ص: 10 ] يريد أن ينقض فأقامه أي ينكسر وينهدم . قوله : " لكان محقوقا " : أي واجبا حقا يقال : حق عليك أن تفعل كذا ، ومحقوق أن تفعل ذلك . قوله : " أن ينقض " كلمة أن مصدرية : أي الانقضاض .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية