( nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29019يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) الآية ، حدث الحارث بن ضرار قال : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعاني إلى الإسلام ، فأسلمت ، وإلى الزكاة فأقررت بها ، فقلت : أرجع إلى قومي وأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة ، فمن أجابني جمعت زكاته ، فترسل من يأتيك بما جمعت . فلما جمع ممن استجاب له ، وبلغ الوقت الذي أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث إليه ، واحتبس عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال لسروات قومه : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت لي وقتا إلى من يقبض الزكاة ، وليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلف ، ولا أرى حبس الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا من سخطه . فانطلقوا بها إليه ، وكان عليه السلام بعث الوليد بن الحارث ، ففرق ، فرجع فقال : منعني الحارث الزكاة وأراد قتلي ، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البعث إلى الحارث ، فاستقبل الحارث البعث وقد فصل من المدينة ، فقالوا : هذا الحارث ، إلى من بعثتم ؟ قالوا : إليك قال : ولم ؟ فقالوا : بعث إليك الوليد ، فرجع وزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله ، قال : لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيت رسولك ، ولا أتاني ، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسولك خشية أن يكون سخطة من الله ورسوله ، قال : فنزلت هذه الآية .
وفاسق وبنبأ مطلقان ، فيتناول اللفظ كل واحد على جهة البدل ، وتقدم قراءة فتبينوا و " فتثبتوا " في سورة النساء ، وهو أمر يقتضي أن لا يعتمد على كلام الفاسق ، ولا يبنى عليه حكم . وجاء الشرط بحرف " إن " المقتضي للتعليق في الممكن ، لا بالحرف المقتضي للتحقيق ، وهو إذا ، لأن مجيء الرجل الفاسق للرسول وأصحابه بالكذب ، إنما كان على سبيل الندرة . وأمروا بالتثبت عند مجيئه لئلا يطمع في قبول ما يلقيه إليهم ، ونبأ ما يترتب على كلامه . فإذا كانوا بمثابة التبين والتثبت كف عن مجيئهم بما يريد . (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6أن تصيبوا ) : مفعول له ، أي كراهة أن تصيبوا ، أو لئلا تصيبوا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6بجهالة ) حال ، أي جاهلين بحقيقة الأمر معتمدين على خبر الفاسق ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6فتصبحوا ) : فتصيروا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6على ما فعلتم ) : من إصابة القوم بعقوبة بناء على خبر الفاسق ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6نادمين ) : مقيمين على فرط منكم ، متمنين أنه لم يقع . ومفهوم (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إن جاءكم فاسق ) : قبول كلام غير الفاسق ، وأنه لا يتثبت عنده ، وقد يستدل به على قبول خبر الواحد العدل . وقال
قتادة : لما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374887التثبت من الله والعجلة من الشيطان " . وقال
مقلد بن سعيد : هذه الآية ترد على من قال : إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة ، لأن الله تعالى
[ ص: 110 ] أمر بالتبين قبل القبول . انتهى . وليس كما ذكر ، لأنه ما أمر بالتبيين إلا عند مجيء الفاسق ، لا مجيء المسلم ، بل بشرط الفسق . والمجهول الحال يحتمل أن يكون فاسقا ، فالاحتياط لازم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7واعلموا أن فيكم رسول الله ) : هذا توبيخ لمن يكذب للرسول عليه الصلاة والسلام ، ووعيد بالنصيحة . ولا يصدر ذلك إلا ممن هو شاك في الرسالة ، لأن الله تعالى لا يترك نبيه يعتمد على خبر الفاسق ، بل بين له ذلك . والظاهر أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7واعلموا أن فيكم رسول الله ) كلام تام ، أمرهم بأن يعلموا أن الذي هو بين ظهرانيكم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا تخبروه بما لا يصح ، فإنه رسول الله يطلعه على ذلك .
ثم أخبر تعالى أن رسوله لو أطاعكم في كثير من الأمر الذي يؤدي إليه اجتهادكم وتقدمكم بين يديه (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7لعنتم ) : أي لشق عليكم . وقال
مقاتل : لأثمتم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : والجملة المصدرة بلو لا تكون كلاما مستأنفا لأدائه إلى تنافر النظم ، ولكن متصلا بما قبله حالا من أحد الضميرين في فيكم المستتر المرفوع ، أو البارز المجرور ، وكلاهما مذهب سديد ، والمعنى : أن فيكم رسول الله ، وأنتم على حالة يجب عليكم تغييرها ، وهو أنكم تحاولون منه أن يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعن لكم من رأي واستصواب فعل المطواع لغيره والتابع له فيما يرتئيه المحتذي على أمثلته ، ولو فعل ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7لعنتم ) : أي لوقعتم في الجهد والهلاك .
وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيقاع
ببني المصطلق ، وتصديق قول
الوليد ، وأن نظائر ذلك من الهنات كانت تفرط منهم ، وأن بعضهم كانوا يتصونون ، ويزعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على ذلك ، وهم الذين استثناهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7ولكن الله حبب إليكم الإيمان ) : أي إلى بعضكم ، ولكنه أغنت عن ذكر البعض صفتهم المفارقة لصفة غيرهم ، وهذا من إيجازات القرآن ولمحاته اللطيفة التي لا يفطن إليها إلا الخواص . وعن بعض المفسرين : هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى . انتهى ، وفيه تكثير . ولا بعد أن تكون الجملة المصدرة بلو مستأنفة لا حالا ، فلا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب . وتقديم خبر أن على اسمها قصد إلى توبيخ بعض المؤمنين على ما استهجن من استتباعهم رأي الرسول - صلى الله عليه وسلم - لآرائهم ، فوجب تقديمه لانصباب الغرض إليه . وقيل : يطيعكم دون أطاعكم ، للدلالة على أنه كان في إرادتهم استمرار عملهم على ما يستصوبونه ، وأنه كلما عن لهم رأي في أمر كان معمولا عليه بدليل قوله في كثير من الأمر . وشريطة لكن مفقودة من مخالفة ما بعدها لما قبلها من حيث اللفظ ، حاصلة من حيث المعنى ، لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المتقدم ذكرهم فوقعت لكن في حاق موقعها من الاستدراك . انتهى ، وهو ملتقط من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أيضا : ومعنى تحبيب الله وتكريهه : اللطف والإمداد بالتوفيق وسبيله الكناية ، كما سبق وكل ذي لب وراجع إلى بصيرة وذهن لا يغبا عليه أن الرجل لا يمدح بفعل غيره . وحمل الآية على ظاهرها يؤدي إلى أن يثني عليهم بفعل الله ، وقد نفى الله هذا عن الذين أنزل فيهم : ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا . انتهى ، وهي على طريق الاعتزال . وعن
الحسن : حبب الإيمان بما وصف من الثناء عليه ، وكره الثلاثة بما وصف من العقاب . انتهى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7أولئك هم الراشدون ) : التفات من الخطاب إلى الغيبة . (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فضلا من الله ونعمة ) ، قال
ابن عطية : مصدر مؤكد لنفسه ، لأن ما قبله هو بمعناه ، إذ التحبيب والتزيين هو نفس الفضل . وقال
الحوفي : فضلا نصب على الحال . انتهى ، ولا يظهر هذا الذي قاله . وقال
أبو البقاء : مفعول له ، أو مصدر في معنى ما تقدم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فضلا مفعول له ، أو مصدر من غير فعله . فإن قلت : من أين جاز وقوعه مفعولا له ، والرشد فعل القوم ، والفضل فعل الله تعالى ، والشرط أن
[ ص: 111 ] يتحد الفاعل ؟ قلت : لما وقع الرشد عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه ، تقدست أسماؤه ، وصار الرشد كأنه فعله ، فجاز أن ينتصب عنه ولا ينتصب عن (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7الراشدون ) ، ولكن عن الفعل المسند إلى اسم الله تعالى .
والجملة التي هي (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7أولئك هم الراشدون ) اعتراض ، أو عن فعل مقدر ، كأنه قيل : جرى ذلك ، أو كان ذلك فضلا من الله . وأما كونه مصدرا من غير فعله ، فأن يوضع موضع رشدا ، لأن رشدهم فضل من الله لكونهم موفقين فيه ، والفضل والنعمة بمعنى الإفضال والإنعام . (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8والله عليم ) بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8حكيم ) حين يفضل وينعم بالتوفيق على أفاضلهم . انتهى . أما توجيهه كون فضلا مفعولا من أجله ، فهو على طريق الاعتزال . وأما تقديره أو كان ذلك فضلا ، فليس من مواضع إضمار كان ، ولذلك شرط مذكور في النحو .
( nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=29019يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ) الْآيَةَ ، حَدَّثَ الْحَارِثُ بْنُ ضِرَارٍ قَالَ : قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمْتُ ، وَإِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ بِهَا ، فَقُلْتُ : أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي وَأَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ ، فَمَنْ أَجَابَنِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ ، فَتُرْسِلُ مَنْ يَأْتِيكَ بِمَا جَمَعْتُ . فَلَمَّا جَمَعَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ ، وَبَلَغَ الْوَقْتُ الَّذِي أَرَادَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ ، وَاحْتَبَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ لِسَرَوَاتِ قَوْمِهِ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِي وَقْتًا إِلَى مَنْ يَقْبِضُ الزَّكَاةَ ، وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُلْفُ ، وَلَا أَرَى حَبْسَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مِنْ سُخْطِهِ . فَانْطَلَقُوا بِهَا إِلَيْهِ ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ الْحَارِثِ ، فَفَرَقَ ، فَرَجَعَ فَقَالَ : مَنَعَنِي الْحَارِثُ الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِي ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ ، فَاسْتَقْبَلَ الْحَارِثُ الْبَعْثَ وَقَدْ فَصَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالُوا : هَذَا الْحَارِثُ ، إِلَى مَنْ بُعِثْتُمْ ؟ قَالُوا : إِلَيْكَ قَالَ : وَلِمَ ؟ فَقَالُوا : بُعِثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدُ ، فَرَجَعَ وَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ ، قَالَ : لَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ رَسُولَكَ ، وَلَا أَتَانِي ، وَمَا أَقْبَلْتُ إِلَّا حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ سُخْطَةً مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
وَفَاسِقٌ وَبِنَبَأٍ مُطْلَقَانِ ، فَيَتَنَاوَلُ اللَّفْظُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ ، وَتَقَدَّمَ قِرَاءَةُ فَتَبَيَّنُوا وَ " فَتَثَبَّتُوا " فِي سُورَةِ النِّسَاءِ ، وَهُوَ أَمْرٌ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُعْتَمَدَ عَلَى كَلَامِ الْفَاسِقِ ، وَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ حَكْمٌ . وَجَاءَ الشَّرْطُ بِحَرْفِ " إِنْ " الْمُقْتَضِي لِلتَّعْلِيقِ فِي الْمُمْكِنِ ، لَا بِالْحَرْفِ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْقِيقِ ، وَهُوَ إِذَا ، لِأَنَّ مَجِيءَ الرَّجُلِ الْفَاسِقِ لِلرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ بِالْكَذِبِ ، إِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ . وَأُمِرُوا بِالتَّثَبُّتِ عِنْدَ مَجِيئِهِ لِئَلَّا يَطْمَعَ فِي قَبُولِ مَا يُلْقِيهِ إِلَيْهِمْ ، وَنَبَأُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَلَامِهِ . فَإِذَا كَانُوا بِمَثَابَةِ التَّبَيُّنِ وَالتَّثَبُّتِ كَفَّ عَنْ مَجِيئِهِمْ بِمَا يُرِيدُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6أَنْ تُصِيبُوا ) : مَفْعُولٌ لَهُ ، أَيْ كَرَاهَةَ أَنْ تُصِيبُوا ، أَوْ لِئَلَّا تُصِيبُوا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6بِجَهَالَةٍ ) حَالٌ ، أَيْ جَاهِلِينَ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ مُعْتَمِدِينَ عَلَى خَبَرِ الْفَاسِقِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6فَتُصْبِحُوا ) : فَتَصِيرُوا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6عَلَى مَا فَعَلْتُمْ ) : مِنْ إِصَابَةِ الْقَوْمِ بِعُقُوبَةٍ بِنَاءً عَلَى خَبَرِ الْفَاسِقِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6نَادِمِينَ ) : مُقِيمِينَ عَلَى فَرْطٍ مِنْكُمْ ، مُتَمَنِّينَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ . وَمَفْهُومُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ ) : قَبُولُ كَلَامِ غَيْرِ الْفَاسِقِ ، وَأَنَّهُ لَا يُتَثَبَّتُ عِنْدَهُ ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10374887التَّثَبُّتُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ " . وَقَالَ
مُقَلَّدُ بْنُ سَعِيدٍ : هَذِهِ الْآيَةُ تَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ حَتَّى تَثْبُتَ الْجَرْحَةُ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
[ ص: 110 ] أَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ قَبْلَ الْقَبُولِ . انْتَهَى . وَلَيْسَ كَمَا ذُكِرَ ، لِأَنَّهُ مَا أَمَرَ بِالتَّبْيِينِ إِلَّا عِنْدَ مَجِيءِ الْفَاسِقِ ، لَا مَجِيءِ الْمُسْلِمِ ، بَلْ بِشَرْطِ الْفِسْقِ . وَالْمَجْهُولُ الْحَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا ، فَالِاحْتِيَاطُ لَازِمٌ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ) : هَذَا تَوْبِيخٌ لِمَنْ يُكَذِّبُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَوَعِيدٌ بِالنَّصِيحَةِ . وَلَا يَصْدُرُ ذَلِكَ إِلَّا مِمَّنْ هُوَ شَاكٌّ فِي الرِّسَالَةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتْرُكُ نَبِيَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى خَبَرِ الْفَاسِقِ ، بَلْ بَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ) كَلَامٌ تَامٌّ ، أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي هُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَا تُخْبِرُوهُ بِمَا لَا يَصِحُّ ، فَإِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ يُطْلِعُهُ عَلَى ذَلِكَ .
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ لَوْ أَطَاعَكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَادُكُمْ وَتَقَدُّمُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7لَعَنِتُّمْ ) : أَيْ لَشَقَّ عَلَيْكُمْ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : لَأَثِمْتُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالْجُمْلَةُ الْمُصَدَّرَةُ بِلَوْ لَا تَكُونُ كَلَامًا مُسْتَأْنِفًا لِأَدَائِهِ إِلَى تَنَافُرِ النَّظْمِ ، وَلَكِنْ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ حَالًا مِنْ أَحَدِ الضَّمِيرَيْنِ فِي فِيكُمُ الْمُسْتَتِرِ الْمَرْفُوعِ ، أَوِ الْبَارِزِ الْمَجْرُورِ ، وَكِلَاهُمَا مَذْهَبٌ سَدِيدٌ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَنْتُمْ عَلَى حَالَةٍ يَجِبُ عَلَيْكُمْ تَغْيِيرُهَا ، وَهُوَ أَنَّكُمْ تُحَاوِلُونَ مِنْهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْحَوَادِثِ عَلَى مُقْتَضَى مَا يَعِنُّ لَكُمْ مِنْ رَأْيٍ وَاسْتِصْوَابِ فِعْلِ الْمِطْوَاعِ لِغَيْرِهِ وَالتَّابِعِ لَهُ فِيمَا يَرْتَئِيهِ الْمُحْتَذِي عَلَى أَمْثِلَتِهِ ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7لَعَنِتُّمْ ) : أَيْ لَوَقَعْتُمْ فِي الْجَهْدِ وَالْهَلَاكِ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ زَيَّنُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِيقَاعَ
بِبَنِي الْمُصْطَلَقِ ، وَتَصْدِيقَ قَوْلِ
الْوَلِيدِ ، وَأَنَّ نَظَائِرَ ذَلِكَ مِنَ الْهَنَاتِ كَانَتْ تَفْرُطُ مِنْهُمْ ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَتَصَوَّنُونَ ، وَيَزَعُهُمْ جِدُّهُمْ فِي التَّقْوَى عَنِ الْجَسَارَةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُمُ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ ) : أَيْ إِلَى بَعْضِكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَغْنَتْ عَنْ ذِكْرِ الْبَعْضِ صِفَتَهُمُ الْمُفَارِقَةَ لِصِفَةِ غَيْرِهِمْ ، وَهَذَا مِنْ إِيجَازَاتِ الْقُرْآنِ وَلَمَحَاتِهِ اللَّطِيفَةِ الَّتِي لَا يَفْطِنُ إِلَيْهَا إِلَّا الْخَوَاصُّ . وَعَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ : هُمُ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى . انْتَهَى ، وَفِيهِ تَكْثِيرٌ . وَلَا بُعْدَ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الْمُصَدَّرَةُ بِلَوْ مُسْتَأْنَفَةً لَا حَالًا ، فَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ . وَتَقْدِيمُ خَبَرِ أَنَّ عَلَى اسْمِهَا قَصْدٌ إِلَى تَوْبِيخِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا اسْتُهْجِنَ مِنِ اسْتِتْبَاعِهِمْ رَأْيَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِآرَائِهِمْ ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ لِانْصِبَابِ الْغَرَضِ إِلَيْهِ . وَقِيلَ : يُطِيعُكُمْ دُونَ أَطَاعَكُمْ ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي إِرَادَتِهِمُ اسْتِمْرَارُ عَمَلِهِمْ عَلَى مَا يَسْتَصْوِبُونَهُ ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا عَنَّ لَهُمْ رَأْيٌ فِي أَمْرٍ كَانَ مَعْمُولًا عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ . وَشَرِيطَةُ لَكِنَّ مَفْقُودَةٌ مِنْ مُخَالَفَةِ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ ، حَاصِلَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، لِأَنَّ الَّذِينَ حَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ قَدْ غَايَرَتْ صِفَتُهُمْ صِفَةَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ فَوَقَعَتْ لَكِنَّ فِي حَاقِّ مَوْقِعِهَا مِنَ الِاسْتِدْرَاكِ . انْتَهَى ، وَهُوَ مُلْتَقَطٌ مِنْ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْضًا : وَمَعْنَى تَحْبِيبِ اللَّهِ وَتَكْرِيهِهِ : اللُّطْفُ وَالْإِمْدَادُ بِالتَّوْفِيقِ وَسَبِيلُهُ الْكِنَايَةُ ، كَمَا سَبَقَ وَكُلُّ ذِي لُبٍّ وَرَاجِعٍ إِلَى بَصِيرَةٍ وَذِهْنٍ لَا يَغْبَا عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُمْدَحُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ . وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِمْ بِفِعْلِ اللَّهِ ، وَقَدْ نَفَى اللَّهُ هَذَا عَنِ الَّذِينَ أَنْزَلَ فِيهِمْ : وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا . انْتَهَى ، وَهِيَ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِزَالِ . وَعَنِ
الْحَسَنِ : حَبَّبَ الْإِيمَانَ بِمَا وَصَفَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَكَرَّهَ الثَّلَاثَةَ بِمَا وَصَفَ مِنَ الْعِقَابِ . انْتَهَى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) : الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ) ، قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِنَفْسِهِ ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ هُوَ بِمَعْنَاهُ ، إِذِ التَّحْبِيبُ وَالتَّزْيِينُ هُوَ نَفْسُ الْفَضْلِ . وَقَالَ
الْحَوْفِيُّ : فَضْلًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ . انْتَهَى ، وَلَا يَظْهَرُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ . وَقَالَ
أَبُو الْبَقَاءِ : مَفْعُولٌ لَهُ ، أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَضْلًا مَفْعُولٌ لَهُ ، أَوْ مَصْدَرٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ . فَإِنْ قُلْتَ : مِنْ أَيْنَ جَازَ وُقُوعُهُ مَفْعُولًا لَهُ ، وَالرُّشْدُ فِعْلُ الْقَوْمِ ، وَالْفَضْلُ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالشَّرْطُ أَنْ
[ ص: 111 ] يَتَّحِدَ الْفَاعِلُ ؟ قُلْتُ : لَمَّا وَقَعَ الرُّشْدُ عِبَارَةً عَنِ التَّحْبِيبِ وَالتَّزْيِينِ وَالتَّكْرِيهِ مُسْنَدَةً إِلَى اسْمِهِ ، تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ، وَصَارَ الرُّشْدُ كَأَنَّهُ فِعْلُهُ ، فَجَازَ أَنْ يَنْتَصِبَ عَنْهُ وَلَا يَنْتَصِبَ عَنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7الرَّاشِدُونَ ) ، وَلَكِنْ عَنِ الْفِعْلِ الْمُسْنَدِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالْجُمْلَةُ الَّتِي هِيَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ) اعْتِرَاضٌ ، أَوْ عَنْ فِعْلٍ مُقَدَّرٍ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : جَرَى ذَلِكَ ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ . وَأَمَّا كَوْنُهُ مَصْدَرًا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ ، فَأَنْ يُوضَعَ مَوْضِعَ رُشْدًا ، لِأَنَّ رُشْدَهُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لِكَوْنِهِمْ مُوَفَّقِينَ فِيهِ ، وَالْفَضْلُ وَالنِّعْمَةُ بِمَعْنَى الْإِفْضَالِ وَالْإِنْعَامِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8وَاللَّهُ عَلِيمٌ ) بِأَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا بَيْنَهُمْ مِنَ التَّمَايُزِ وَالتَّفَاضُلِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8حَكِيمٌ ) حِينَ يُفَضِّلُ وَيُنْعِمُ بِالتَّوْفِيقِ عَلَى أَفَاضِلِهِمْ . انْتَهَى . أَمَّا تَوْجِيهُهُ كَوْنُ فَضْلًا مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ ، فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِزَالِ . وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فَضْلًا ، فَلَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ إِضْمَارِ كَانَ ، وَلِذَلِكَ شَرْطٌ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ .