الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير

                                                                                                                                                                                                                                        إذا ألقوا فيها يعني الكفار ألقوا في جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 53 ]

                                                                                                                                                                                                                                        سمعوا لها شهيقا فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن الشهيق من الكفار عند إلقائهم في النار .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن الشهيق لجهنم عند إلقاء الكفار فيها ، قال ابن عباس : تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف . وفي الشهيق ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن الشهيق في الصدور ، قاله الربيع بن أنس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه الصياح ، قاله ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أن الشهيق هو آخر نهيق الحمار ، والزفير مثل أول نهيق الحمار ، وقيل إن الزفير من الحلق ، والشهيق من الصدر . وهي تفور أي تغلي ، ومنه قول الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        تركتم قدركم لا شيء فيها وقدر القوم حامية تفور



                                                                                                                                                                                                                                        تكاد تميز من الغيظ . . . فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : تنقطع ، قاله سعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : تتفرق ، قاله ابن عباس والضحاك . وقوله (من الغيط) فيه ها هنا وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه الغليان ، قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        فيا قلب مهلا وهو غضبان قد غلا     من الغيظ وسط القوم ألا يثبكا



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه الغضب ، يعني غضبا على أهل المعاصي وانتقاما لله منهم . ألم يأتكم نذير فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن النذر من الجن ، والرسل من الإنس ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنهم الرسل والأنبياء ، واحدهم نذير ، قاله السدي . فسحقا لأصحاب السعير فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : فبعدا لأصحاب السعير يعني جهنم ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه واد من جهنم يسمى سحقا ، قاله ابن جبير وأبو صالح ، وفي هذا الدعاء إثبات لاستحقاق الوعيد .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 54 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية