الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وانشقت السماء أي : انفطرت وتميز بعضها من بعض فهي يوم إذ انشقت ( واهية ) : ضعيفة لتشققها بعد أن كانت شديدة أأنتم أشد خلقا أم السماء أو منخرقة ، كما يقال : وهي السقاء انخرق . وقيل انشقاقها لنزول الملائكة ، قال تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا . وقيل : انشقاقها لهول يوم القيامة . والملك على أرجائها . قال ابن عباس : على حافاتها حين تنشق ، والظاهر أن الضمير في حافاتها عائد على السماء . وقال ابن جبير والضحاك : على حافات الأرض ، ينزلون إليها يحفظون أطرافها ، وإن لم يجر لها ذكر قريب . كما روي أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا ، فيقفون صفا على حافات الأرض ، ثم ملائكة الثانية فيصفون حولهم ، ثم ملائكة كل سماء ، فكلما ند أحد من الجن والإنس وجد الأرض أحيط بها . ( والملك ) : اسم جنس يراد به الملائكة . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) ما الفرق بين قولك : ( والملك ) وبين أن يقال والملائكة ؟ ( قلت ) : الملك أعم من الملائكة . ألا ترى أن قولك ما من ملك إلا وهو شاهد ، أعم من قولك ما من ملائكة ؟ انتهى . ولا يظهر أن الملك أعم من الملائكة ; لأن المفرد المحلى بالألف واللام الجنسية قصاراه أن يراد به الجمع المحلى بهما ، ولذلك صح الاستثناء منه ، فقصاراه أن يكون كالجمع المحلى بهما . وأما دعواه أنه أعم منه بقوله ألا ترى إلخ ، فليس دليلا على دعواه ; لأن من ملك نكرة مفردة في سياق النفي قد دخلت عليها ( من ) المخلصة للاستغراق ، فشملت كل ملك ، فاندرج تحتها الجمع لوجود الفرد فيه ; فانتفى كل فرد فرد ، بخلاف ( من ملائكة ) فإن ( من ) دخلت على جمع منكر ، فعم كل جمع جمع من الملائكة ، ولا يلزم من ذلك انتفاء كل فرد فرد من الملائكة . لو قلت : ما في الدار من رجال ، جاز أن يكون فيها واحد ; لأن النفي إنما انسحب على جمع ، ولا يلزم من انتفاء الجمع أن ينتفي المفرد . " والملك " في الآية ليس في سياق نفي دخلت عليه ( من ) فيكون [ ص: 324 ] أعم من جمع دخلت عليه ( من ) وإنما جيء به مفردا لأنه أخف ; ولأن قوله : على أرجائها يدل على الجمع ; لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون على أرجائها في وقت واحد ، بل في أوقات . والمراد ، والله تعالى أعلم ، أن الملائكة على أرجائها ، لا أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات . وقال الزمخشري : يعني أنها تنشق ، وهي مسكن الملائكة ، فينضوون إلى أطرافها وما حولها من حافاتها . انتهى . والضمير في " فوقهم " عائد على " الملك " ضمير جمع على المعنى ; لأنه يراد به الجنس ، قال معناه الزمخشري . وقيل : يعود على الملائكة الحاملين ، أي : فوق رؤوسهم . وقيل : على العالم كلهم . والظاهر أن التمييز المحذوف في قوله : ( ثمانية ) أملاك ، أي : ثمانية أشخاص من الملائكة . وعن الضحاك : ثمانية صفوف . وعن الحسن ، الله أعلم كم هم ، أثمانية صفوف أم ثمانية أشخاص ؟ وذكروا في صفات هؤلاء الثمانية أشكالا متكاذبة ضربنا عن ذكرها صفحا .

( يومئذ ) أي : يوم إذ كان ما ذكر ( تعرضون ) أي : للحساب ، و " تعرضون " هو جواب قوله : فإذا نفخ . فإن كانت النفخة هي الأولى ، فجاز ذلك ; لأنه اتسع في اليوم فجعل ظرفا للنفخ ، ووقوع الواقعة وجميع الكائنات بعدها ، وإن كانت النفخة هي الثانية ، فلا يحتاج إلى اتساع ; لأن قوله : ( فيومئذ ) معطوف على " فإذا " ، و يومئذ تعرضون بدل من ( فيومئذ ) وما بعد هذه الظروف واقع في يوم القيامة . والخطاب في ( تعرضون ) لجميع العالم المحاسبين . وعن عبد الله رأى موسى في القيامة عرضتان فيهما معاذير وتوقيف وخصومات ، وثالثة تتطاير فيها الصحف للأيمان والشمائل . وقرأ الجمهور : لا تخفى بتاء التأنيث . و علي وابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وابن مقسم ، عن عاصم وابن سعدان : بالياء ( خافية ) : سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية