الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما أهل مكة والحرم وحاضريه وهو ما بينه وبين الحرم مسافة لا تقصر في مثلها الصلاة ، فلا دم عليهم في التمتع والقران معا نص عليه الشافعي : ولا يكره لهم ذلك ، وقال أبو حنيفة يكره لهم التمتع والقران ، فإن فعلوا فعليهم دم كغيرهم ، واستدل على كراهة ذلك لهم بقوله تعالى : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام [ البقرة : 196 ] ، فاستثنى حاضري المسجد الحرام في إباحة التمتع ، وهذا خطأ لقوله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج [ البقرة : 196 ] ، وهذا شرط ثم قال : فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] ، وهذا جزاء ثم قال : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام [ البقرة : 196 ] ، وهذا استثناء يرجع إلى الدم الذي هو الخبر لا إلى الشرط كقوله : من دخل الدار فأعطه درهما إلا أن يكون مكيا تقديره فلا تعطه شيئا ، ولأن قوله : " فمن تمتع بالعمرة " إخبار وقوله : " فما استيسر من الهدي " حكم ، وقوله " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " استثناء ، ولا يجوز أن يرجع الاستثناء إلى مجرد الخبر ، لأنه لا يصح أن يقول : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلا أن يكون من حاضري المسجد الحرام ، فعلم أن الاستثناء راجع إلى الحكم ، وهو الدم فصار تقدير الآية : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ، إلا أن يكون من حاضري المسجد الحرام فلا دم عليه ، ولأن كل نسك جاز لأهل الآفاق جاز لأهل مكة كالإفراد ، ولأن كل من جاز له الإفراد جاز له التمتع والقران كأهل الآفاق ، ولأن كل ما لا يكره لغير أهل مكة لا يكره لأهل مكة كسائر العبادات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية