[ ص: 3974 ] ولقد اشتد المشركون في الإنكار، ومالأهم على ذلك اليهود.
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30614_32416_32429_34164_34199_28984nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب .
ذكر سبحانه بعض مكر المشركين وغيرهم التي يقصدون بها تحويل المؤمنين وفتنتهم عن دينهم، فذكر أنهم يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43لست مرسلا فهم يسلمون بأن لله رسالة، ولكن لست من أصحابها، فالله لم يرسلك، وهم بهذا ينكرون رسالة
محمد - صلى الله عليه وسلم -، وينكرون أن يكون له معجزة دالة على هذه الرسالة، ويريدون آيات أخرى غير القرآن، إذ لا يعدون القرآن آية، وما كان للنبي أن يأخذ كلامهم أخذ من يعتبره، وقد قام الدليل عليه بالتحدي، وإدراك أهل الذكر منهم ما فيه من نسق، ووثيق نظم، ولذا أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم أي كفى الله شهيدا بيني وبينكم، فهو الحق وشهادته الحق، وليست شهادته كلاما يردد، ولكن شهادته معجزة تفحم، وقد جاءت الخوارق تترى بشهادة الحق في كل ما ترون من حياته، وما أحاط بها، وما دبرتم وقد رد تدبيركم في نحوركم، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43كفى بالله شهيدا بيني وبينكم فيه تهديد لهم بما يكون لإنكارهم من عواقب وخيمة عليهم تنصر أهل الحق.
ويصح أن تقول: (شهيدا) معناه حاكم، لأن الشهادة تجيء بمعنى الحكم، كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26وشهد شاهد من أهلها والمعنى وكفى بالله حاكما بيني وبينكم، ويرشح لهذا المعنى عبارة
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43بيني وبينكم فالحكم هو الذي يكون بين اثنين، وأما الشهادة فتكون لأحد الفريقين على الآخر. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43ومن عنده علم الكتاب الكتاب إما أن يراد جنس الكتاب، ومن عنده علم الكتاب هو العالم بالكتب السماوية قبل تحريفها، فإنها تشهد بنبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وتحكم بأنه رسول، هذا التبشير بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في التوراة والإنجيل،
[ ص: 3975 ] ولا تزال آثاره معها باقية إلى اليوم تعرف برموزها لمن عنده علم بالكتاب، هذا إذا كان المراد جنس الكتاب، ومن عنده علم بكتاب أهل الفقه المخلصين من الكتابيين.
وإذا أردنا الكتاب وكانت (أل) للعهد، يكون المراد هو القرآن الكريم، ومن عنده علم القرآن هو العليم بأساليب الكلام العربي يعرف شعره ورجزه، وإرساله ونثره، ويعرف ما في الكلام، كما روي عن فصحاء
العرب، فإن هؤلاء يشهدون بإعجازه كما يقول قائلهم: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، ما يقول هذا بشر، وإنه ليعلو، ولا يعلى عليه.
هذا وإني أرى الوجه الثاني، وكلاهما عميق في معناه.
* * *
[ ص: 3974 ] وَلَقَدِ اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ فِي الْإِنْكَارِ، وَمَالَأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْيَهُودُ.
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30614_32416_32429_34164_34199_28984nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ .
ذَكَرَ سُبْحَانَهُ بَعْضَ مَكْرِ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمُ الَّتِي يَقْصِدُونَ بِهَا تَحْوِيلَ الْمُؤْمِنِينَ وَفِتْنَتَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَذَكَرَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43لَسْتَ مُرْسَلا فَهُمْ يُسَلِّمُونَ بِأَنَّ لِلَّهِ رِسَالَةً، وَلَكِنْ لَسْتَ مِنْ أَصْحَابِهَا، فَاللَّهُ لَمْ يُرْسِلْكَ، وَهُمْ بِهَذَا يُنْكِرُونَ رِسَالَةَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُعْجِزَةٌ دَالَّةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَيُرِيدُونَ آيَاتٍ أُخْرَى غَيْرَ الْقُرْآنِ، إِذْ لَا يَعُدُّونَ الْقُرْآنَ آيَةً، وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَأْخُذَ كَلَامَهُمْ أَخْذَ مَنْ يَعْتَبِرُهُ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ بِالتَّحَدِّي، وَإِدْرَاكِ أَهْلِ الذِّكْرِ مِنْهُمْ مَا فِيهِ مِنْ نَسَقٍ، وَوَثِيقِ نَظْمٍ، وَلِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَيْ كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَهُوَ الْحَقُّ وَشَهَادَتُهُ الْحَقُّ، وَلَيْسَتْ شَهَادَتُهُ كَلَامًا يُرَدَّدُ، وَلَكِنَّ شَهَادَتَهُ مُعْجِزَةٌ تُفْحِمُ، وَقَدْ جَاءَتِ الْخَوَارِقُ تَتْرَى بِشَهَادَةِ الْحَقِّ فِي كُلِّ مَا تَرَوْنَ مِنْ حَيَاتِهِ، وَمَا أَحَاطَ بِهَا، وَمَا دَبَّرْتُمْ وَقَدْ رَدَّ تَدْبِيرُكُمْ فِي نُحُورِكُمْ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِيهِ تَهْدِيدٌ لَهُمْ بِمَا يَكُونُ لِإِنْكَارِهِمْ مِنْ عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ عَلَيْهِمْ تَنْصُرُ أَهْلَ الْحَقِّ.
وَيَصِحُّ أَنْ تَقُولَ: (شَهِيدًا) مَعْنَاهُ حَاكِمٌ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَجِيءُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=26وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا وَالْمَعْنَى وَكَفَى بِاللَّهِ حَاكِمًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَيُرَشِّحُ لِهَذَا الْمَعْنَى عِبَارَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَالْحُكْمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فَتَكُونُ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ الْكِتَابُ إِمَّا أَنْ يُرَادَ جِنْسُ الْكِتَابِ، وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ هُوَ الْعَالِمُ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ قَبْلَ تَحْرِيفِهَا، فَإِنَّهَا تَشْهَدُ بِنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْكُمُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ، هَذَا التَّبْشِيرُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ،
[ ص: 3975 ] وَلَا تَزَالُ آثَارُهُ مَعَهَا بَاقِيَةً إِلَى الْيَوْمِ تُعْرَفُ بِرُمُوزِهَا لِمَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالْكِتَابِ، هَذَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ جِنْسَ الْكِتَابِ، وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِكِتَابِ أَهْلِ الْفِقْهِ الْمُخْلِصِينَ مِنَ الْكِتَابِيِّينَ.
وَإِذَا أَرَدْنَا الْكِتَابَ وَكَانَتْ (أَلْ) لِلْعَهْدِ، يَكُونُ الْمُرَادُ هُوَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْقُرْآنِ هُوَ الْعَلِيمُ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ يَعْرِفُ شِعْرَهُ وَرَجَزَهُ، وَإِرْسَالَهُ وَنَثْرَهُ، وَيَعْرِفُ مَا فِي الْكَلَامِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ فُصَحَاءِ
الْعَرَبِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَشْهَدُونَ بِإِعْجَازِهِ كَمَا يَقُولُ قَائِلُهُمْ: إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ، مَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو، وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ.
هَذَا وَإِنِّي أَرَى الْوَجْهَ الثَّانِيَ، وَكِلَاهُمَا عَمِيقٌ فِي مَعْنَاهُ.
* * *