وقد بين الله تعالى مع ذلك أن ما يفعلون من نفع في الدنيا لأنه ينقصه الإيمان، يذهب هباء، فقال عز من قائل:
nindex.php?page=treesubj&link=28902_30539_30551_34513_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد [ ص: 4011 ] المثل: الصفة الغريبة، وغرابتها ليست في ذاتها فقط، إنما كانت غرابتها لأنها جاءت على خلاف ما يزعمون، إذ يزعمون أولا: أن أوثانهم ستكون شفيعة لهم، وكانوا يفعلون أمورا يحسبونها من مكارم الأخلاق كإكرام الضيفان وإغاثة الملهوف أحيانا، كما فعل بعض كبرائهم في حلف الفضول، ويحسبون ذلك عملا طيبا، ولو كان مقصده المفاخرة والمباهاة. ثانيا، ويرون أنهم الكبراء الذين لا تنسى محامدهم ثالثا، لكنهم يرونها يوم القيامة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف أي حال الذين كفروا بربهم، أي جحدوا بربهم الذي خلقهم وأنشأهم وقام على شئونهم وربهم وحفظهم، حالهم الغريبة أعمالهم كرماد اشتدت به الريح، وفي قراءة الرياح، وهذه الجملة على الخبر أو دالة عليه.
وقد شبه الله سبحانه وتعالى أعمالهم بالرماد الذي تأتي عليه الريح عاصفة شديدة الهبوب فتثيره فتكون رمادا يتبدد، يغبر به الجو، ثم لا يبقى منه شيء إلا الغبار الذي يصيب أعينهم ويفسد جوهم، والريح هو العاصف، ولكن وصف اليوم بأنه العاصف من باب إطلاق الزمن على اسم ما يحل فيه، كيوم ماطر، ويوم صائف، ويوم صائم.
وذلك لاستغراق عصف الرياح لليوم كله، حتى كأنه اليوم الذي اتصف بالعصف ليس غيره.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18اشتدت به الريح مشتقة من الشد بمعنى العدو، كقولهم شد عليه بمعنى عدا عليه وغلبه، أو مشتقة من الشدة، وهو الأظهر، والباء للتعدي، أي اشتدت فيه الريح وفي قراءة الرياح.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18لا يقدرون مما كسبوا على شيء قدم
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مما كسبوا على
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18على شيء للاهتمام بما كسبوه فهم كانوا يحسبونه شيئا من المكارم، والأعمال الصالحة فلا يجدونه شيئا؛ وذلك لأنه فقد المؤثر النفسي وهو الإيمان، وقصد الخير
[ ص: 4012 ] لذات الخير للمفاخرة والمباهاة وإثارة العصبية والمفاخرة، ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18لا يقدرون لا يملكون، يكون في مقدورهم أن ينتفعوا به؛ لأنه صار منثورا لا يقبض عليه، كما قال تعالى في آيات أخرى:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون تلك النهاية هي غاية البعد من الحق والضلال البعيد في الضلالة.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ نَفْعٍ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ يَنْقُصُهُ الْإِيمَانُ، يَذْهَبُ هَبَاءً، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
nindex.php?page=treesubj&link=28902_30539_30551_34513_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [ ص: 4011 ] الْمَثَلُ: الصِّفَةُ الْغَرِيبَةُ، وَغَرَابَتُهَا لَيْسَتْ فِي ذَاتِهَا فَقَطْ، إِنَّمَا كَانَتْ غَرَابَتُهَا لِأَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى خِلَافِ مَا يَزْعُمُونَ، إِذْ يَزْعُمُونَ أَوَّلًا: أَنَّ أَوْثَانَهُمْ سَتَكُونُ شَفِيعَةً لَهُمْ، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ أُمُورًا يَحْسَبُونَهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَإِكْرَامِ الضِّيفَانِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ أَحْيَانًا، كَمَا فَعَلَ بَعْضُ كُبَرَائِهِمْ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ، وَيَحْسَبُونَ ذَلِكَ عَمَلًا طَيِّبًا، وَلَوْ كَانَ مَقْصِدُهُ الْمُفَاخَرَةَ وَالْمُبَاهَاةَ. ثَانِيًا، وَيَرَوْنَ أَنَّهُمُ الْكُبَرَاءُ الَّذِينَ لَا تُنْسَى مَحَامِدُهُمْ ثَالِثًا، لَكِنَّهُمْ يَرَوْنَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ أَيْ حَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، أَيْ جَحَدُوا بِرَبِّهِمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَأَنْشَأَهُمْ وَقَامَ عَلَى شُئُونِهِمْ وَرَبَّهُمْ وَحَفِظَهُمْ، حَالُهُمُ الْغَرِيبَةُ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ، وَفِي قِرَاءَةٍ الرِّيَاحُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى الْخَبَرِ أَوْ دَالَّةٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْمَالَهُمْ بِالرَّمَادِ الَّذِي تَأْتِي عَلَيْهِ الرِّيحُ عَاصِفَةً شَدِيدَةَ الْهُبُوبِ فَتُثِيرُهُ فَتَكُونُ رَمَادًا يَتَبَدَّدُ، يَغْبَرُّ بِهِ الْجَوُّ، ثُمَّ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا الْغُبَارَ الَّذِي يُصِيبُ أَعْيُنَهُمْ وَيُفْسِدُ جَوَّهُمْ، وَالرِّيحُ هُوَ الْعَاصِفُ، وَلَكِنَّ وَصْفَ الْيَوْمِ بِأَنَّهُ الْعَاصِفُ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الزَّمَنِ عَلَى اسْمِ مَا يَحُلُّ فِيهِ، كَيَوْمٍ مَاطِرٍ، وَيَوْمٍ صَائِفٍ، وَيَوْمٍ صَائِمٍ.
وَذَلِكَ لِاسْتِغْرَاقِ عَصْفِ الرِّيَاحِ لِلْيَوْمِ كُلِّهِ، حَتَّى كَأَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي اتَّصَفَ بِالْعَصْفِ لَيْسَ غَيْرَهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الشَّدِّ بِمَعْنَى الْعَدْوِ، كَقَوْلِهِمْ شَدَّ عَلَيْهِ بِمَعْنَى عَدَا عَلَيْهِ وَغَلَبَهُ، أَوْ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الشَّدَّةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّي، أَيِ اشْتَدَّتْ فِيهِ الرِّيحُ وَفِي قِرَاءَةٍ الرِّيَاحُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ قَدَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مِمَّا كَسَبُوا عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18عَلَى شَيْءٍ لِلِاهْتِمَامِ بِمَا كَسَبُوهُ فَهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَهُ شَيْئًا مِنَ الْمَكَارِمِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَا يَجِدُونَهُ شَيْئًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فَقَدَ الْمُؤَثِّرَ النَّفْسِيَّ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَقَصْدُ الْخَيْرِ
[ ص: 4012 ] لِذَاتِ الْخَيْرِ لِلْمُفَاخَرَةِ وَالْمُبَاهَاةِ وَإِثَارَةِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْمُفَاخَرَةِ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18لا يَقْدِرُونَ لَا يَمْلِكُونَ، يَكُونُ فِي مَقْدُورِهِمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَنْثُورًا لَا يُقْبَضُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَاتٍ أُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=23وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ تِلْكَ النِّهَايَةُ هِيَ غَايَةُ الْبُعْدِ مِنَ الْحَقِّ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ فِي الضَّلَالَةِ.