الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا النفوس زوجت ) أي المؤمن مع المؤمن والكافر مع الكافر ، كقوله : ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) قاله عمر وابن عباس ، أو نفوس المؤمنين بأزواجهم من الحور العين وغيرهن ، قاله مقاتل بن سليمان ، أو الأزواج الأجساد ، قاله عكرمة والضحاك والشعبي . وقرأ عاصم في رواية : زووجت على فوعلت ، والمفاعلة تكون بين اثنين ، والجمهور : بواو مشددة . وقال الزمخشري : وأد يئد ، مقلوب من آد يؤد إذا أثقل . قال الله تعالى : ( ولا يئوده حفظهما ) لأنه إثقال بالتراب . انتهى . ولا يدعى في وأد أنه مقلوب من آد ، لأن كلا منهما كامل التصرف في الماضي والأمر والمضارع والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول ، وليس فيه شيء من مسوغات ادعاء القلب . والذي يعلم به الأصالة من القلب أن يكون أحد النظمين فيه حكم يشهد له بالأصالة والآخر ليس كذلك ، أو كونه مجردا من حروف الزيادة والآخر فيه مزيدا وكونه أكثر تصرفا والآخر ليس كذلك ، أو أكثر استعمالا من الآخر ، وهذا على ما قرروا أحكم في علم التصريف . فالأول كيئس وأيس ، والثاني كطأمن واطمأن ، والثالث كشوايع وشواع ، والرابع كلعمري ورعملي .

وقرأ الجمهور : ( الموءودة ) بهمزة بين الواوين ، اسم مفعول . وقرأ البزي في رواية : المؤدة ، بهمزة مضمومة على الواو ، فاحتمل أن يكون الأصل الموءودة كقراءة الجمهور ، ثم نقل حركة الهمزة إلى الواو بعد حذف الهمزة ، ثم الواو المنقول إليها الحركة ، واحتمل أن يكون اسم مفعول من آد ، فالأصل مأوودة ، فحذف إحدى الواوين على الخلاف الذي فيه المحذوف واو المد أو الواو التي هي عين ، نحو : مقوول ، حيث قالوا : مقول . وقرئ الموودة ، بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة ، أعني التسهيل بالحذف ونقل حركتها إلى الواو . وقرأ الأعمش : المودة ، بسكون الواو على وزن الفعلة ، وكذا وقف لحمزة ابن مجاهد . ونقل القراء أن حمزة يقف عليها كالموودة لأجل الخط لأنها رسمت كذلك ، والرسم سنة متبعة . وقرأ الجمهور : ( سئلت ) مبنيا للمفعول ( بأي ذنب قتلت ) كذلك وخف الياء وبتاء التأنيث فيهما ، وهذا السؤال هو لتوبيخ الفاعلين للوأد ؛ لأن سؤالها يئول إلى سؤال الفاعلين . وجاء قتلت بناء على أن الكلام إخبار عنها ، ولو حكي ما خوطبت به حين سئلت لقيل : قتلت . وقرأ الحسن ، والأعرج : سئلت ، بكسر السين ، وذلك على لغة من قال : سال بغير همز . وقرأ أبو جعفر : بشد الياء ، لأن الموءودة اسم جنس ، فناسب التكثير باعتبار الأشخاص . وقرأ ابن مسعود وعلي ، وابن عباس ، وجابر بن زيد ، وأبو الضحى ، و مجاهد : سألت مبنيا للفاعل ، ( قتلت ) بسكون اللام وضم التاء ، حكاية لكلامها حين سئلت . وعن أبي وابن مسعود أيضا والربيع بن خيثم ، وابن يعمر : سألت مبنيا للفاعل ( بأي ذنب قتلت ) : مبنيا للمفعول بتاء التأنيث فيهما إخبارا عنهما ، ولو حكي كلامها لكان : قتلت بضم التاء .

وكان العرب إذا ولد لأحدهم بنت واستحياها ألبسها جبة من صوف أو شعر وتركها ترعى الإبل والغنم ، وإذا أراد قتلها تركها حتى إذا صارت سداسية قال لأمها : طيبيها ولينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ، وقد حفر حفرة أو بئرا في الصحراء ، فيذهب بها إليها ويقول لها انظري فيها ، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوي بالأرض . وقيل : كانت الحامل إذا قرب وضعها حفرت حفرة فتمخضت على رأسها ، فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة ، وإن ولدت ابنا حبسته ، وقد افتخر الفرزدق ، وهو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية ، بجده صعصعة ، إذ كان منع وأد البنات ، فقال :


ومنا الذي منع الوائدات فأحيا الوئيد ولم يوئد



التالي السابق


الخدمات العلمية