nindex.php?page=treesubj&link=18017_19775_20009_20027_31848_32064_33177_34513_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=41ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب .
كان
إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - متجها دائما إلى مقام الربوبية فنادى ربه بالربوبية، وقد ذكرناها في ذلك من ضراعة المؤمن المقدر لنعمة الإيجاد والربوبية، والقيام على شئونه، وأنه الحي القيوم القائم على ما أنشأ من خلق، وهو اللطيف الخبير، ودعاه بالمغفرة، وابتدأ بنفسه أولا، ثم ثنى بوالديه، وثلث بالمؤمنين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، سواء أكانوا من ذريته أم كانوا من غيرهم، فهو دعاء لعامة المؤمنين،
وإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - كانت أدعيته العامة جماعية؛ لأنه نادى بالأخوة الإنسانية.
وطلب الغفران وستر الذنوب، ومحو السيئات، وقيام الحسنات، يوم يقوم الحساب، وهو يوم القيامة حيث يكون الحساب بأن يقوم كل إنسان ما قدم من خير، وقد كتب ما ارتكب من خير وشر، فهو يطلب من الله في هذا اليوم عفوه وتغليب مغفرته على عذابه، وذلك بالنسبة للمؤمنين، وبالنسبة لوالديه.
وهنا يسأل سائل كيف يستغفر
إبراهيم لأبويه، وأبوه بلا ريب كان مشركا يعبد الأوثان؟ ويقال: إنه كان يصنعها؟ ونقول في هذا: إن
إبراهيم كان رجل الفطرة المستقيمة، ففطرته الإنسانية المستقيمة دفعته لأن يكبر عليه أن يهتدي وأبوه مشرك، وأن يعبد الله وأبوه يعبد الشيطان، وأن يكون في الجنة وأبوه في النار، وقد بدا ذلك في مجاوبته، إذ قال لأبيه:
[ ص: 4046 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=44يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا طرده أبوه من حضرته مع ما في عبارته من رفق، وما تشف عنه من محبة، ولكنه يستمر في رفقه بمقتضى حكم الفطرة، فيقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا كانت هذه أول موعدة وعدها إياه، فاستغفر له ولم تكن بينهما بغضاء الضلال التي اتسم بها أبوه؛ ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء
إذن كان
الخليل - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لأبيه، ويطلب له المغفرة، ومرتبطا معه بمودة لم تفرقها عداوة، وهذه السورة التي نتكلم في معانيها سورة مكية، وسورة الممتحنة التي فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك مدنية، وهذا يدل على أن النهي لم يكن حتى سورة الممتحنة، وجاء النهي بعد ذلك كما يدل عليه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم
وقد قلنا: إن
إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - تتمثل فيه الفطرة القويمة.
nindex.php?page=treesubj&link=18017_19775_20009_20027_31848_32064_33177_34513_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=41رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ .
كَانَ
إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّجِهًا دَائِمًا إِلَى مَقَامِ الرُّبُوبِيَّةِ فَنَادَى رَبَّهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرَاعَةِ الْمُؤْمِنِ الْمُقَدِّرِ لِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالْقِيَامِ عَلَى شُئُونِهِ، وَأَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الْقَائِمُ عَلَى مَا أَنْشَأَ مِنْ خَلْقٍ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَدَعَاهُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَابْتَدَأَ بِنَفْسِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ ثَنَّى بِوَالِدَيْهِ، وَثَلَّثَ بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَمْ كَانُوا مَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ دُعَاءٌ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ،
وَإِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَدْعِيَتُهُ الْعَامَّةُ جَمَاعِيَّةً؛ لِأَنَّهُ نَادَى بِالْأُخُوَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.
وَطَلَبَ الْغُفْرَانَ وَسَتْرَ الذُّنُوبِ، وَمَحْوَ السَّيِّئَاتِ، وَقِيَامَ الْحَسَنَاتِ، يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ حَيْثُ يَكُونُ الْحِسَابُ بِأَنْ يُقَوِّمَ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا قَدَّمَ مِنْ خَيْرٍ، وَقَدْ كُتِبَ مَا ارْتَكَبَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَهُوَ يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَفْوَهُ وَتَغْلِيبَ مَغْفِرَتِهِ عَلَى عَذَابِهِ، وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَبِالنِّسْبَةِ لِوَالِدَيْهِ.
وَهُنَا يُسْأَلُ سَائِلٌ كَيْفَ يَسْتَغْفِرُ
إِبْرَاهِيمَ لِأَبَوَيْهِ، وَأَبُوهُ بِلَا رَيْبٍ كَانَ مُشْرِكًا يَعْبُدُ الْأَوْثَانَ؟ وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَصْنَعُهَا؟ وَنَقُولُ فِي هَذَا: إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ رَجُلَ الْفِطْرَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، فَفِطْرَتُهُ الْإِنْسَانِيَّةُ الْمُسْتَقِيمَةُ دَفَعَتْهُ لِأَنْ يَكْبُرَ عَلَيْهِ أَنْ يَهْتَدِيَ وَأَبُوهُ مُشْرِكٌ، وَأَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَأَبُوهُ يَعْبُدُ الشَّيْطَانَ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُوهُ فِي النَّارِ، وَقَدْ بَدَا ذَلِكَ فِي مُجَاوَبَتِهِ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ:
[ ص: 4046 ] nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=43يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=44يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=45يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا طَرَدَهُ أَبُوهُ مِنْ حَضْرَتِهِ مَعَ مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ رِفْقٍ، وَمَا تَشُفُّ عَنْهُ مِنْ مَحَبَّةٍ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَمِرُّ فِي رِفْقِهِ بِمُقْتَضَى حُكْمِ الْفِطْرَةِ، فَيَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ، فَاسْتَغْفِرْ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا بَغْضَاءُ الضَّلَالِ الَّتِي اتَّسَمَ بِهَا أَبُوهُ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ
إِذَنْ كَانَ
الْخَلِيلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَغْفِرُ لِأَبِيهِ، وَيَطْلُبُ لَهُ الْمَغْفِرَةَ، وَمُرْتَبِطًا مَعَهُ بِمَوَدَّةٍ لَمْ تُفَرِّقْهَا عَدَاوَةٌ، وَهَذِهِ السُّورَةُ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِي مَعَانِيهَا سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَسُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ الَّتِي فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=4إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَدَنِيَّةٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَكُنْ حَتَّى سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ، وَجَاءَ النَّهْيُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=114وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ
وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَتَمَثَّلُ فِيهِ الْفِطْرَةُ الْقَوِيمَةُ.