الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد

الضمير في "تخفوا" هو للمؤمنين الذين نهوا عن اتخاذ الكافرين أولياء، [ ص: 195 ] والمعنى: إنكم إن أبطنتم الحرص على إظهار موالاتهم; فإن الله يعلم ذلك ويكرهه منكم. وقوله: ويعلم ما في السماوات وما في الأرض معناه: على التفصيل. وقوله: على كل شيء قدير عموم، والشيء في كلام العرب: الموجود.

و"يوم" نصب على الظرف، وقد اختلف في العامل فيه، فقال مكي بن أبي طالب: العامل فيه "قدير"، وقال الطبري: العامل فيه قوله: وإلى الله المصير ، وقاله الزجاج، وقال أيضا: العامل فيه ( ويحذركم الله نفسه يوم ) ورجحه، وقال مكي حكاية: العامل فيه فعل مضمر، تقديره: "اذكر يوم" و"ما" بمعنى الذي، و"محضرا" قال قتادة: معناه: موفرا، وهذا تفسير بالمعنى، والحضور أبين من أن يفسر بلفظ آخر.

وقوله تعالى: وما عملت من سوء يحتمل أن تكون "ما" معطوفة على "ما" الأولى فهي في موضع نصب وتكون "تود" في موضع الحال، وإلى هذا العطف ذهب الطبري وغيره، ويحتمل أن تكون رفعا بالابتداء، ويكون الخبر في قوله "تود" وما بعده، كأنه قال: وعملها السيء مردود عندها، إن بينها وبينه أمدا.

وفي قراءة ابن مسعود "من سوء ودت"، وكذلك قرأ ابن أبي عبلة، ويجوز على هذه القراءة أن تكون "ما" شرطية، ولا يجوز ذلك على قراءة "تود" لأن الفعل مستقبل مرفوع، والشرط يقتضي جزمه، اللهم إلا أن يقدر في الكلام محذوف "فهي تود" وفي ذلك ضعف. والأمد: الغاية المحدودة من المكان أو الزمان. قال النابغة:


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . سبق الجواد إذا استولى على الأمد



فهذه غاية في المكان. وقال الطرماح:


كل حي مستكمل عدة العمـ ...     ـر ومود إذا انقضى أمده



فهذه غاية في الزمان.

[ ص: 196 ] وقال الحسن في تفسير هذه الآية: يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا، ذلك مناه، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها.

وقوله تعالى: والله رءوف بالعباد يحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير، لأن تحذيره وتنبيهه على النجاة; رأفة منه بعباده، ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة، فمقتضى ذلك التأنيس لئلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن، وتجيء الآية على نحو قوله تعالى: ( إن ربك شديد العقاب وإنه لغفور رحيم ) لأن قوله: ويحذركم الله نفسه معناه: والله محذور العقاب.

التالي السابق


الخدمات العلمية