الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) .

                          هذه الآية خاتمة هذه القصة ، ومنتهى العبرة فيها لمكذبي محمد - صلى الله عليه وسلم - والجاحدين من قومه المغرورين بقوتهم وكثرتهم وثروتهم ، في موسى والجاحدين لآياته من فرعون وقومه وقد كانوا أكثر منهم عددا وأشد قوة ، وأعظم زينة وأوفر ثروة ، وسنة الله في موسى ومن قبله واحدة ، وقصته كقصة نوح في العاقبة وأما نصر الله لمحمد نبي الرحمة وإنجاز وعده له ، قد جرى على وجه أتم وأكمل في غايته ، وإن لم يكن غريبا في صورته ، وهو أن الله تعالى أهلك أكثر زعماء أعدائه المشركين ، وأخضع له الآخرين ، وجعل العاقبة لأتباعه المؤمنين وأعطاهم أعظم ملك في العالمين ، ومنه ما كان أعطي موسى من قبل وهو فلسطين . قال : ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ) قلنا آنفا : إن المبوأ مكان الإقامة الأمين . وأضيف إلى الصدق لدلالته على صدق وعد الله تعالى لهم به وهو منزلهم من بلاد الشام الجنوبية المعروفة بفلسطين ( ورزقناهم من الطيبات ) فيه ، وهي التي أشير إليها في وصف أرضها من كتبهم بأنها تفيض لبنا وعسلا ، وما فيها من الغلات والثمرات والأنعام ، وكذا صيد البر والبحر ، وقد بينا من قبل ما كان من وعد الله لهم بهذه الأرض المباركة على لسان إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ومن أيلولة هذه الأرض من بعدهم لذرية إبراهيم من العرب ، بعد حرمان اليهود منه تصديقا لوعيد أنبيائهم لهم على كفرهم بنعم الله تعالى أولا ثم بكفرهم بعيسى ، ثم بمحمد رسول الله [ ص: 391 ] النبي الأمي الذي وعدهم به على لسانه ولسان من قبله ، كما تقدم تفصيله في تفسير سورة الأعراف وأشير إليه هنا بقوله : ( فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ) على قول بعض المفسرين : إن المراد بالعلم هنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أو رسالته أو القرآن الذي هو أكمل وأتم ما أنزل الله من علم الدين ، وقوله تعالى في سياق الرد على أهل الكتاب : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه ) ( 4 : 166 ) وقوله : ( فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ) ( 11 : 14 ) وقوله : ( بكتاب فصلناه على علم ) ( 7 : 52 ) فقد كانوا متفقين على بشارة أنبيائهم به قبل بعثته ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به .

                          وقال آخرون وهو الأظهر : إن المراد هنا علم الدين مطلقا ، وقد اختلفوا فيه كغيرهم ممن أوتوا الكتب من وجوه فصلناها في تفسير الآية العامة في الاختلاف وهي ( 2 : 213 ) وفي الآية 19 من هذه السورة وما هي ببعيد ( إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) إذ جعلوا الدواء عين الداء في أمر الدين بعد إذ أنزل عليهم الكتاب ليحكم بينهم فاختلفوا في الكتاب بغيا بينهم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية