الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

أسرار التكرار في القرآن

الكرماني - محمود بن حمزة الكرماني

سورة الكهف

283 - قوله تعالى : سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم بغير واو ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم بزيادة واو .

في هذه الواو أقوال : إحداها : أن الأول والثاني وصفان لما قبلها ، أي : هم ثلاثة ، وكذلك الثاني ، أي : هم خمسة سادسهم كلبهم ، والثالث عطف على ما قبله ، أي : هم سبعة ، عطف عليه : وثامنهم كلبهم .

وقيل : كل واحد من الثلاثة جملة وقعت بعدها جملة ، وكل جملة وقعت بعدها جملة فيها عائد يعود منها إليها ، فأنت في إلحاق واو العطف وحذفها بالخيار ، وليس في هذين القولين ما يوجب تخصيص الثالث بالواو .

وقال بعض النحويين : السبعة نهاية العدد ، ولهذا كثر ذكرها في القرآن والأخبار ، والثمانية تجري مجرى استئناف كلام ، ومن هنا لقبه جماعة من المفسرين بواو الثمانية ، واستدلوا بقوله سبحانه : التائبون العابدون الحامدون . . . إلى : . . . والناهون عن المنكر [ ص: 169 ] الآية ، وبقوله : مسلمات مؤمنات قانتات . . . إلى : ثيبات وأبكارا الآية ، وبقوله : وفتحت أبوابها ، وزعموا أن هذه الواو تدل على أن أبوابها ثمانية ، ولكل واحد من هذه الآيات وجوه ذكرتها في موضعها .

وقيل : إن الله حكى القولين الأولين ولم يرضهما ، وحكى القول الثالث فارتضاه ، وهو قوله : ويقولون سبعة ، ثم استأنف فقال : وثامنهم كلبهم ، ولهذا عقب الأول والثاني بقوله : رجما بالغيب ، ولم يقل في الثالث .

فإن قيل : وقد قال في الثالث : قل ربي أعلم بعدتهم .

فالجواب : تقديره : قل : ربي أعلم بعدتهم ، وقد أخبركم أنهم سبعة ، وثامنهم كلبهم . بدليل قوله : ما يعلمهم إلا قليل ، ولهذا قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل ، فعد أسماءهم .

وقال بعضهم : الواو في قوله : ويقولون سبعة يعود إلى الله تعالى ، فذكر بلفظ الجمع كقوله : " أما " وأمثاله ، هذا على الاختصار .

284 - قوله : ولئن رددت إلى ربي ، وفي حم ( فصلت ) : ولئن رجعت إلى ربي ؛ لأن الرد عن الشيء يتضمن كراهة المردود . ولما كان في الكهف تقديره : ولئن رددت عن جنتي هذه التي أظن ألا تبيد أبدا إلى ربي ، كان لفظ الرد الذي يتضمن الكراهة أولى . وليس في حم ما يدل على الكراهة ، فذكر بلفظ الرجع ليقع في كل سورة ما يليق بها .

285 - قوله : ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ، وفي السجدة : ثم أعرض عنها ؛ لأن الفاء للتعقيب ، وثم للتراخي ، وما في هذه السورة في الأحياء من الكفار ، إذ ذكروا فأعرضوا عقيب ما ذكروا ، ونسوا ذنوبهم وهم بعد متوقع منهم [ ص: 170 ] أن يؤمنوا ، وما في السجدة في الأموات من الكفار ، بدليل قوله : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم . أي : ذكروا مرة بعد أخرى ، وزمانا بعد زمان ، ثم أعرضوا عنها بالموت ، فلم يؤمنوا ، وانقطع رجاء إيمانهم .

286 - قوله : نسيا حوتهما فاتخذ سبيله . وفي الآية الثالثة : واتخذ سبيله ؛ لأن الفاء للتعقيب والعطف ، فكان اتخاذ الحوت للسبيل عقيب النسيان ، فذكر بالفاء . وفي الآية الأخرى لما حيل بينهما بقوله : وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره زال معنى التعقيب ، وبقي العطف المجرد ، وحرفه الواو .

287 - قوله : لقد جئت شيئا إمرا ، وبعده : لقد جئت شيئا نكرا ؛ لأن الإمر : العجب والمعجب . والعجب يستعمل في الخير والشر ، بخلاف النكر ؛ لأن ما ينكره العقل فهو شر ، وخرق السفينة لم يكن معه غرق ، فكان أسهل من قتل الغلام وإهلاكه ، فصار لكل واحد معنى يخصه .

288 - قوله : ألم أقل إنك ، وبعده : ألم أقل لك إنك ؛ لأن الإنكار في الثانية أكثر . وقيل : أكد التقدير الثاني بقوله : " لك " ، كما تقول لمن توبخه : " لك أقول ، وإياك أعني " . وقيل : بين في الثاني المقول له لما لم يبين في الأول .

289 - قوله في الأول : فأردت أن أعيبها ، وفي الثاني : فأردنا أن يبدلهما ربهما ، وفي الثالث : فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ؛ لأن الأول في الظاهر إفساد ، فأسنده إلى نفسه ، والثالث إنعام محض فأسنده إلى الله - عز وجل - ، والثاني إفساد من حيث القتل ، إنعام من حيث التأويل ، فأسنده إلى نفسه وإلى الله - عز وجل - .

[ ص: 171 ] وقيل : القتل كان منه ، وإزهاق الروح كان من الله سبحانه .

قوله : ما لم تستطع عليه صبرا ، جاء في الأول على الأصل ، وفي الثاني : تسطع عليه صبرا على التخفيف ؛ لأنه الفرع .

290 - قوله : فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا اختار التخفيف في الأول ؛ لأن مفعوله حرف وفعل وفاعل ومفعول ، فاختار فيه الحذف ، والثاني مفعوله اسم واحد ، وهو قوله : نقبا .

وقرأ حمزة بالتشديد ، وأدعم التاء في الطاء في الشواذ ، فما استطاعوا بفتح الهمزة وزنه استفعلوا . ومثلها : استخذ فلان أرضا ، أي : أخذ أرضا ، وزنه استفعل ، ومن اهراق ووزنه استفعل ، وقيل : استعمل من وجهين . وقيل : السين بدل التاء ، ووزنه افتعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية