بيان الطريق في
nindex.php?page=treesubj&link=17996_17997_33304_19523رياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم :
اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها ، والصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة ، وهو قابل لكل ما نقش ، ومائل إلى كل ما يمال به إليه ، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة ، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب ، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك ، وكان الوزر في رقبة القيم عليه ، وقد قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) [ التحريم : 6 ] ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى ، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ، ويحفظه من قرناء السوء ، ولا يعوده التنعم ، ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية ، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد ، بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره ، فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال . ومهما رأى فيه مخايل التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته ، وأول ذلك ظهور أوائل الحياء ، فإنه إذا كان يحتشم ويستحي ويترك بعض الأفعال فليس ذلك إلا لإشراق نور العقل عليه ، وهذه بشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب ، فالصبي المستحي لا ينبغي أن يهمل ، بل يستعان على تأديبه بحيائه وتمييزه . وأول ما يغلب عليه من الصفات : شره الطعام ، فينبغي أن يؤدب فيه ، مثل أن لا يأخذ الطعام إلا بيمينه ، وأن يقول عليه : " بسم الله " عند أخذه ، وأن يأكل مما يليه ، وأن لا يبادر إلى الطعام قبل غيره ، وأن لا يحدق في النظر إليه ولا إلى من يأكل ، وأن لا يسرع في الأكل ، وأن يجيد المضغ ، وأن لا يوالي بين اللقم ، ولا يلطخ يده ولا ثوبه ، وأن يعود الخبز القفار في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث يرى الأدم حتما ، وأن يقبح عنده كثرة الأكل ، بأن يشبه كل من يكثر الأكل بالبهائم ، وبأن يذم بين يديه الصبي الذي يكثر الأكل ، ويمدح عنده الصبي المتأدب القليل الأكل ، وأن يحبب إليه الإيثار بالطعام ، وقلة المبالاة به ، والقناعة
[ ص: 185 ] بالطعام الخشن ، أي طعام كان ، وأن يحبب إليه من الثياب ما ليس بملون وحرير ، ويقرر عنده أن ذلك شأن النساء والمخنثين ، وأن الرجال يستنكفون منه ويكرر ذلك عليه ، ومهما رأى على صبي ثوبا من الحرير أو ملونا فينبغي أن يستنكره ويذمه ، وأن يحفظ عن الصبيان الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة ، وعن مخالطة كل من يسمعه ما يرغبه فيه ، فإن الصبي مهما أهمل في ابتداء نشوئه ، خرج في الأغلب رديء الأخلاق ، كذابا حسودا سروقا نماما لحوحا ، ذا فضول وضحك وكياد ومجانة ، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب . ثم يشتغل في المكتب ، فيتعلم القرآن وأحاديث الأخيار وحكايات الأبرار وأحوالهم ؛ لينغرس في نفسه حب الصالحين ، ولا يحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله ؛ فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذر الفساد ، ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه ، ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس ، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه ، ولا يهتك ستره ، ولا يكاشفه ، ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله ، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه ، فإن أظهر ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة ، فعند ذلك إن عاد ثانيا أن يعاتب سرا ، ويعظم الأمر فيه ، ويقال له : " إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا ، وأن يطلع عليك في مثل هذا ، فتفتضح بين الناس " . ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين ؛ فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ، ويسقط وقع الكلام من قلبه . وليكن الأب حافظا هيئة الكلام معه ، فلا يوبخه إلا أحيانا ، والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح . وينبغي أن يمنع عن النوم نهارا ؛ فإنه يورث الكسل ، ولا يمنع منه ليلا ، ولكن يمنع الفرش الوطيئة ؛ حتى تتصلب أعضاؤه ، ولا يسخف بدنه فلا يصبر على التنعم ، بل يعود الخشونة في المفرش والملبس والمطعم . وينبغي أن يمنع من كل ما يفعله في خفية ، فإنه لا يخفيه إلا وهو يعتقد أنه قبيح ، فإذا تعود ترك فعل القبيح ، ويعود في بعض النهار المشي والحركة والرياضة ؛ حتى لا يغلب عليه الكسل ، ويعود أن لا يكشف أطرافه ، ولا يسرع المشي . ويمنع من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يملكه والداه ، أو بشيء من مطاعمه وملابسه ، بل يعود التواضع والإكرام لكل من عاشره ، والتلطف في الكلام معهم ، ويمنع من أن يأخذ من الصبيان شيئا بدا له ، بل يعلم أن الرفعة في الإعطاء لا في الأخذ ، وأن الأخذ لؤم وخسة ودناءة ، وأن ذلك من دأب الكلب ، فإنه يبصبص في انتظار لقمة والطمع فيها . وبالجملة يقبح إلى الصبيان حب الذهب والفضة والطمع فيهما ، ويحذر منهما أكثر مما يحذر من الحيات والعقارب ؛ فإن آفة حب الذهب والفضة أضر من آفة السموم على الصبيان ، بل وعلى الكبار أيضا . وينبغي أن يعود أن لا يبصق في مجلسه ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة غيره ، ولا يستدبر غيره ولا يضع رجلا على رجل ولا يضع كفه تحت ذقنه ولا يعمد رأسه بساعده فإن ذلك دليل الكسل ، ويعلم كيفية الجلوس ، ويمنع كثرة الكلام ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة وأنه فعل أبناء اللئام ، ويمنع اليمين رأسا - صادقا كان أو كاذبا - حتى لا يعتاد ذلك في الصغر ، ويعود حسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه سنا ، وأن يقوم لمن فوقه ويوسع له المكان ، ويجلس بين يديه ،
[ ص: 186 ] ويمنع من لغو الكلام وفحشه ، ومن اللعن والسب ، ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك ، فإن ذلك يسري لا محالة من قرناء السوء .
وأصل
nindex.php?page=treesubj&link=33303تأديب الصبيان : الحفظ من قرناء السوء . وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبا جميلا يستريح إليه من تعب المكتب ، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه إلى التعلم دائما يميت قلبه ، ويبطل ذكاءه ، وينغص عليه العيش ، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسا . وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه ، وكل من هو أكبر منه سنا من قريب وأجنبي ، وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم ، وأن يترك اللعب بين أيديهم ، ومهما بلغ سن التمييز فينبغي أن لا يسامح في ترك الطهارة والصلاة ، ويؤمر بالصوم في بعض أيام رمضان ، ويعلم كل ما يحتاج إليه من حدود الشرع ، ويخوف من السرقة ، وأكل الحرام ، ومن الخيانة ، والكذب ، والفحش ، فإذا وقع نشوؤه كذلك في الصبا فمهما قارب البلوغ أمكن أن يعرف أسرار هذه الأمور .
بَيَانُ الطَّرِيقِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=17996_17997_33304_19523رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ فِي أَوَّلِ نُشُوئِهِمْ وَوَجْهُ تَأْدِيبِهِمْ وَتَحْسِينِ أَخْلَاقِهِمْ :
اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَأَوْكَدِهَا ، وَالصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ ، وَمَائِلٌ إِلَى كُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إِلَيْهِ ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَشَارَكَهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) [ التَّحْرِيمِ : 6 ] وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ الدُّنْيَا فَبِأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَوْلَى ، وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ ، وَيَحْفَظَهُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ ، وَلَا يُعِوِّدُهُ التَّنَعُّمَ ، وَلَا يُحَبِّبُ إِلَيْهِ الزِّينَةَ وَأَسْبَابَ الرَّفَاهِيَةِ ، فَيَضِيعُ عُمْرُهُ فِي طَلَبِهَا إِذَا كَبِرَ فَيَهْلِكُ هَلَاكَ الْأَبَدِ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ ، فَلَا يَسْتَعْمِلُ فِي حَضَانَتِهِ وَإِرْضَاعِهِ إِلَّا امْرَأَةً صَالِحَةً مُتَدَيِّنَةً تَأْكُلُ الْحَلَالَ . وَمَهْمَا رَأَى فِيهِ مَخَايِلَ التَّمْيِيزِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ مُرَاقَبَتَهُ ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ ظُهُورُ أَوَائِلِ الْحَيَاءِ ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي وَيَتْرُكُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى اعْتِدَالِ الْأَخْلَاقِ وَصَفَاءِ الْقَلْبِ ، فَالصَّبِيُّ الْمُسْتَحِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْمَلَ ، بَلْ يُسْتَعَانُ عَلَى تَأْدِيبِهِ بِحَيَائِهِ وَتَمْيِيزِهِ . وَأَوَّلُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ : شَرَهُ الطَّعَامِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبَ فِيهِ ، مِثْلُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الطَّعَامَ إِلَّا بِيَمِينِهِ ، وَأَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ : " بِسْمِ اللَّهِ " عِنْدَ أَخْذِهِ ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ ، وَأَنْ لَا يُبَادِرَ إِلَى الطَّعَامِ قَبْلَ غَيْرِهِ ، وَأَنْ لَا يُحَدِّقَ فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى مَنْ يَأْكُلُ ، وَأَنْ لَا يُسْرِعَ فِي الْأَكْلِ ، وَأَنْ يُجِيدَ الْمَضْغَ ، وَأَنْ لَا يُوَالِيَ بَيْنَ اللُّقَمِ ، وَلَا يُلَطِّخَ يَدَهُ وَلَا ثَوْبَهُ ، وَأَنْ يُعَوَّدَ الْخُبْزَ الْقَفَارَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى لَا يَصِيرَ بِحَيْثُ يَرَى الْأُدْمَ حَتْمًا ، وَأَنْ يُقَبَّحَ عِنْدَهُ كَثْرَةُ الْأَكْلِ ، بِأَنْ يُشَبَّهَ كُلُّ مَنْ يُكْثِرُ الْأَكْلَ بِالْبَهَائِمِ ، وَبِأَنْ يُذَمَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيُّ الَّذِي يُكْثِرُ الْأَكْلَ ، وَيُمْدَحُ عِنْدَهُ الصَّبِيُّ الْمُتَأَدِّبُ الْقَلِيلُ الْأَكْلِ ، وَأَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ الْإِيثَارُ بِالطَّعَامِ ، وَقِلَّةُ الْمُبَالَاةِ بِهِ ، وَالْقَنَاعَةُ
[ ص: 185 ] بِالطَّعَامِ الْخَشِنِ ، أَيَّ طَعَامٍ كَانَ ، وَأَنْ يُحَبَّبَ إِلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ مَا لَيْسَ بِمُلَوَّنٍ وَحَرِيرٍ ، وَيُقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَالْمُخَنَّثِينَ ، وَأَنَّ الرِّجَالَ يَسْتَنْكِفُونَ مِنْهُ وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَمَهْمَا رَأَى عَلَى صَبِيٍّ ثَوْبًا مِنَ الْحَرِيرِ أَوْ مُلَوَّنًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنْكِرَهُ وَيَذُمَّهُ ، وَأَنْ يُحْفَظَ عَنِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ عُوِّدُوا التَّنَعُّمَ وَالرَّفَاهِيَةَ وَلُبْسَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ ، وَعَنْ مُخَالَطَةِ كُلِّ مَنْ يُسْمِعُهُ مَا يُرَغِّبُهُ فِيهِ ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ مَهْمَا أُهْمِلَ فِي ابْتِدَاءِ نُشُوئِهِ ، خَرَجَ فِي الْأَغْلَبِ رَدِيءَ الْأَخْلَاقِ ، كَذَّابًا حَسُودًا سَرُوقًا نَمَّامًا لَحُوحًا ، ذَا فُضُولٍ وَضَحِكٍ وَكِيَادٍ وَمَجَانَةٍ ، وَإِنَّمَا يُحْفَظُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِحُسْنِ التَّأْدِيبِ . ثُمَّ يَشْتَغِلُ فِي الْمَكْتَبِ ، فَيَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ وَأَحَادِيثَ الْأَخْيَارِ وَحِكَايَاتِ الْأَبْرَارِ وَأَحْوَالَهُمْ ؛ لِيَنْغَرِسَ فِي نَفْسِهِ حُبُّ الصَّالِحِينَ ، وَلَا يَحْفَظُ مِنَ الْأَشْعَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعِشْقِ وَأَهْلِهِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الصِّبْيَانِ بَذْرَ الْفَسَادِ ، ثُمَّ مَهْمَا ظَهَرَ مِنَ الصَّبِيِّ خُلُقٌ جَمِيلٌ وَفِعْلٌ مَحْمُودٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَمَ عَلَيْهِ ، وَيُجَازَى عَلَيْهِ بِمَا يَفْرَحُ بِهِ وَيُمْدَحُ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ ، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْهُ ، وَلَا يَهْتِكَ سِتْرَهُ ، وَلَا يُكَاشِفَهُ ، وَلَا يُظْهِرَ لَهُ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَتَجَاسَرَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِهِ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا سَتَرَهُ الصَّبِيُّ وَاجْتَهَدَ فِي إِخْفَائِهِ ، فَإِنْ أَظْهَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رُبَّمَا يُفِيدُهُ جَسَارَةً حَتَّى لَا يُبَالِيَ بِالْمُكَاشَفَةِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ إِنْ عَادَ ثَانِيًا أَنْ يُعَاتَبَ سِرًّا ، وَيُعَظَّمَ الْأَمْرُ فِيهِ ، وَيُقَالُ لَهُ : " إِيَّاكَ أَنْ تَعُودَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمِثْلِ هَذَا ، وَأَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا ، فَتَفْتَضِحَ بَيْنَ النَّاسِ " . وَلَا تُكْثِرِ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِالْعِتَابِ فِي كُلِّ حِينٍ ؛ فَإِنَّهُ يَهُونُ عَلَيْهِ سَمَاعُ الْمَلَامَةِ وَرُكُوبُ الْقَبَائِحِ ، وَيَسْقُطُ وَقْعُ الْكَلَامِ مِنْ قَلْبِهِ . وَلْيَكُنِ الْأَبُ حَافِظًا هَيْئَةَ الْكَلَامِ مَعَهُ ، فَلَا يُوَبِّخُهُ إِلَّا أَحْيَانًا ، وَالْأُمُّ تُخَوِّفُهُ بِالْأَبِ وَتَزْجُرُهُ عَنِ الْقَبَائِحِ . وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ عَنِ النَّوْمِ نَهَارًا ؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْكَسَلَ ، وَلَا يُمْنَعَ مِنْهُ لَيْلًا ، وَلَكِنْ يُمْنَعُ الْفُرُشَ الْوَطِيئَةَ ؛ حَتَّى تَتَصَلَّبَ أَعْضَاؤُهُ ، وَلَا يُسْخَفَ بَدَنُهُ فَلَا يَصْبِرُ عَلَى التَّنَعُّمِ ، بَلْ يُعَوَّدُ الْخُشُونَةَ فِي الْمَفْرَشِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ . وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ فِي خِفْيَةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُخْفِيهِ إِلَّا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَبِيحٌ ، فَإِذَا تَعَوَّدَ تَرَكَ فِعْلَ الْقَبِيحِ ، وَيُعَوَّدُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ الْمَشْيَ وَالْحَرَكَةَ وَالرِّيَاضَةَ ؛ حَتَّى لَا يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْكَسَلُ ، وَيُعَوَّدُ أَنْ لَا يَكْشِفَ أَطْرَافَهُ ، وَلَا يُسْرِعَ الْمَشْيَ . وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَفْتَخِرَ عَلَى أَقْرَانِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ وَالِدَاهُ ، أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَطَاعِمِهِ وَمَلَابِسِهِ ، بَلْ يُعَوَّدُ التَّوَاضُعَ وَالْإِكْرَامَ لِكُلِّ مَنْ عَاشَرَهُ ، وَالتَّلَطُّفَ فِي الْكَلَامِ مَعَهُمْ ، وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصِّبْيَانِ شَيْئًا بَدَا لَهُ ، بَلْ يَعْلَمُ أَنَّ الرِّفْعَةَ فِي الْإِعْطَاءِ لَا فِي الْأَخْذِ ، وَأَنَّ الْأَخْذَ لُؤْمٌ وَخِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ الْكَلْبِ ، فَإِنَّهُ يُبَصْبِصُ فِي انْتِظَارِ لُقْمَةٍ وَالطَّمَعِ فِيهَا . وَبِالْجُمْلَةِ يُقَبَّحُ إِلَى الصِّبْيَانِ حُبُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّمَعِ فِيهِمَا ، وَيُحَذَّرُ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِمَّا يُحَذَّرُ مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ ؛ فَإِنَّ آفَةَ حُبِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَضَرُّ مِنْ آفَةِ السُّمُومِ عَلَى الصِّبْيَانِ ، بَلْ وَعَلَى الْكِبَارِ أَيْضًا . وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّدَ أَنْ لَا يَبْصُقَ فِي مَجْلِسِهِ وَلَا يَتَمَخَّطَ وَلَا يَتَثَاءَبَ بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ ، وَلَا يَسْتَدْبِرَ غَيْرَهُ وَلَا يَضَعَ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ وَلَا يَضَعَ كَفَّهُ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَلَا يَعْمِدَ رَأْسَهُ بِسَاعِدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْكَسَلِ ، وَيُعَلَّمُ كَيْفِيَّةَ الْجُلُوسِ ، وَيُمْنَعُ كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَيُبَيَّنُ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوَقَاحَةِ وَأَنَّهُ فِعْلُ أَبْنَاءِ اللِّئَامِ ، وَيُمْنَعُ الْيَمِينَ رَأْسًا - صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا - حَتَّى لَا يَعْتَادَ ذَلِكَ فِي الصِّغَرِ ، وَيُعَوَّدُ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ مَهْمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا ، وَأَنْ يَقُومَ لِمَنْ فَوْقَهُ وَيُوَسِّعَ لَهُ الْمَكَانَ ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
[ ص: 186 ] وَيُمْنَعُ مِنْ لَغْوِ الْكَلَامِ وَفُحْشِهِ ، وَمِنَ اللَّعْنِ وَالسَّبِّ ، وَمِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْرِي لَا مَحَالَةَ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ .
وَأَصْلُ
nindex.php?page=treesubj&link=33303تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ : الْحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ . وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنِ الْكُتَّابِ أَنْ يَلْعَبَ لَعِبًا جَمِيلًا يَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ مِنْ تَعَبِ الْمَكْتَبِ ، فَإِنَّ مَنْعَ الصَّبِيِّ مِنَ اللَّعِبِ وَإِرْهَاقَهُ إِلَى التَّعَلُّمِ دَائِمًا يُمِيتُ قَلْبَهُ ، وَيُبْطِلُ ذَكَاءَهُ ، وَيُنَغِّصُ عَلَيْهِ الْعَيْشَ ، حَتَّى يَطْلُبَ الْحِيلَةَ فِي الْخَلَاصِ مِنْهُ رَأْسًا . وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ طَاعَةَ وَالِدَيْهِ وَمُعَلِّمِهِ وَمُؤَدِّبِهِ ، وَكُلِّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا مِنْ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ ، وَأَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْجَلَالَةِ وَالتَّعْظِيمِ ، وَأَنْ يَتْرُكَ اللَّعِبَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَمَهْمَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَامَحَ فِي تَرْكِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ ، وَيُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ رَمَضَانَ ، وَيُعَلَّمُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ حُدُودِ الشَّرْعِ ، وَيُخَوَّفُ مِنَ السَّرِقَةِ ، وَأَكْلِ الْحَرَامِ ، وَمِنَ الْخِيَانَةِ ، وَالْكَذِبِ ، وَالْفُحْشِ ، فَإِذَا وَقَعَ نُشُوؤُهُ كَذَلِكَ فِي الصِّبَا فَمَهْمَا قَارَبَ الْبُلُوغَ أَمْكَنَ أَنْ يَعْرِفَ أَسْرَارَ هَذِهِ الْأُمُورِ .