الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وصايا الله وأوامره

                                                          قال الله تعالى:

                                                          لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا

                                                          [ ص: 4360 ] إنه بلا شك كانت أكثر الأحكام بالمدينة حيث اقتضت العدالة وتنظيم الجماعة، وإقامة بنائها على أحكام الله تعالى، وعلى الفضيلة، والخلق العظيم، وكان بمكة أحكام قليلة كلها تمليها خصال المروءة والفضيلة، وإن لم تكن تنظيما لأحكام مفصلة تقوم عليها المدينة الفاضلة إلا أنها بمقتضى الفطرة الإنسانية في مبادئها الأولى، وأولها إفراد الله تعالى بالعبودية، وقد ابتدأها بها لأنه كانت البعثة ابتداء لأجلها، ثم ثنى بالإحسان إلى الوالدين، وإيتاء ذي القربى، وإقامة الأسرة بالبر والمودة وصلة الرحم؛ لأن الأسرة أصل بناء المجتمع، والأسرة في الإسلام هي الممتدة لا المقصورة على الزوجين والأولاد كما هو الشأن عند من لا يعرفون الرحمة والبر بهما، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وقد ابتدأ سبحانه بالوحدانية فقال:

                                                          لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا

                                                          الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم -، ونبي الوحدانية كيف يخاطب بهذا، وهو بعث له ابتداء، والوحدانية أولى دعوته، ولها أوذي، ولها حورب، ولها جاهد، والجواب عن ذلك أنه خطاب له أولا ولمن بعث فيهم ثانيا، وذكر هو في القول ليكون مع من يدعوهم على سواء، وأنه مطالب بما تطالبون به، وأنه ما جاء ليكون مسيطرا، فذاته مصونة، لا بل هو مطبق عليه ما يطبق على كل مؤمن، وينذر كما ينذر، ويخاف ويخوف، وهو مستقيم على الطريقة، وفي هذه التسوية التي يطويها الكلام دعوة إلى التوحيد بأقصى البلاغة وتحريض عليها، وقوله: فتقعد مذموما مخذولا أي فتقعد عن السمو إلى المكارم مذموما، لأنك لم تسم إلى علو الوحدانية، ويخذلك الله تعالى يوم لا تجد نصيرا سواه.

                                                          قد أمر الله تعالى بعبادته سبحانه وحده، وهو مقتضى ألا يجعل مع الله إلها آخر، فإذا كان النهي سلبيا في الآية السابقة فالأمر هنا إيجابي، وقضى هنا بمعنى حكم، وحكم الله تعالى لا يحتاج إلى إبرام مبرم، ولا يتطاول إليه نقض ناقض سبحانه وتعالى.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية