[ ص: 4366 ] وبعد أن بين سبحانه حق الأبوين، وهو الإحسان في أعلى درجات الإحسان بين حق ذوي القربى فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=19246_23495_34325_34404_34405_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=27إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا
وذو القربى هو ذو القرابة؛ لأن القربى مؤنث الأقرب، أي يعطي ذا القربى الأقرب فالأقرب حقه، وحق ذي القربى نوعان: حق العطاء إن كان فقيرا فإن عليه نفقته إذا احتاج، كما أنه يرثه إذا مات غنيا، وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون
ولا يقتصر العطاء على المحارم، بل ذوو الأرحام جميعا لهم حق في ماله إذا احتاجوا، وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
والنوع الثاني من حقهم أن يصلهم بالمودة الواصلة فيزورهم ويعودهم، ويتعرف أحوالهم، ولو كانوا لا يصلونه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687341 " ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من يصل رحمه عند القطيعة " ، ولقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=18043صلة الرحم تبارك في الرزق، وتبقي الأثر بعد الموت، وقد قال صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651925 " من أراد منكم أن يبارك له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ". وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري [ ص: 4367 ] حقهم غير المالي فقال: (حقهم صلتهم بالمودة والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة على السراء والضراء والمعاضدة ونحو ذلك) .
هذه إشارات إلى حق ذي القربى، وأما حق المساكين وابن السبيل، فهو إطعامهم، وكسوتهم، وإيواؤهم، وذلك بالصدقات يعطيهم، وألا يبيت شبعان وغيره جوعان.
ونجد أن النص القرآني يشير إلى أن الأسرة ممتدة، وإلى أن الضعاف لهم حق في المال، وهو حق السائل والمحروم، وأي مال في سبيلهم لا يعد تبذيرا ولا إسرافا، إنما التبذير والإسراف في غير هذه الحقوق التي يجب سدها، وإن الحق الذي يلي حق الأسرة في المال حق المساكين وأبناء السبيل والفقراء بشكل عام، سواء أكانوا مساكين أم كانوا متجملين لا يسألون الناس إلحافا.
وقد نهى سبحانه عن التبذير فقال عز من قائل:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26ولا تبذر تبذيرا وتبذير المال ليس هو صرفه في حقه، بل هو تفريق المال فيما لا ينبغي وبالأولى إنفاقه في الحرام، ومما لا ينبغي ويعد تبذيرا إنفاقه في المفاخرات، وكل إنفاق في حرام أو ما لا يحسن للفخر ولو قليلا يعد تبذيرا وإسرافا، ولقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قال: (لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا، ولو أنفق درهما في غير حق كان مبذرا) .
وإن التبذير، وهو كما ذكر: الإنفاق في غير ما يكون: من سيطرة هوى المفاخرة، والمباهاة، وعدم احترام حق غيره، فلا يسرف من يعرف حق غيره عنده، ولذا قال تعالى:
[ ص: 4366 ] وَبَعْدَ أَنَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَقَّ الْأَبَوَيْنِ، وَهُوَ الْإِحْسَانُ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الْإِحْسَانِ بَيَّنَ حَقَّ ذَوِي الْقُرْبَى فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=19246_23495_34325_34404_34405_28988nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=27إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا
وَذُو الْقُرْبَى هُوَ ذُو الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَى مُؤَنَّثُ الْأَقْرَبِ، أَيْ يُعْطِي ذَا الْقُرْبَى الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ حَقَّهُ، وَحَقُّ ذِي الْقُرْبَى نَوْعَانِ: حَقُّ الْعَطَاءِ إِنْ كَانَ فَقِيرًا فَإِنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ إِذَا احْتَاجَ، كَمَا أَنَّهُ يَرِثُهُ إِذَا مَاتَ غَنِيًّا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
وَلَا يَقْتَصِرُ الْعَطَاءُ عَلَى الْمَحَارِمِ، بَلْ ذَوُو الْأَرْحَامِ جَمِيعًا لَهُمْ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا احْتَاجُوا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ
وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَصِلَهُمْ بِالْمَوَدَّةِ الْوَاصِلَةِ فَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُهُمْ، وَيَتَعَرَّفُ أَحْوَالَهُمْ، وَلَوْ كَانُوا لَا يَصِلُونَهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=687341 " لَيْسَ الْوَاصِلِ بِالْمُكَافِئِ إِنَّمَا الْوَاصِلُ مَنْ يَصِلُ رَحِمَهُ عِنْدَ الْقَطِيعَةِ " ، وَلَقَدْ قَرَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18043صِلَةَ الرَّحِمِ تُبَارِكُ فِي الرِّزْقِ، وَتُبْقِي الْأَثَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651925 " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ". وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ [ ص: 4367 ] حَقَّهُمْ غَيْرَ الْمَالِيِّ فَقَالَ: (حَقُّهُمْ صِلَتُهُمْ بِالْمَوَدَّةِ وَالزِّيَارَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُؤَالَفَةِ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْمُعَاضَدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) .
هَذِهِ إِشَارَاتٌ إِلَى حَقِّ ذِي الْقُرْبَى، وَأَمَّا حَقُّ الْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَهُوَ إِطْعَامُهُمْ، وَكَسَوْتُهُمْ، وَإِيوَاؤُهُمْ، وَذَلِكَ بِالصَّدَقَاتِ يُعْطِيهِمْ، وَأَلَّا يَبِيتَ شَبْعَانَ وَغَيْرُهُ جَوْعَانُ.
وَنَجِدُ أَنَّ النَّصَّ الْقُرْآنِيَّ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْأُسْرَةَ مُمْتَدَّةٌ، وَإِلَى أَنَّ الضِّعَافَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْمَالِ، وَهُوَ حَقُّ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ، وَأَيُّ مَالٍ فِي سَبِيلِهِمْ لَا يُعَدُّ تَبْذِيرًا وَلَا إِسْرَافًا، إِنَّمَا التَّبْذِيرُ وَالْإِسْرَافُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحُقُوقِ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا، وَإِنَّ الْحَقَّ الَّذِي يَلِي حَقَّ الْأُسْرَةِ فِي الْمَالِ حَقُّ الْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَالْفُقَرَاءِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مَسَاكِينَ أَمْ كَانُوا مُتَجَمِّلِينَ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا.
وَقَدْ نَهَى سُبْحَانَهُ عَنِ التَّبْذِيرِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا وَتَبْذِيرُ الْمَالِ لَيْسَ هُوَ صَرْفُهُ فِي حُقِّهِ، بَلْ هُوَ تَفْرِيقُ الْمَالِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي وَبِالْأَوْلَى إِنْفَاقُهُ فِي الْحَرَامِ، وَمِمَّا لَا يَنْبَغِي وَيُعَدُّ تَبْذِيرًا إِنْفَاقُهُ فِي الْمُفَاخَرَاتِ، وَكُلُّ إِنْفَاقٍ فِي حَرَامٍ أَوْ مَا لَا يَحْسُنُ لِلْفَخْرِ وَلَوْ قَلِيلًا يُعَدُّ تَبْذِيرًا وَإِسْرَافًا، وَلَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: (لَوْ أَنْفَقَ إِنْسَانٌ مَالَهُ كُلَّهُ فِي الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُبَذِّرًا، وَلَوْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا فِي غَيْرِ حَقٍّ كَانَ مُبَذِّرًا) .
وَإِنَّ التَّبْذِيرَ، وَهُوَ كَمَا ذُكِرَ: الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ مَا يَكُونُ: مِنْ سَيْطَرَةِ هَوَى الْمُفَاخِرَةِ، وَالْمُبَاهَاةِ، وَعَدَمِ احْتِرَامِ حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَا يُسْرِفُ مَنْ يَعْرِفُ حَقَّ غَيْرِهِ عِنْدَهُ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: