الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله (تعالى): والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ؛ معنى " يرمون المحصنات " ؛ أي: بالزنا؛ لكنه لم يقل: " بالزنا " ؛ لأن فيما تقدم من ذكر الزانية والزاني دليلا على أن المعنى ذلك؛ وموضع " الذين " ؛ رفع بالابتداء؛ وعلى قراءة عيسى بن عمر؛ يجب أن يكون موضع " الذين يرمون المحصنات " ؛ نصبا؛ على معنى " اجلدوا الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " ؛ وعلى ذلك اختيار سيبويه؛ والخليل؛ و " المحصنات " ؛ ههنا: اللواتي أحصن فروجهن بالعفة؛ وقوله: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ؛ [ ص: 31 ] اختلف الناس في قبول شهادة القاذف؛ فقال بعضهم: إذا تاب من قذفه قبلت شهادته؛ ويروى أن عمر بن الخطاب قبل شهادة قاذفين؛ وقال لأبي بكرة: " إن تبت قبلت شهادتك " ؛ وتوبته أن يرجع عن القذف؛ وهذا مذهب أكثر الفقهاء؛ وأما أهل العراق فيقولون: شهادته غير مقبولة؛ لقول الله (تعالى): ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ؛ قالوا: وقوله: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ؛ قالوا: هذا الاستثناء من قوله: وأولئك هم الفاسقون ؛ فاستثني التائبون من الفاسقين؛ وقال من زعم أن شهادته مقبولة: إن الاستثناء من قوله: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ؛ إلا الذين تابوا ؛ قالوا وقوله: وأولئك هم الفاسقون ؛ صفة لهم؛ وأجمعوا أن من قذف وهو كافر ثم أسلم وتاب؛ وكان بعد إسلامه عدلا؛ قبلت شهادته؛ وإن كان قاذفا؛ والقياس قبول شهادة القاذف إن تاب؛ والله - عز وجل - يقول في الشهادات: ممن ترضون من الشهداء ؛ فليس القاذف بأشد جرما من الكافر؛ فحقه أنه إذا تاب وأصلح قبلت شهادته؛ كما أن الكافر إذا أسلم؛ وأصلح؛ قبلت شهادته؛ فإن قال قائل: فما الفائدة في قوله: " أبدا " ؟ قيل: الفائدة أن الأبد لكل إنسان: مقدار مدته في حياته؛ ومقدار مدته فيما يتصل بقصته؛ فتقول: " الكافر لا يقبل منه شيء أبدا " ؛ فمعناه: " ما دام كافرا فلا يقبل منه شيء " ؛ وكذلك إذا قلت: " القاذف لا تقبل منه شهادة أبدا " ؛ فمعناه: " ما دام قاذفا " ؛ فإذا زال عنه الكفر؛ فقد زال أبده؛ وكذلك القاذف إذا زال عنه القذف؛ فقد زال عنه أبده؛ ولا فرق بين هذا وذلك؛ وتقرأ: " ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " ؛ بالتنوين؛ فاجلدوهم ؛ فـ " أربعة " ؛ [ ص: 32 ] مخفوضة منونة؛ و " شهداء " ؛ صفة للأربعة؛ في موضع جر؛ ويجوز أن يكون في موضع نصب من جهتين:؛ إحداهما على معنى: " ثم لم يحضروا أربعة شهداء " ؛ وعلى نصب الحال مع النكرة؛ ثم لم يأتوا حال الشهادة؛ فأما إلا الذين تابوا ؛ فيجوز أن يكون في موضع جر على البدل من الهاء والميم؛ على معنى: " ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا " ؛ ويجوز أن يكون في موضع نصب على الاستثناء؛ على قوله: وأولئك هم الفاسقون ؛ إلا الذين تابوا ؛ وإذا استثنوا من الفاسقين أيضا؛ فقد وجب قبول شهادتهم؛ لأنهم قد زال عنهم اسم الفسق.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية